انتفاضة 1973 وإعدام المشاركين فيها: أولى الرصاصات (4/12)الجزء الرابع
على حين غرة، وفي أوج استعدادت بعض المجموعات لساعة الصفر، أطلقت مجموعة خنيفرة أول الرصاصات لتوقظ ملحقة مولاي بوعزة ومعها المغرب بأكمله من سباته، وتبدأ فصول مرحلة جديدة في تاريخ الحركة نتتبعها في هذا الجزء والأجزاء القادمة
توقفنا في الجزء الثالث من هذا الملف، عند توزيع المجموعات واستعداداتها لأولى العمليات.
هذا الجزء الرابع، نخصصه للعملية الأولى التي عرفتها ملحقة مولاي بوعزة، صباح الرابع من مارس 1973، وما تلاها من أحداث.
في خضم النقاش حول تحديد موعد الانطلاق، وتعليمات قيادة الخارج بعدم التحرك، والاكتفاء بتشكيل “خلايا نائمة”، كانت مجموعة خنيفرة تخوض نقاشا أفضى بها إلى مخالفة التعليمات والتحرك لوحدها.
جاء هذا القرار لمجموعة أسباب، كان من بينها عدم التجانس الذي كان يطبع المجموعة، إذ كان عدد كبير من أفرادها خارج المنطقة. كما أن المجموعات الأخرى كانت بعيدة عنها بمئات الكيلومترات، إضافة إلى اعتقاد عدد من عناصر المجموعة أن المغرب سيعرف تحركا شاملا بمجرد انتشار خبر العملية.
التأم شمل العناصر المسلحة وتقرر تشكيل ثلاث مجموعات، تتولى إحداها مهاجمة البوابة الرئيسية للملحقة، وذلك بعد أن يقوم أحد أفرادها بطرق الباب، ومن ثم الانقضاض على الحارس من أجل إرشادهم للمستودع؛ بينما تحاصر المجموعة الثانية أطراف الملحقة، في ذات الوقت الذي تقوم فيه المجموعة الثالثة بقطع أسلاك الهاتف وتأمين الحماية الجانبية.
اختلاف في التخطيط والتنفيذ
اختلف أفراد المجموعة حول أهداف الهجوم الأول، فبينما رأى البعض ضرورة تنويع الأهداف، والقيام بهجومات صغيرة متفرقة تشمل المنطقة كلها، اقترح آخرون الهجوم على ملحقة مولاي بوعزة، بحجة توفرها على مخزن للأسلحة، سيسهم في تموين المجموعة على المستوى اللوجستيكي، إضافة إلى ضعف الحراسة عليه.
بعد شد وجذب، تم الاتفاق على الهجوم على ملحقة مولاي بوعزة على الساعة الواحدة ليلا من ليلة السبت 4 مارس 1973. وحددت المجموعة هدفها من الهجوم، في الاستيلاء على العتاد وتوزيعه على عناصرها لمهاجمة مراكز أخرى، واعتقال الحارس ثم إطلاق سراحه بعد الاستيلاء على مخزن الأسلحة.
اقرأ أيضا: موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: إمارة المؤمنين، حكاية البدايات.. 2/1
لتنفيذ الخطة، قامت مجموعة محمد أومدة وأحمد بوبقا وموحا أهوى بالتحرك من خنيفرة صوب ملحقة مولاي بوعزة على متن إحدى سيارات موحا أوالحاج، وكانت في انتظارهم مجموعة إضافية من المسلحين القادمين من أجبوج، أتوا على الأقدام عبر المرتفعات وطرق المنطقة.
التأم شمل العناصر المسلحة وتقرر تشكيل ثلاث مجموعات، تتولى إحداها مهاجمة البوابة الرئيسية للملحقة، وذلك بعد أن يقوم أحد أفرادها بطرق الباب، ومن ثم الانقضاض على الحارس من أجل إرشادهم للمستودع؛ بينما تحاصر المجموعة الثانية أطراف الملحقة، في ذات الوقت الذي تقوم فيه المجموعة الثالثة بقطع أسلاك الهاتف وتأمين الحماية الجانبية.
