الحروب السيبرانية… الأثر التدميري للأنترنت! 2/2
التحدي الرئيس الذي يواجهه العالم، أنه إن اندلعت حرب إلكترونية، أن تكون أهدافها عسكرية فقط، وأن تتوخى، على الأقل، الحرص على حقن دماء المدنيين وعدم تدمير البنى التحتية المدنية.
تحدث الجزء الأول من هذا الملف عن مفهوم الحرب السيبرانية، وتابعنا على نحو مجرد كيف يمكن للحياة، التي باتت في شتى مناحيها تعتمد يوما بعد آخر على الأنترنت، أن تتوقف بهجمة إلكترونية.
في هذا الجزء، الثاني والأخير، نتطرق إلى نموذج يقربنا من خطورة الحرب السبرانية، نتابع لمحة عن أهمية الأمن السيبراني كذلك، ثم نرى كيف تجعل هذه الحربُ القانونَ المعنيّ يفرك يديه.
ليست حديث أفلام!
أحد أخطر الفيروسات الإلكترونية التي عرفها العالم حتى اليوم: فيروس “ستاكسنت” (Stuxnet).
مثّل هذا الفيروس نقلة نوعية في خطورة الحروب السيبرانية، فمن خلاله، انتقلت الحرب من مجرد سرقة البيانات وتدميرها، إلى تدمير نظم التشغيل والمكونات المادية نفسها[1].
العديد من الخبراء اتفقوا على أنه صُمّم لضرب هدف صناعي محدد، حصروه في المنشآت النووية الإيرانية.
أكدت جائحة كورونا أنه لم يعد أمام العالم سوى المضي قدما في الاعتماد على شبكة الأنترنت والأدوات الرقمية… يعني ذلك، ببساطة، مزيدا من المخاطر.
الحكاية بدأت في إيران، عام 2007، حين قامت بتثبيت أول مجموعة من أجهزة الطرد المركزي في محطة لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة نطنز.
بعدها، اتهمت الولايات المتحدة ودول أخرى إيران بالسعي إلى امتلاك قنبلة ذرية تحت غطاء برنامج نووي مدني، وهو ما نفته طهران مرارا.
… وكأداة لتعطيل هذا البرنامج، قامت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بتطوير فيروس “ستاكسنت”.
اقرأ أيضا: إيران كونترا: حكاية عشق ممنوع بين الخميني وريغان. 1\2
لم تعترف أي من الدولتين بضلوعهما في تطويره، لكن يُعتقد أنه صنع مشترك بينهما بحسب خبراء عسكريين.
ثم عام 2010، استهدف الفيروس الحواسيب في محطة “نطنز” وبرامج أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في إنتاج اليورانيوم المخصب.
في تصنيف يُعدّه موقع “Comparitech” المتخصص في الأمن الرقمي، يقع المغرب في الرتبة الـ22، ضمن أكثر الدول التي تعرف ضعفا في هذا المجال.
غيّر الفيروس برمجة نظام التحكم وجعل أجهزة الطرد المركزي تدور بسرعة فائقة لوقت طويل حتى تسبب في تدميرها!
في الثاني من يوليوز 2020، عرف الموقع ذاته سلسلة من الانفجارات والحرائق التي وُصفت بالغامضة.
حدوث “هجوم سيبراني” احتمالٌ لم يستبعده غلام رضا جلالي، رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني.
الأمن السيبراني
أكدت جائحة كورونا أنه لم يعد أمام العالم سوى المضي قدما في الاعتماد على شبكة الأنترنت والأدوات الرقمية… يعني ذلك، ببساطة، مزيدا من المخاطر.
اقرأ أيضا: إدمان التكنولوجيا الرقمية: صناعة تستعبدنا ولها مخاطر أم أن المخاطر مجرد ادعاء؟
لذا، قد لا يبدو الحديث بعد الآن عن الأمن السيبراني ترفا!
في المغرب، تعتني مؤسستان تابعتان للإدارة العامة للدفاع الوطني بهذه الغاية:
- اللجنة الإستراتيجية لأمن نظم المعلومات، ويناط بها تحديد توجهات الدولة في هذا المجال بغية تأمين المعلومات السيادية وضمان استمرارية عمل نظم المعلومات ذات الأهمية الحيوية.
- المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، ويعهد إليها تطبيق تعليمات اللجنة أعلاه، وكذا المراجعة الدورية لمستوى أمان نظم المعلومات التابعة للإدارات والمؤسسات العمومية.
رغم ذلك، وفي تصنيف يُعدّه موقع “Comparitech” المتخصص في الأمن الرقمي، يقع المغرب في الرتبة الـ22، ضمن أكثر الدول التي تعرف ضعفا في هذا المجال.
