الحروب مستقبلا… سيبرانية؟ 2/1 - Marayana - مرايانا
×
×

الحروب مستقبلا… سيبرانية؟ 2/1

بعد مقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، في عملية عسكرية أمريكية، يناير 2020، أثيرت تكهنات عدة حول الرد الإيراني… استبعد المحللون الخيار العسكري بالصيغة التقليدية، لكنهم رجحوا ردا إلكترونيا أو اندلاع حرب سيبرانية بين الطرفين…

حين نروي أحداث حرب ما، ننهل في العادة من معجم مشؤوم المفردات: أسلحة، جيوش، خراب، قتلى، دماء، أشلاء… أو هكذا علّمتنا كتب التاريخ التي تروي أحداث الحروب، التي لا تكفي أصابع اليد حتما لجردها على امتداد الوجود البشري.

في مأثور يُنسب لعالم الفيزياء، ألبرت إنشتاين، يقول “لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة”.

اقرأ أيضا: الحرب… لعنة البشرية؟ 3/1

… لعدم علم إنشتاين هذا وجه أبرز من غيره، وهو أنه كان متيقنا من ولع الإنسان بالحرب، ومن ثمّ تطوير أسلحة تضمن له الغلبة دوما.

يرى جون مكافي، صاحب أحد أشهر برامج مكافحة الفيروسات، أن الحرب السيبرانية يمكن أن تحدث دمارا أكبر بكثير مما يمكن أن تحققه ترسانة نووية.

غير أن الإنسان مضى يُطوّر الأسلحة حتى بلغ مداه ووضع حياته، غالبا أو مغلوبا، على حدود الفناء.

وطالما أن هذه الفكرة كلّفته ماديا، وقد تُكلّفه النهاية، يبدو أنه فكّرَ: ماذا عن حرب دون أسلحة تقليدية، ولا جيوش نظامية… أو دق طبول؟

منذ الآن، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، صارت تُطرح أسئلة عدة حول تطبيق القانون الدولي الإنساني[1]… حول تعريف “النزاع المسلح” بحد ذاته.

اقرأ أيضا: كوثر بوبكار تكتب: بموازاة المعركة ضد كورونا… احذروا الفيروسات الإلكترونية!

الثورة التكنولوجية لم تجعل العالم قرية صغيرة[2] وحسب، إنها ماضية إلى تغيير مفاهيم معقدة حتى، مثل الحرب.

لماذا؟ لأن الفضاء الإلكتروني، أو السيبراني[3]، ساحة الحروب القادمة![4]

يعود الحديث عن الحرب السيبرانية إلى بدايات تسعينيات القرن الماضي. ورغم مرور سنين عدة، لم تُصقل بعد كمفهوم… في الأوساط الأكاديمية على الأقل.

عسكريا، لم يعد الخيار الأنسب تفجير قنبلة نووية لتدمير دولة ما مع وجود خطر هجوم مضاد… إنّما هجوم إلكتروني، خفي، على شبكة الكهرباء مثلا، يوقف البنى التحتية للدولة إلى حد الانهيار الاجتماعي.

أولى الكتابات المتنبئة بنوع الحروب هذا، مقال لـJohn Arquilla وDavid Ronfeldt يعود إلى عام 1993، بعنوان: Cyber-war is coming (الحرب السيبرانية قادمة)[5].

عرّف الكاتبان يومها هذه الحرب بـ”تنفيذ، والاستعداد لتنفيذ، العمليات العسكرية وفقا للمبادئ المعلوماتية، من خلال تعطيل -إن لم يكن تدمير- نظم المعلومات والاتصالات على أوسع نطاق”[6].

مع مرور السنين اتضح أن الحرب السيبرانية، ببساطة، حربٌ تدور رحاها على شبكة الأنترنت، وتنطوي على هجمات ذات دوافع سياسية على نظم المعلومات.

اقرأ أيضا: إدمان التكنولوجيا الرقمية: صناعة تستعبدنا ولها مخاطر أم أن المخاطر مجرد ادعاء؟

من بين أهداف عدة، يمكن لهذه الهجمات أن تُعطل مواقع الويب الرسمية، وشبكات الأنترنت، أن تُعطل الخدمات الأساسية، أن تسرق أو تعدل البيانات السرية، أن تخرّب الأنظمة المالية…

وطالما أنّ الجميع يُمكنه الاتصال بالأنترنت، فهذه الهجمات لا يقتصر تنفيذها على الدول وحسب، إنما يُنفذها الأفراد أيضا والمنظمات غير الحكومية وكذا التنظيمات الإرهابية…

لكل هذا، ثمة من تطال عينه الحرب السيبرانية بنظرة أكثر شؤما.

