في حوار مع مرايانا… بوحسين: الجائحة أثّرتْ كثيراً على الفنّ، ودرسُها أنْ يُعادَ النّظر في التدبير الثقافيّ…
مرّت نحو 9 أشهر على بداية الجائحة، ولا يزال القطاع الفني في المغرب متعثّرا لا يجد لنفسه سبيلا إلى النهوض مجدّدا… فدور العرض ما زالت مغلقة، بينما يُعاني الفنانون ومن يعملون معهم في ظل غياب أي مداخيل.
رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، مسعود بوحسين، أكد في حوار مع “مرايانا” أنّ القطاع تأثرّ كثيرا بالجائحة، سواء ثقافيا أو اجتماعيا.
غير أنّ، الفنّان المغربي، استنكر غياب رؤية واضحة لدى الوزارة الوصية للنهوض بالقطاع، سواء أثناء الجائحة، في أعقابها، وحتى قبل أن تكشفه واقعاً مهترئا.
وإذ شدّد بوحسين على أن الثقافة المغربية قوية، أكدّ أنه ينبغي أن يُعاد النظر في آليات التدبير الثقافي بالمغرب لكي تتحول إلى إطار منتج ومتغلغل داخل المجتمع.
في ما يلي نص الحوار:
– مضت عدة أشهر على بداية الجائحة، إلى أي مدى أثّرت على القطاع الفني؟
تأثر القطاع على مستويين.
الأول اجتماعي وطال فئات واسعة من الفنانين، بخاصة منهم من يشتغل في فنون العروض الحية التي تعرض أمام الجمهور، سواء المسرح، الموسيقى، المهرجانات… إلخ.
والثاني ثقافي، إذْ إن المنتوج الثقافي قلّ، خاصة في المسرح، وفي مجالات أخرى بالتأكيد.
كل من يعيش حصرا من المجال الفني يعاني، في ظل غياب مداخيل مالية منذ مارس 2020
من ثم، إذا لم تكن هنالك برامج لإعادة تفعيل دينامية الحياة الثقافية، فإن الانعكاسات الاجتماعية والثقافية هذه، ستتواصل إلى ما بعد كورونا.
وإلى حد الساعة، لا تزال الفضاءات الثقافية مُغلقة رغم أن الحجر قد رُفع في المناطق التي ما عادت موبوءة…
إذن المجال الثقافي والفني ومجال العروض الحية… كل هذا تأثّر.
– لم يعد هناك اليوم إغلاق شامل، وقد مرّت فترة لا بأس بها من يونيو إلى دجنبر 2020 تروم تخفيف الحجر الصحي… هل تلمسون أي انتعاشة في القطاع أو وجود محاولات إنعاش على الأقل؟
عن أي انتعاشة نتحدّث؟ لا توجد أي انتعاشة. الفضاءات مغلقة. التلفزيون وحده إلى حد ما، يظل مخرجا، طالما لا يُمكنهم إيقاف البث.
في الواقع، كانت هناك مجالات أخرى تحتاج هي أيضا إلى رفع الحجر مع احترام التدابير الوقائية…
– إذن لا انتعاشة في غياب العرض؟
أجل. المشكل أنه لا يوجد أي تصور لما بعد كورونا حتى…
اقرأ أيضا: فاطمة أبيدار تكتب: الفن أيضا ثروة رمزية
– قبل ذلك، حدّثنا ببعض من التفصيل عن المعاناة الاجتماعية التي تطال الفنانين والمشتغلين في القطاع بشكل عام…
كل من يعيش حصرا من المجال الفني يعاني، في ظل غياب مداخيل مالية منذ مارس 2020. ولكَ أن تعد، والعدّ لا يزال مفتوحا.
مشكلتنا مشكلة تدبير ثقافي. الوزارة الموكول لها تدبيره غير قادرة على ذلك. لا ترصد المال الكافي، ولا الكفاءات الكافية…
الفن من القطاعات المتضررة بشكل كبير، والوزارة الوصية للأسف لم يكن لديها أي رؤية… وهذا ليس جديدا، فالوزارة لم يكن لديها رؤية للموضوع منذ زمن.
الجائحة أبانت فقط عن الضعف الكبير في مجال التدبير الثقافي.
– بمعنى أن الجائحة تدق المسمار الأخير في نعش القطاع؟
لا. القطاع الفني لن يموت. أتحدّث عن التدبير الثقافي والسياسات الثقافية. الفن كان دائما وكذلك الثقافة. سواء كانت الحكومة أو لم تكن…
المغرب في مجال التدبير الثقافي ضعيف جدا، وإن كانت الثقافة المغربية قوية…
حتى تدبير الحكومات المتعاقبة لهذا الملف كان دائما ضعيفا؛ حيث تخصص للثقافة 0.37 بالمائة من الميزانية العامة… أقل 0.5 بالمائة! فبالأحرى أن تتدخل وتجد حلولا…
اقرأ أيضا: المغاربة السود، أين هم؟ في حديث مع مبارك بوحشيشي حول الفن والعرق وأهمية التفكيك الإيديولوجي 1/3
– ماذا عن الدعم الذي قدمته الوزارة مؤخرا؟
أين هو هذا الدعم؟ لم نتوصل بشطره الأول إلى حدود الساعة.
– رغم كلّ الضجة التي أثارها؟
أثار ضجة مبنية على معلومات غير صحيحة. تحدّثنا في هذا بكل قوة في وقته. إنّها شعبوية مفرطة. وقد شرحنا أن الدعم يوجد منذ زمن، وأن الهدف منه دعم الأعمال الثقافية، لا دعم الأفراد…
ليس لوزارة الثقافة أي دواعي وجود إن كانت لن تقوم بهذا… إنّه أضعف الإيمان…
– كان سوء فهم إذن؟
أجل. سوء فهم كبير. حتى من بعض النخب للأسف الشديد… ثم، يوجد الكثير ممن يفترض أن يستفيدوا من هذا الدعم، في حين أن المبالغ التي رصدت قليلة. قمنا بعملية حسابية، ولا تصل هذه المبالغ إلى 5 آلاف درهم للفرد الواحد، ناهيك عن كونها ستُقدّم على شطرين… وإلى حد الآن لم نتوصل بأولهما.
– تقصد كل من يشتغلون في العمل الثقافي المدعوم…
أجل.
اقرأ أيضا: من مصر، محمد حميدة يكتب: أكذوبة الفن مرآة المجتمع
– وليست لديكم فكرة عن موعد الإفراج عنه؟
الله أعلم. إلى أن تنتهي الجائحة ربما. يوجد الكثير من العبث في التدبير الثقافي بالمغرب.
إذا أردنا مستقبلا أن نتقدم بالثقافة، ينبغي أن يعاد النظر في آليات تدبيرها وفي الوسائل المؤسساتية والقانونية المعنية بذلك… دون هذا، ستظل الثقافة مجرد مبادرات فردية…
مشكلتنا مشكلة تدبير ثقافي. الوزارة الموكول لها تدبيره غير قادرة على ذلك. لا ترصد المال الكافي، ولا الكفاءات الكافية… لا يوجد اهتمام بالمجال، ومن ثم، فطبيعيّ أن يعري كورونا هذا الواقع.
الثقافة المغربية قوية بأناسها وبمبادرتهم الشخصية…
– طيب، ومن خلال هذه المبادرات أيضا، ما تصوّركم كفنانين للنهوض بالقطاع في أعقاب الجائحة؟
حين أتحدث عن المبادرات الشخصية، أقصد الجانب الإبداعي وليس التنظيمي…
أظن أن الخطاب حول الفن والثقافة ينبغي أن يتغير. هذه المرحلة أبانت عن ضعف في التدبير الثقافي بالمغرب.
للثقافة أهمية كبيرة في الدستور. في توجهات البلاد الاقتصادية، ورهاناته… ترتبط كثيرا بالإعلام والإشهار والاقتصاد، وسمعة البلاد وغير ذلك.
إذا لم تكن هنالك برامج لإعادة تفعيل دينامية الحياة الثقافية، فإن الانعكاسات الاجتماعية والثقافية هذه، ستتواصل إلى ما بعد كورونا
الإشكال الذي يقف عائقا، يكمن في كوننا لا نستطيع التعويل على القطاع الحكومي للنهوض بالثقافة المغربية والسير بها قدما…
أظن أن هذا هو النقاش الذي ينبغي أن يطرح… إذا أردنا الإصلاح، ينبغي أن نصلح أداة الإصلاح في حد ذاتها.
اقرأ أيضا: مكتبة آل سعود بالدار البيضاء: أزيد من 800 ألف وثيقة في متناول الباحثين
ينبغي أن يعاد النظر في هذه الأداة لأنها لم تستطع التعامل مع الموضوع بعد الجائحة وعلى نحو عرى واقع القطاع.
كان ينبغي أن يكون للوزارة قصب السبق في هذا الوقت، خصوصا وأن الناس يلزمون بيوتهم … إنه الوقت المناسب للإبداع والأنشطة الثقافية… لكن لا برامج لديها، لا رؤية ولا تصور… لا شيء واضح.
إذا أردنا مستقبلا أن نتقدم بالثقافة، ينبغي أن يعاد النظر في آليات تدبيرها وفي الوسائل المؤسساتية والقانونية المعنية بذلك… دون هذا، ستظل الثقافة مجرد مبادرات فردية…
لكي تتحول الثقافة إلى إطار منتج وقوي، متغلغل داخل المجتمع ويدر عائدات اقتصادية… ينبغي أن يعاد النظر في كل ذلك، وهذا بالنسبة لي درسُ كورونا.