مأساة البدون… أن تسكنَ الوطن دون أن تحمل جنسيته!
ليس لأحدٍ أن ينتزع مِنّا ذاك الشعور الباذخ بالانتماء إلى وطن ما… لكنّ الانتماء بالشعور شيء، والانتماء للدولة حيثُ يوجد الوطن شيء آخر تماما.
عن مأساة البدون…
تخيّلْ! أن تولدَ في دولة ما، المغرب مثلا، وألّا تكون “مَغربيا”!
… وأجدادُكَ ولدوا هنا، تتحدّث لُغة البلد، في جيناتك امتدادٌ لعاداته، وجِلدتُك بعضٌ من تاريخه، وفيكَ انطوى “حُبّ الوطن”… ومع ذلك، لستَ “مَغربيا”!
حالةٌ غريبة؟ تلكَ حكايةُ “البِدون”…
تُشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد هؤلاء الأشخاص يبلغ 10 ملايين، مؤكدةً أنّ الرقم الأدق غير معروف.
ليس لأحدٍ أن ينتزع مِنّا ذاك الشعور الباذخ بالانتماء إلى وطن ما… لكنّ الانتماء بالشعور شيء، والانتماء للدولة حيثُ يوجد الوطن شيء آخر تماما.
قد تلبسُ، حينها، جلبابا وطربوشا أحمرَ… غير أنّه إذا أوقفك شرطيّ وطلبَ منك بطاقة الهوية، ستعرف أنّكَ في عِداد مفهوم الدولة: مقيمٌ غير شرعيّ.
… وأن تكون مُقيماً غير شرعيّ، أو “بِدون” في حالتنا هذه، يعني ببساطة أنّك محرومٌ من أدنى حقوقكَ كإنسان وكمواطن.
اقرأ أيضا: نظام الكفالة في الخليج… عُبوديّةٌ حديثة؟
ومِن حقوقك كإنسان، يقول الإعلان العالمي الذي صدر عام 1948م، أن تتمتع بجنسية ما وأن تربطكَ صلةٌ قانونية بدولة ما.
أنْ تتمتع بهذا الحق، يُرتّب التزامات على الدولة في صُورة حقوق سياسيّة ومدنيّة، كما يُرتّب واجبات على صَاحب الجنسية كدفع الضرائب مثلا…
نقولُ عديم الجنسية، أو هكذا يُدعى رسميا، أما وصف “البدون” فذائعٌ في الخليج، حيث توجد حالة قد تكون الأشهر في العالم.
البِدون اختصار لـ”بدون جنسية”… والشخصُ البدون، وفق اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية لعام 1954م، هو ذاك الشخصُ الذي لا تعدّه أي دولةٍ مواطنا بمقتضى تشريعاتها.
هذه الاتفاقية، بالمناسبة، تخول لـ”البدون” وضعا قانونيا يُمكّنه من الحصول على بعض المستندات مثل وثائق السفر…
تُشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد هؤلاء الأشخاص يبلغ 10 ملايين، مؤكدةً أنّ الرقم الأدق غير معروف.
اقرأ أيضا: التطبيع… عودةٌ إلى حالة طبيعية أم تطويع وقسر على الاعتياد؟ 3/1
نجد هؤلاء في كل أنحاء العالم، كإفريقيا، حيث لا يتمتع بعض السكان بحقوق المواطنة في كينيا مثلا.
… أو أوروبا، حيث أدى تفكّك كل من الاتحاد السوفياتي والاتحاد اليوغوسلافي، تسعينيات القرن الماضي، إلى بروز مشكل انعدام الجنسية في الدول التي قامت على أنقاضها بسبب ارتفاع عدد السكان وتحرّكات اللاجئين.
مُعظم “بدون الكويت” يسكنون في مناطق الجهراء؛ تيماء والصُّليبية (شمال غرب)، وهم أبناء بدوٍ رُحّل من قبائل شمال الجزيرة العربية.
الأسباب التي تجعل من عديمِ الجنسية، عديمَ جنسية، كثيرة في الواقع، ففي بعض الدول من يُجهل أبوه لا يُمنح الجنسية، وآخرون كانوا ضحايا لترسيم الحدود، فيما يُحرم البعض منها وتُسقط عنه لسبب ما… ككونه مُعارضا سياسيّا مثلا!
نقولُ عديم الجنسية، أو هكذا يُدعى رسميا، أما وصف “البدون” فذائعٌ في الخليج، حيث توجد حالة قد تكون الأشهر في العالم، أو في المنطقة الناطقة باللغة العربية على الأقل.
بدونُ الكويت
تُقدّر المنظمات الحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، عدد عديمي الجنسية في الكويت بنحو 100 ألف شخص. محمد والي العنزي، مؤسس حركة الكويتيين البدون، يصل بالرقم في أحد تصريحاته إلى نصف مليون شخص.