منذ الآن، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، صارت تُطرح أسئلة عدة حول تطبيق القانون الدولي الإنساني… حول تعريف “النزاع المسلح” بحد ذاته.

المؤرخ العسكري البريطاني، مايكل هوارد،  يؤكد من جهته أن الصراع العالمي القادم سيكون حربا إلكترونية، فالأخيرة يمكن أن تقضي على البشرية[7].

أما صاحب أحد أشهر برامج مكافحة الفيروسات، جون مكافي، فيرى أن الحرب السيبرانية يمكن أن تحدث دمارا أكبر بكثير مما يمكن أن تحققه ترسانة نووية[8].

عسكريا، لم يعد الخيار الأنسب، بحسبهما، تفجير قنبلة نووية لتدمير دولة ما مع وجود خطر هجوم مضاد… بل هجوم إلكتروني، خفي، على شبكة الكهرباء مثلا، يوقف البنى التحتية للدولة إلى حد الانهيار الاجتماعي.

اقرأ أيضا: على أبواب ثورة لم يشهد العالم مثلها منذ الثورة الصناعية… الذكاء الاصطناعي: مدعاة للتفاؤل بالمستقبل أم للارتعاب منه؟

شبكة الأنترنت، إذن، سلاحٌ ذو حدين…

يَسّرت الحياةَ مع الاستبدال المتزايد للصيغ التقليدية لتقديم الخدمات بخدمات إلكترونية أو رقمية، وبالمقابل أدت إلى تصاعد المخاوف من هجمات توقف الدولة بكاملها طالما أن وجودها صار يتوقف على الأنترنت.

الثورة التكنولوجية لم تجعل العالم قرية صغيرة وحسب، إنها ماضية إلى تغيير مفاهيم معقدة حتى، مثل الحرب.

لا نتحدث هنا عن هجوم يُعطل شبكة الكهرباء فقط مثلا وما إليها من خدمات ذات طبيعة مدنية أساسا، لكن أيضا عما هو عسكري… ماذا لو وصلت دولة ما، أو فرد حتّى، إلى التحكم سيبرانيا في الزر النووي لدولة أخرى؟

لا عجب أن نرى سباقا موازيا لسباق التسلح… سباقُ تطوير برمجيات تستطيع بها الدولة امتلاك قدرات هجومية وأخرى دفاعية، تُعينها على تنفيذ هجمات كهذه من جهة، والتصدي لها من جهة أخرى.

هكذا، الحروب مستقبلا قد تكون ثورية… أقلّ جعجعة وأكثر تأثيرا!

 في الجزء الثاني نتطرق إلى نموذج يُقرّبنا من خطورة الحرب السيبرانية، نتابع لمحة عن أهمية الأمن السيبراني كذلك، ثم نرى كيف تجعل هذه الحربُ القانونَ المعنيّ يفرك يديه.

لقراءة الجزء الثاني: الحروب السيبرانية… الأثر التدميري للأنترنت! 2/2


[1]  مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من النزاعات المسلحة، والتخفيف من الخسائر البشرية والمادية المترتبة عليها، وكذا حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال مثل المدنيين.
[2]  مقولة للمنظر الإعلامي الكندي، مارشال ماكلوهان، تعود إلى أواسط القرن الماضي.
[3]  مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية “Kybernetes”، التي تعني القيادة والتحكم عن بعد، ويطلق اليوم على كل ما يتعلق بالشبكات الإلكترونية الحاسوبية وشبكة الأنترنت.
[4]  محمد سالم العتوم… عن مقاله “الحروب السيبرانية… ضربات متتالية”.
[5] إيهاب خليفة، خبير في تكنولوجيا المعلومات… عن كتابه: “مجتمع ما بعد المعلومات… تأثير الثورة الصناعية الرابعة على الأمن القومي”.
[6]  المصدر نفسه.
[7]  عن مقال “الحرب السيبرانية أكثر فتكا من الأسلحة النووية”… منشور على موقع صحيفة “ذا داي” البريطانية.
[8]  المصدر نفسه.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *