أوجه التشابه بين المتطرفين ودعاة الاعتدال. هل هناك نسخة معدلة من الإسلام!؟
نقاط التشابه بل التجانس كثيرة بين المتشددين و”دعاة” الإسلام المعتدل، ولو قدرنا أن نخمن نسبة مئوية لدرجة هذا التشابه، لتجاوزت 90 بالمئة.
لهذا، يرفض الأزهر وغيره من المؤسسات المعتدلة إخراج داعش عن دائرة الإسلام والحكم بردتها عن عدله ورحمته، وذلك لأن أصولهما مشتركة؛ ونقد داعش أو تكفيرها، هو نقد لأصول تلك المؤسسات.
غاية ما يوجه لها من النقد هو الاتهام بالتطرف والغلو، وهذه الصفة لا يمكن إطلاقها إلا على من تبنيا نفس العقيدة أو الأحكام… غير أن أحدهما أفرط وغلا من وجهة نظر الآخر في اعتقاده أو تطبيقه لهذه الأحكام المشتركة!
في غمرة الحرب على الإرهاب، واستيلاء داعش على السلطة وتقدمها في شمال العراق وسوريا تحت شعار “باقية وتتمدد”، الذي يحيل مباشرة على تبني عقيدة جهاد الطلب الذي يجعل حدود الدولة عبارة عن ثغور وأرض رباط لا تهدأ لإخضاع كل الشعوب لهيمنة الإسلام بقوة السيف أو السلام مقابل الجزية، استطاعت داعش السيطرة على منطقة جغرافية مهمة…
لأول مرة، وبعد أكثر من قرن عن تعطيل حكم الشريعة كلية في ما يسمى بالعالم العربي، ستتمكن داعش من فرض العقيدة والفهم السلفي للشريعة على نطاق واسع من جغرافية الشرق الأوسط.
ثم… أخذت الصور ومقاطع الفيديو تتناسل ليرى العالم كله عدل الحكم الإسلامي. رؤوس مقطوعة ومعلقة على أسلاك الحدائق العمومية، إحراق الطيار الأردني “معاذ الكساسبة” حيا، أسواق نخاسة لبيع الأيزيديات، قطع للأيدي، قذف للمثليين من فوق السطوح، رجم بالحجارة حتى الموت… جلدٌ وقمعٌ وصورٌ متتالية صدمت المسلمين قبل غيرهم، فانقسموا بين لاعنٍ لأفعال داعش ومتهمٍ لها بأنها لا تمثل الإسلام ورحمته، وبين مؤيد وداع لها بمزيد من التمكين والتمدد…
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، في ظل تزايد المتهمين لداعش بالتطرف:
هل فعلا داعش لا تمثل الإسلام؟؟ وما نقاط التشابه والاختلاف بين داعش وبين باقي الجماعات التي تتبرأ من أعمالها ؟؟
* المتفق عليه بين داعش والجماعات التي تدعي الاعتدال.
1- احتكار الحقيقة
يرى كل الإسلاميين أن دينهم هو الحق الذي لا مرية فيه، واليقين الذي لا تكدره الشكوك والدين الذي لن يقبل الله من أحد سواه. ويبنون هذه القناعة الراسخة على الكثير من النصوص مثل: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”، “إن الدين عند الله الاسلام”، “وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا”…
حين يسمع المرء من إسلامي معتدل أن داعش لا تمثل الإسلام، فالسؤال الذي يجب طرحه: في ماذا لا تمثل داعش الاسلام؟
هل في اعتقادها بأحقيتها في حكم الدنيا واحتكار الآخرة؟! أم في وجوب تطبيق الشريعة؟! أم في نبذ الاجتهاد أمام النصوص القطعية؟! أم بضرورة جعل الفقيه وصيا على المجتمع؟!
هذه القناعة الثابتة قاسم مشترك بين كل الجماعات الإسلامية، لا يختلف حولها أحد، وتجعل من الإسلام إيدلوجية شمولية رافضة للآخر إما تصريحا، كما تعلن عن ذلك داعش من خلال محاولة فرضها عبر الجهاد والتوسع؛ أو اعتقادا دون إعلان، كما تعتقد باقي الجماعات.
2- تطبيق الشريعة
غاية كل إسلامي، سواء كان متطرفا أو معتدلا، هو تطبيق الشريعة الإسلامية، ليقينه أنها شريعة ربانية عادلة صالحة لكل زمان ومكان. كما لا يختلفان حول كُفر من حكم بغيرها، مستحلا بذلك كفرا أكبر يوجب هدر دمه وماله من طرف ولي الأمر. ولا يعذر أحد من التكفير حتى لو كان متأولا بالسياق التاريخي والاجتماعي للشرائع وعدم ملائمتها للواقع المتجدد، وأن قطع الأيدي والأرجل من خلاف، ورجم الزاني وقطع الرؤوس شرائع أصبحت متجاوزة في زمن حقوق الإنسان والمقاربات السيكولوجية والاجتماعية للقضاء على الجريمة.
