الأويغور… بين حلم الانفصال وسياسة الحديد والنار الصينية 2/2
تتهم الصين أقلية الأويغور بالرغبة في الانفصال… وهذا في عقيدة دولة تُطرح الكثير من الشكوك حول حقوق الإنسان بها، كافٍ ليعيش الأويغور حياةً أقل ما وُصفت به أنها مأساوية.
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف حكاية وجود أقلية الأويغور المسلمة في الصين، مع بعض من الأسباب التاريخية التي جعلتهم والسلطات الحكومية في كرّ وفرّ اليوم… أمّا ما يحدث هناك اليوم في إقليم تشنجيانغ حيث يتمركزون، فحكاية اضطهاد ومعاناة نتابع تفاصيلها في هذا الجزء الثاني والأخير.
تتهم الصين أقلية الأويغور بالرغبة في الانفصال… وهذا في عقيدة دولة تُطرح الكثير من الشكوك حول حقوق الإنسان بها، كافٍ ليعيش الأويغور حياةً أقل ما وُصفت به أنها مأساوية.
التقارير الحقوقية تتحدث، في السنوات الأخيرة، عن وجود ما لا يقل عن مليون أويغوري في معسكرات الاعتقال الصينية.
السلطات الصينية تعترف بوجود هذه المعسكرات، إلا أنها ترفض أي اتهام بالتعذيب أو قمع الأويغور. إنها مراكز لتأهيل المتشددين من سكان الإقليم، ضمن سياسة تروم مكافحة التطرف والإرهاب، تقول السلطات.
الصورة مبهمة… بينما يقول البعض إن الصين تعامل الأويغور بقسوة لرغبتهم في الانفصال عنها، يُرجع آخرون السبب إلى كون الأويغور مسلمين!
حين سُئل مسؤول صيني على قناة أسترالية بشأن خطر إصابة المساجين هناك بفيروس كورونا، قال إن “المعسكرات عبارة عن مراكز للتدريب وإن معظم السجناء دخلوها طواعية”!
لكن الصورة التي تنقلها التقارير تلك… خلاف ما تدّعيه الصين تماما. حتى إن لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة باتت تصنف إقليم شينجيانغ “منطقةً خالية من القانون”.
اقرأ أيضا: الحرية الفكرية… بين سلطة الطابو وحتمية التطور! 4/1
“الحكومة الصينية ترتكب في شينجيانغ انتهاكات بحجم لم نشهده منذ عقود” تقول من جهتها، صوفي ريتشاردسون، مديرة منظمة هيومن رايتش ووتش المعنية بحقوق الإنسان (فرع الصين).
المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، مانفريد نوفاك، يؤكد أيضا أن “التعذيب في سجون الصين لا يزال واسع الانتشار، ويستهدف بشكل كبير الأويغور والتبتيين”.
يُرجع البعض ظهور “الانتهاكات التي لم نشهدها منذ عقود” إلى خطاب الحرب على الإرهاب الذي أعقب أحداث الـ11 من شتنبر في الولايات المتحدة الأمريكية.
في تصريح سابق، أوضح أن السلطات، هناك، تستخدم طرق تعذيب مختلفة ومتعددة مثل الهراوات، الصدمات الكهربائية، السياط، أغطية الرأس، الإبر، والزيت الساخنة…
كما أن هناك أشكالا أخرى من التعذيب الذي يتعرض له السجناء، يضيف المسؤول الأممي، مثل الحرمان من النوم والغمر بالمياه والتشويه الجسدي.
المصادر الأويغورية تشير إلى أن نحو 190 من أبناء أقليتهم قتلوا في السجون الصينية منذ بداية الألفية.
“الحرب على الإرهاب”
يُرجع البعض ظهور “الانتهاكات التي لم نشهدها منذ عقود” إلى خطاب الحرب على الإرهاب الذي أعقب أحداث الـ11 من شتنبر في الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: البعد الشيطاني للخطاب الديني… أصل الإرهاب والتطرف 3\3
هذه الحرب، وفق هؤلاء، خوّلت للصين إجراء تعديلات قانونية قوضت من حقوق الإنسان، على نحو جعل كل أويغوري متهم بالإرهاب عندما تقتضي الحاجة ذلك.
يرى البعض أن السلطات في الصين تسيطر على وسائل الإعلام بشكل لا يسمح بوصول معاناة الأويغور إلى الخارج.
على سبيل المثال، تحدثت تقارير إعلامية عن اعتقال أزيد من 18 ألف أويغوري، عام 2006، بتهمة “تهديد الأمن القومي”.
كما سبق لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن نشرت تقريرا، يتحدث عن امرأة أويغورية تلقت تحويلا ماليا من الخارج… فاعتقلتها السلطات بتهمة “تمويل الإرهاب”.
الصين تقول “بوضوح” إن هذه المعتقلات، ليست إلا مراكز لإعادة التأهيل، تسعى من خلالها إلى محاربة التطرف والإرهاب.
ضريبة ماذا؟
الصورة مبهمة… بينما يقول البعض إن الصين تعامل الأويغور بقسوة لرغبتهم في الانفصال عنها، يُرجع آخرون السبب إلى كون الأويغور مسلمين!
مثل رئيس مؤتمر الأويغور العالمي، دولكان عيسى، الذي يُرجع معاناة الأويغور “التي لا مثيل لها” إلى أن معظمهم مسلمين.
اقرأ أيضا: أسماء بن العربي: مناضلو الوسم
هذا المؤتمر تأسس بالمناسبة عام 2004 ومقره يقع في ميونخ بألمانيا، وهو منظمة دولية تمثل المصلحة الجماعية لـ”شعب الأويغور”.