الخطة، كانت تقتضي أيضا، أنه، ومباشرة بعد العملية، يوزع أفراد المجموعة مناشير داعية إلى الثورة والانتفاض على الحكم في المنطقة، والرمي ببضع قنابل يدوية في كل من ملحقة مريرت بناحية آزرو ودائرة خنيفرة، لتوسيع دائرة العمليات.
كان عدد المشاركين في هذا الهجوم 23 عنصرا، منهم حسب المحاضر وصك الاتهام ونص الحكم الصادر عن المحكمة:
محمد أومدة، آيت عمي لحسن، بارو مبارك، حماد بن خدجو، أمزيان أمهروق، الحسين بن خويا، أقمري أوسيدي، أمزيان علي، عقا صالح، موحا أوهوي، العجيني مولود، إبراهيم أعراب، العجياني علي وعبيدي علي.
بدأت المجموعة في تنفيذ العملية التي عرفت عدة مشاكل، إذ لم يتمكنوا من الالتقاء جميعا في نقطة التجمع خلال الوقت الذي تم تحديده، وذلك بسبب احتياطات أمنية للبعض، أدت لتأجيل الموعد إلى الثانية ونصف ليلا، وهو ما لم يخبر به الكل.
رغم عدم اجتماع الكل، إلا أن الحاضرين قرروا تنفيذ الهجوم، وإن غاب من يعرفون الملحقة والمكان جيدا. كما قام آيت عمي الحسن، المتواجد مع المجموعة المكلفة بالهجوم على البوابة الرئيسية، بإطلاق النار من رشاش الكلاشنكوف على الحارس، فأرداه قتيلا على الفور، بينما لاذ الحارس الثاني بالفرار.
أحدث الوضع الجديد ارتباكا، دفع المهاجمين إلى الشروع في إطلاق النار عشوائيا على منافذ وأبواب الملحقة، دون أن يحصلوا على الأسلحة الموجودة في المستودع.
أنهت المجموعة هجومها في الساعات الأولى من صباح 3 مارس 1973، وعادت إلى منزل علي أمزيان في أجبوج، بعدما فقدت عنصرين تاها عن المجموعة.
مباشرة بعد عودتهم إلى موقعهم، قرر المهاجمون إفراغ المكان فورا والانتشار الميداني في اتجاه إكلمام ثم جبل تورزيان وصولا الى منطقة طاغاط.
مجموعة بنونة صوب أملاكو لفك الحصار عن مولاي بوعزة
كانت مجموعة بنونة تستعد بشكل عادي، وكان بين أفرادها من اتخذوا بعض الكهوف أماكنا للتدريب على الأسلحة.
مساء الرابع من مارس، جاء المراسل المكلف بنقل الأخبار للمجموعة، ليخبرهم عن تحرك مجموعة مولاي بوعزة، وهو ما أثار غضب محمود بنونة، الذي قال إن المهاجمين لم يلتزموا بالموعد المتفق عليه.
دخل محمود بنونة وعدي شان والمسؤولون المحليون عن التنظيم المسلح في نقاش مستفيض حول الخطوات الواجب القيام بها. كان البعض يتحفظ على فكرة الهجوم، بسبب جهلهم للمكان. لكن بعض المسؤولين المحليين في التنظيم المسلح، أكدوا للمجموعة معرفتهم بكل التفاصيل كـ: “مكان السلاح وعدد المخازنية ومكتب الخليفة ومحل الراديو ومكان نوم الحارس”، كما قدموا صورة شاملة عن دائرة أملاكو.
في ظل المعطيات الجديدة، قرر بنونة ومن معه القيام بهجوم على مقاطعة أملاكو لتخفيف الضغط على المجموعة الموجودة بمولاي بوعزة.
اقرأ أيضا: يهود الريف المغربي… حكاية وجود راسخ انتهت بـ”باتوا ولم يصبحوا!” 2/1
نزل بنونة ومن معه من الجبل صوب الوادي في اتجاه منزل عدي شان، الذي كان يبعد عن مقر إقامة بنونة بحوالي 20 كلم. سارت المجموعة سيرا على الأقدام، تضاعفت خلالها أوجاع محمود بنونة الصحية، وأصيب بآلام حادة في قدمه عرقلت سيره، حيث وصلوا بصعوبة لمنزل عدي شان على الساعة العاشرة ونصف ليلا، في رحلة استغرقت أكثر من ست ساعات.
دخل محمود بنونة وعدي شان والمسؤولون المحليون عن التنظيم المسلح في نقاش مستفيض حول الخطوات الواجب القيام بها. كان البعض يتحفظ على فكرة الهجوم، بسبب جهلهم للمكان. لكن بعض المسؤولين المحليين في التنظيم المسلح، أكدوا للمجموعة معرفتهم بكل التفاصيل كـ: “مكان السلاح وعدد المخازنية ومكتب الخليفة ومحل الراديو ومكان نوم الحارس”، كما قدموا صورة شاملة عن دائرة أملاكو.
انتهت نقاشات المجموعة إلى تأجيل الهجوم ليوم السبت 10 مارس 1973، الذي يوافق السوق الأسبوعي بإملشيل، مما سيقدم خدمة دعائية للعملية. كما اتفق التنظيم المحلي على التوزع إلى ثلاث مجموعات هي: تنغير، وأملاكو، واملشيل.
على الفور، تفرقت المجموعات، وأخذت كل مجموعة طريقها صوب مكانها. كانت التعليمات تقضي بالسير على الأقدام والتخفي عن الأعين، على أساس أن تصلهم الأسلحة عبر الدواب.
لم يكتب لمخطط مجموعة بنونة أن يكتمل، إذ حصلت تطورات متسارعة، سقط على إثرها محمود بنونة قتيلا وتفرقت مجموعته في رحلة مطاردات نتعرف على بداياتها في الجزء القادم.
تنويه:
اعتمد في إنجاز حلقات هذا الملف على المصادر التالية:
– كتاب “الثورة الموؤودة” لمحمد لومة.
– كتاب “أبطال بلا مجد” للمهدي بنونة (نجل محمود بنونة).
– كتاب “ثورة لم تكتمل” لمحمد التوزاني
– التقارير المرفوعة لقيادة التنظيم السري من طرف الناجين من الاعتقال
o تقرير سي إبراهيم
o تقرير القاضي
o تقرير النجار
– العدد رقم 3 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1976
– العدد رقم 14 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1977.
– لقاءات شفوية مع كل من:
o محمد التوزاني
o بعض أهالي المختطفين والمعتقلين من مجموعة مولاي بوعزة والتنظيم السري المحلي بخنيفرة
لقراءة الجزء الأول: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة بالمغرب (1/12)
لقراءة الجزء الثاني: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: في الطريق إلى انتفاضة 1973. خلافات رفاق السلاح (2/12)
لقراءة الجزء الثالث: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: الطريق إلى السلاح (3/12)
لقراءة الجزء الخامس: معركة أملاكو ومقتل محمود بنونة (5/12)
لقراءة الجزء السادس: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معركة السونتات (6/12)
لقراءة الجزء السابع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: الخيانة (7/12)
لقراءة الجزء الثامن: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: تشتت قيادة الخارج (8/12)
لقراءة الجزء التاسع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معارك تنغير (9/12)
لقراءة الجزء العاشر: رحلة بني ملال: خيبة أمل ونجاة (10/12)
لقراءة الجزء الحادي عشر: قيادة الخارج: تندوف، البوليساريو… التيه الكبير 11\12
لقراءة الجزء الثاني عشر: في ذكرى تنفيذ عقوبة الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: المحاكمة والإعدام (12/12)