تطبيق الشريعة في معتقد الفريقين، من متشدد ومعتدل، يكون تطبيقا كليا وليس انتقاء بعض الأحكام والإعراض عن بعض. وتنبع حقيقة الإجماع على وجوب تطبيق الشريعة من خلال اعتقادهم باحتكار الحقيقة دون سواهم من الناس، وأن كل ما عدا شرع الله ضلال وهوى… حتى لو نجحت دولة كالسويد في توفير الاكتفاء المادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية، والقضاء على الجريمة، وانتزاع مراتب مشرفة في سلم السعادة العالمي دون تطبيق الشريعة.
3 – عدم الاجتهاد في مورد النص
لا يختلف المعتدل المقاصدي عن المسلم الأصولي حول نبذ الاجتهاد في وجود نص قطعي الثبوت والدلالة، ولا يُتصور، مثلا، من إسلامي معتدل، أن يناقش مسألة المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، رغم تغير الظروف الاجتماعية، واعتماد المرأة على نفسها واستقلالها بذاتها. فتجد الفريقين قد جعلا في أذنيهما الطين والعجين، وعلى أعينهما غشاوة من تعصب تحول دون تحليلهما لمعطيات الواقع وتطور المجتمعات التي تقتضي ضرورةً تغير الشرائع…
حين يريد الإسلاميون إسلاما كالذي ينفرون منه اليوم، دون اتهام له بأنه أمريكي أو يهودي ماسوني، وينظرون له على أنه إسلام يفرضه تغير الظروف والسياقات، واقتضته حيوية المجتمعات… آنذاك… يمكن أن يكونوا معتدلين متصالحين مع شروط عصرهم.
هكذا، تجد كل نص قطعي، رغم تضمنه لتشريع تجاوزه الزمن، كحبس المعتدة غير الحامل نفسها أربعة أشهر وعشرة أيام دون خروج إلا لضرورة، وآية الحرابة… نصوصا لا يحل تغيير أحكامها ولا الاستحياء منها.
هذا الجمود، وعدم استكناه الشرائع في جوهرها ومآلاتها، وتقديس حرفية النص، هو الذي يحكم على كل حركة تنويرية تحررية بالردة ويناصبها العداء، ويجعل المتشدد والمعتدل… يسيران عكس حركة التاريخ والتطور.
4- هيمنة الفقهاء على المجتمع
من أهم ملامح المجتمع، سواء حكمه المتشددون أو المعتدلون، هو سيطرة الكهنوت مع السلطة السياسية في التنظير للمجتمع والسياسة والسلم والحرب، وطريقة عيش الناس وتطور العلوم، والإفتاء في كل شيء، وتقييد كل حركة أو سكنة بفتوى مبيحة أو حاظرة بحسب شرعية الفعل أو حرمته، فرأي الفقيه حاضر في المسجد والمختبر والسوق والملعب وفي العالم الحقيقي والإفتراضي …وحتى بين الرجل وزوجته على فراش النوم…
يقول سيد قطب: “إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع. مهمتنا هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه. هذا الواقع الذي يصطدم اصطدامًا أساسيًا بالمنهج الإسلامي، وبالتصور الإسلامي، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش”.
تطبيق الشريعة في معتقد الفريقين، من متشدد ومعتدل، يكون تطبيقا كليا وليس انتقاء بعض الأحكام والإعراض عن بعض. وتنبع حقيقة الإجماع على وجوب تطبيق الشريعة من خلال اعتقادهم باحتكار الحقيقة دون سواهم من الناس، وأن كل ما عدا شرع الله ضلال وهوى… حتى لو نجحت دولة كالسويد في توفير الاكتفاء المادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية، والقضاء على الجريمة، وانتزاع مراتب مشرفة في سلم السعادة العالمي دون تطبيق الشريعة.
ويقول الأستاذ محمد عبده، زعيم الاعتدال: “الإسلام دين وشرع، فهو قد وضع حدودا، ورسم حقوقا … ولا تكتمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجدت قوة لإقامة الحدود، وتنفيذ حكم القاضي بالحق، وصون نظام الجماعة… والإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان شأنه أن يحاسب قيصر على ما له، ويأخذ على يده في عمله… فكان الإسلام: كمالا للشخص… وألفة في البيت… ونظاما للمُلك”. ويؤازره في رأيه تلميذه الشيخ القرضاوي، الذي نهل من مدرسة اعتداله، فيقول واصفا صفات الحاكم المسلم في إحدى مقالاته المنشورة على موقعه الرسمي: “هذا الحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق، هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره من المكلَّفين: رب الناس، مَلِك الناس، إله الناس. ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يُجمِّدوها، ولا أن يأخذوا منها ويدعوا بأهوائهم”.