يقول هؤلاء إنهم وُلدوا في الكويت؛ لم يُغادروها يوما، ولا عَرفوا غيرها وطنا… ولأنهم كذلك، يُطالبون بحقوق المواطنة كاملة. لكن سلطات البلاد ترفضُ وتعدّهم أشخاصا مقيمين بصورة غير شرعية على أراضيها.
نجد هؤلاء في كل أنحاء العالم، كإفريقيا، حيث لا يتمتع بعض السكان بحقوق المواطنة في كينيا مثلا.
القانون الكويتي يدعوهم بـ”غير محددي الجنسية”، وكان في ما قبلُ قد تدرّج في تسميّتهم بـ”غير كويتي” ثمّ “بدون جنسية”… سبق أيضا لوزارة الداخلية هناك أن أشارت إلى أحدهم بوصف “مقيم بصورة غير قانونية”.
مُعظم “بدون الكويت” يسكنون في مناطق الجهراء؛ تيماء والصُّليبية (شمال غرب)، وهم أبناء بدوٍ رُحّل من قبائل شمال الجزيرة العربية.
اقرأ أيضا: من الأردن، بشار حداد يكتب: #دمتم_وقودا
أهلُ البادية هؤلاء لم يحصلوا على جنسية الكويت حين استقلّت عام 1961… وقد تناسلت أسباب كثيرة في ذلك، مثل عدم تطبيق مواد قانون الجنسية الكويتي بعد الاستقلال، وعدم تقدم بعضهم بطلب الحصول على الجنسية آنذاك.
على أنهم تمتعوا، على مدى ثلاثين عاما، ببعض المساواة مع الكويتيين. ثمّ لما اجتاحت العراقُ الكويتَ… زاد وضع موقفهم في بلادهم سوءاً.
وُجّهت لهم آنذاك تُهمة التعاون مع النظام العراقي… وبعد إخراج قواته، فقد معظمهم الوظائف التي كانت تُسند إليهم في سلكي الجيش والشرطة.
اقرأ أيضا: كوثر بوبكار تكتب: باسم الشعب… أي شعب؟
السلطات الكويتية تتعنت… لأسباب تعدّها “وجيهة”. تقول إن معظم هؤلاء جاؤوا من بلدان أخرى، مثل العراق والسعودية، للحصول على جنسية البلاد قصد التمتع بالمزايا “السخية” التي تمنحها لمواطنيها.
من كانت أمّه كويتية، وأبوه عديم الجنسية، ظلّ من البدون إلى أن تُطلّق الأم أو يموت الأب!
لكنها، بمواصلة حرمانها للبدون من الجنسية، تكون، وفق منظمة العفو الدولية، قد حرمت هؤلاء المقيمين منذ مدة طويلة من عدة حقوق أساسية، كالصحة والتعليم والعمل…
تستثنيهم، تتُابع المنظمة في أحد تقاريرها، من أن يكونوا جزءا أساسيا ومُساهما في المجتمع.
الواقع أنّ السلطات الكويتية تُقسّم البدون إلى فئات باختلاف بعض التفاصيل في وضعياتهم القانونية… بعضهم يستطيع مثلا أن يحصل على بطاقات تتيح لهم الالتحاق بمدارس خاصة أو الجيش أو بعض الوظائف المحددة.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: حين يصير البلد… طفلة جاهزة للاغتصاب
إلا أن صفة البدون تظل قدرا يُلاحقهم، إذ تنتقل من الآباء إلى الأبناء حتى من وُلدوا منهم في الكويت.
… ومن كانت أمّه كويتية، وأبوه عديم الجنسية، ظلّ من البدون إلى أن تُطلّق الأم أو يموت الأب!
الكويت تُحاول إيجاد حل لهؤلاء، أو كذلك تدّعي، من خلال إنشاء ما أسمته بـ”الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية”.
حدث ذات يوم أن طلبت منهم الكويت تقديم طلب للحصول على جنسية جزر القمر، مع وعد بالحصول على إقامة مجانية في “الوطن”!
لكن الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان سبق أن وصفت وضع البدون بـ”أنه أكثر سوءا من ذي قبل بسبب الجهاز المركزي، من خلال إجراءاته التعسفية والضغط الممارس على الأغلبية الساحقة من البدون”.
من ذلك أن بعض التقارير الحقوقية تشير إلى أن الجهاز يفرض على البدون التوقيع على مستندات… تقول بامتلاكهم جنسية أخرى قبل أن تُصدر أي وثيقة يرغبون بها.
… وهكذا يظل البدون إلى اليوم دون جنسية، وما زالت الكويت تستكثر عليهم الوطن! فقد حدث ذات يوم أن طلبت منهم تقديم طلب للحصول على جنسية جزر القمر، مع وعد بالحصول على إقامة مجانية في “الوطن”!