تقول الصين إن هؤلاء يدّعون الإسلام، وإن أصولهم ليست بتركية، وهم مجرد أداة سياسية في أيدي جماعات إسلامية تحثّهم على الانفصال وتقسيم البلاد.
عيسى أوضح في تصريح عام 2019، أن السلطات الصينية تجبرهم على الإفطار في رمضان وتمنعهم من أداء فريضة الحج، إضافة إلى منع الأطفال من دخول المساجد وحرمانهم من ممارسة تعاليم الدين الإسلامي.
على أن في الصين مسلمين آخرين يعاملون على نحو عادي. ربما كانت إعادة تأهيل الأويغور، في اعتقاد السلطات، تتطلب اضطهادا دينيا…
اقرأ أيضا: الإبادة الثقافية: الفظاعة الناعمة للبشرية! 2/1
فالصين، تذكر تقارير إعلامية، أمرت الأويغور عام 2019 بتسليم جميع المصاحف ومتعلقات الدين الإسلامي. كما شمل القرار حظر إطلاق اللحى أو ارتداء النقاب في الأماكن العامة وغيره…
تقول إن هؤلاء يدّعون الإسلام، وإن أصولهم ليست بتركية، وهم مجرد أداة سياسية في أيدي جماعات إسلامية تحثّهم على الانفصال وتقسيم البلاد.
اتهام الصين بإبادة الأويغور…
ماذا عن توطين “الهان” في الإقليم؟ المناوشات العرقية بين هذه الأكثرية وأقلية الأويغور أسفرت مثلا عام 2009 عن أزيد من 150 قتيلا.
الصين، كما تابعنا في الجزء الأول، تُحاول توطين هذه العرقية في الإقليم للتأثير على الوجود الأيغوري. وهؤلاء يرون أن ذلك من شأنه طمس ثقافتهم وتقليل فرصهم في التعليم والعمل.
قد يتساءل البعض: لماذا لا يتحدث أويغوريو الخارج إذن؟ يتعرضون للتهديد باعتقال أو إيذاء أقاربهم.
تتحدث بعض المصادر أيضا، عن إجراء الصين 46 تجربة نووية في الإقليم منذ عام 1961، على نحو تسبب في كوارث بيئية وانتشار أمراض قتلت نحو مائتي ألف شخص، وفقا لدراسات نشرها معارضون من الأويغور.
ثمة اتهامات دائمة ومتكررة حيال السلطات بالرغبة في إبادة هذه الأقلية “المشاكسة”…
اقرأ أيضا: من مصر، ماجد سنارة يكتب: الخير والشر بين الفطرة والاكتساب
في أزمة كورونا مثلا، ختمت على أبواب منازلهم أمرا بعدم مغادرتها، وقد انتشرت فيديوهات عديدة يشتكي فيها هؤلاء، كشيخ أويغوري يتساءل بحرقة: “وما يُفترض أن آكل عندما أجوع؟ ماذا علي أن أفعل؟ أآكل المبنى؟”.
أين العالم من الأويغور؟
يرى البعض أن السلطات في الصين تسيطر على وسائل الإعلام بشكل لا يسمح بوصول معاناة الأويغور إلى الخارج.
هذا فضلا عن القوة الاقتصادية والمعاملات التجارية التي تلوي من خلالها ذراع كل من تجرأ على الحديث في هذا الموضوع.
قد يتساءل البعض: لماذا لا يتحدث أويغوريو الخارج إذن؟ يتعرضون للتهديد باعتقال أو إيذاء أقاربهم.
حتى تركيا التي قدمت ملاذا آمنا لبعضهم سابقا، كشفت تقارير إعلامية تخليها عن الأويغور…
سبق لصحافيين في أوروبا أن حاولوا إجراء مقابلات مع هؤلاء للحديث عن هذه الانتهاكات، وللسبب ذاته، كانوا يشترطون عدم الكشف عن أسمائهم.
هكذا، لم يبق أمام الأويغور سوى مناشدة العالم الإسلامي لحث الحكومة الصينية على إنهاء هذه المعاناة… وجُلّه يفتقد لقوة التأثير في الساحة الدولية وغارق في مشاكله الخاصة.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: تاريخنا المثالي العظيم
حتى تركيا التي قدمت ملاذا آمنا لبعضهم سابقا، كشفت تقارير إعلامية تخليها عن الأويغور… إذ تقوم باستقبالهم ثم تُرسلهم إلى دولة ثالثة، مثل طاجكستان حيث يسهل للصين الوصول إليهم. لماذا؟ لتضمن استمرار الاستثمارات الصينية على أراضيها، تقول هذه التقارير.
التقارير الحقوقية تتحدث، في السنوات الأخيرة، عن وجود ما لا يقل عن مليون أويغوري في معسكرات الاعتقال الصينية.
… أما الرجل القوي في النظام السعودي، ولي العهد محمد بن سلمان، فقد قال “بوضوح” عن قضية الأويغور خلال لقائه بنائب رئيس مجلس الدولة الصيني هان تشنغ في بكين: “للصين الحق في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لضمان الأمن القومي”…و إن “السعودية تحترمها وتدعمها ومستعدة لتعزيز التعاون معها”…
قال ذلك، ووقع مع الصين عشرات الاتفاقيات تتعدى قيمتها 28 مليار دولار… ومضى.
مع هذا التواطؤ العالمي إذن… يظهر أن قدر الأيغوري مأساة لا أفق يشي بنهايتها!
لقراءة الجزء الأول: الأويغور… ما حكاية هذه الأقليّة المسلمة في الصين؟ 2/1
المقال منحاز الى زجهة نظر الغرب كانه مؤدى عنه