ولا داعي أن نعضد القول برأي السلفيين، على اختلاف مشاربهم، بضرورة خضوع المجتمع لسلطة الفقهاء المعنوية، فوضوح مذهبهم يغني عن إيضاحه، وهم الذين يعظمون قولة سفيان الثوري: “إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل”، ويعملون بنصيحة الإمام أحمد بن حنبل للميموني: “يا أبا الحسن إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام”.
ومهما حاول المعتدلون نفي صفة الدولة الدينية عما يُنَظرون له في أدبياتهم السياسية، فهي صفة لازمة لهم بقوة النصوص. لهذا تجد كبير معتدليهم القرضاوي، يقر بأن نفي صفة الدينية عن الدولة، لا يلغي وجوب تطبيق الشريعة بفهم الفقهاء. فكيف يعقل إذن أن تجمع بين الدولة المدنية وبين تنصيب موقعين عن الإله يحكمون باسم الله وبشرع الله.
من أهم ملامح المجتمع، سواء حكمه المتشددون أو المعتدلون، هو سيطرة الكهنوت مع السلطة السياسية في التنظير للمجتمع والسياسة والسلم والحرب، وطريقة عيش الناس وتطور العلوم، والإفتاء في كل شيء، وتقييد كل حركة أو سكنة بفتوى مبيحة أو حاظرة بحسب شرعية الفعل أو حرمته، فرأي الفقيه حاضر في المسجد والمختبر والسوق والملعب وفي العالم الحقيقي والإفتراضي …وحتى بين الرجل وزوجته على فراش النوم…
نقاط التشابه بل التجانس كثيرة بين المتشددين و”دعاة” الإسلام المعتدل، ولو قدرنا أن نخمن نسبة مئوية لدرجة هذا التشابه، لتجاوزت 90 بالمئة. لهذا يرفض الأزهر وغيره من المؤسسات المعتدلة، إخراج داعش عن دائرة الإسلام والحكم بردتها عن عدله ورحمته، وذلك لأن أصولهما مشتركة، ونقد داعش أو تكفيرها، هو نقد لأصول تلك المؤسسات. وغاية ما يوجه لها من النقد هو الاتهام بالتطرف والغلو، وهذه الصفة لا يمكن إطلاقها إلا على من تبنيا نفس العقيدة أو الأحكام، غير أن أحدهما أفرط وغلا من وجهة نظر الآخر في اعتقاده أو تطبيقه لهذه الأحكام المشتركة.
بهذا يتبين أن الاختلاف هو اختلاف في نسبة تطبيق الحكم وليس حول الحكم نفسه. وكذا تصريح الجماعات المتشددة علانية بأفكارها والترويج لمعتقداتها دون تقية، واتباع المعتدلين سياسة التمكين للإسلام في ظل الاستقرار، والدعوة له عبر الإقناع والحوار، والتمهيد لتطبيق الشريعة بالتدرج والنفس الطويل.
حين يسمع المرء من إسلامي معتدل أن داعش لا تمثل الإسلام، فالسؤال الذي يجب طرحه: في ماذا لا تمثل داعش الاسلام؟
هل في اعتقادها بأحقيتها في حكم الدنيا واحتكار الآخرة؟! أم في وجوب تطبيق الشريعة؟! أم في نبذ الاجتهاد أمام النصوص القطعية؟! أم بضرورة جعل الفقيه وصيا على المجتمع؟!
لن يجد صاحب هذه التساؤلات جوابا غير التقدم بوجوه واهية من الاختلاف لا تشكل اختلافات جوهرية بين المشروعين، كتسامح بعض المعتدلين، وليس كلهم، مع لباس المرأة، والاختلاط بين الجنسين، وإباحة بعض المعاملات الاقتصادية والممارسات السياسية… وهذه الاختلافات، لا تمثل شيئا أمام الموافقات في أصول الاعتقاد، لأن الاعتدال الحق، هو النظر للإسلام كدين، كانت تشريعاته صالحة في زمكان معين حسب سياقاته واشتراطاته الاجتماعية. وسيظل الاعتدال يجافي كل الحركات الإسلامية مهما ادعوه، حتى يكون ما يذموه في عقيدتهم هو الصواب الذي ينبغي المصير إليه.
… يقول سيد قطب: “إنهم يريدون إسلامًا أمريكانيًّا، إنهم يريدون الإسلام الذي يُستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يُستفتى في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية”.
حين يريد الإسلاميون إسلاما كالذي ينفرون منه اليوم، دون اتهام له بأنه أمريكي أو يهودي ماسوني، وينظرون له على أنه إسلام يفرضه تغير الظروف والسياقات، واقتضته حيوية المجتمعات…
آنذاك… يمكن أن يكونوا معتدلين متصالحين مع شروط عصرهم.
اقرأ أيضا:
. أحمد المهداوي يكتب: تعددت الإسلامات.. والاتهام واحد !!