استعداد المغرب لمواجهة الهجمات السيبرانية، في هذا التصنيف الذي صدر عام 2020، يصل إلى 0.429، في حين تُعدّ الدانمارك الأعلى استعدادا بمعدل يبلغ 0.852.
اقرأ أيضا: زمن الأنترنت… هل يعيش الإنسان خريف خصوصيته؟
على أن الموقع يؤكد أن ما من دولة، حسب البيانات المتوفرة، تعد على استعداد مثالي لهجمات من هذا القبيل.
المشكلة الأساسية، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن القانون الدولي الإنساني لا ينظم العمليات السيبرانية (الإلكترونية) التي تقع خارج سياق النزاع المسلح.
بالموازاة، ترى دول أخرى أنها ليست في غنى عن تعزيز تسليحها الإلكتروني إن صح التعبير.
مثلا، قال رئيس أركان الجيش الفرنسي فرنسوا لوكوانتر، عام 2019، إنه لم يعد ممكنا الاستغناء عن الأسلحة الإلكترونية في العمل العسكري.
كذلك اعترفت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، في إحدى المناسبات: “نعم، فرنسا تستخدم، وستستخدم السلاح الإلكتروني في عملياتها العسكرية”.
اقرأ أيضا: هل تعلّم العَالمُ الدّرسَ من حروبه؟ 3/3
وقد سبق لدراسة أعدها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي، أن أفادت بأن 15 دولة في العالم ممن تمتلك أعتى الميزانيات العسكرية، تستثمر في مجالات تختص في الحصول على قدرات هجومية إلكترونية عن طريق الأنترنت.
إنها ساحة حرب جديدة إذن، ولكل أن يعزز قدراته الدفاعية وأن يتزود بالأسلحة المناسبة.
معضلة قانون
يُعرَف القانون الدولي الإنساني أيضا بقانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة.
يهدف هذا القانون، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية؛ أي أنه يفترض أن يحمي الأشخاص غير المشاركين في القتال كالمدنيين مثلا.
لا يوجد اتفاق حول تعريف النزاعات المسلحة، إلا أن الذي يهمنا أن فيها استعمالا للأسلحة كما يدل على ذلك اسمها…
فماذا عن النزاعات (الحروب) التي لا تُستعمل فيها أسلحة (التقليدية على الأقل)؟
أفادت دراسة أعدها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي، بأن 15 دولة في العالم ممن تمتلك أعتى الميزانيات العسكرية، تستثمر في مجالات تختص في الحصول على قدرات هجومية إلكترونية عن طريق الأنترنت.
بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر، تطرح الحرب السيبرانية أسئلة حول تطبيق القانون الدولي الإنساني وتعريف النزاع المسلح بحد ذاته.
في الواقع، تُعرّف لجنة الأسلحة التقليدية للأمم المتحدة، الأسلحةَ غير التقليدية، بأنها أسلحة الانفجارات الذرية والمصنوعة من مادة ذات نشاط إشعاعي وأسلحة فتك كيميائية وبيولوجية… إلخ.
اقرأ أيضا: العيد والحرب: كيف حولت رغبة الإنسان في التجديد، العالمَ، من الفرح إلى الدمار؟ 2/1
كما نرى، لا ذكر بالحرف للأسلحة الإلكترونية، لكن التعريف أورد في آخره: “وأي نوع من الأسلحة الأخرى التي يتم تصنيعها في المستقبل، وتتشابه خصائصها في الأثر التدميري مع القنبلة النووية أو الذرية أو الأسلحة الأخرى”.
إيراد هذه العبارة، وفق البعض، تجعل التعريف يشمل ما تخلفه الهجمات السيبرانية في إطار النزاع المسلح[2].
في هذا الصدد، لدينا أيضا ما يعرف بـ”دليل تالين” (2013)، وهي وثيقة غير ملزمة أعدها مجموعة من الخبراء، تشير إلى أن القانون الدولي الإنساني ينطبق على الحرب السيبرانية[3].
لكن المشكلة الأساسية، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن القانون الدولي الإنساني لا ينظم العمليات السيبرانية (الإلكترونية) التي تقع خارج سياق النزاع المسلح.
ثمّ كما سبق، العملياتُ هذه، قد ينفذها أفراد أو تنظيمات إرهابية وأي كان.
اقرأ أيضا: هكذا تستقطب التنظيمات المتطرفة الانتحاريين عبر الشبكة العنكبوتية
نحن إذن إزاء قانون يواجه معضلة في التدخل…
الفضاء السيبراني واحد؛ تتقاسمه القوات المسلحة مع المستخدمين المدنيين، والتحدي الرئيس الذي يواجهه العالم، أنه إن اندلعت حرب إلكترونية، أن تكون أهدافها عسكرية فقط، وأن تتوخى، على الأقل، الحرص على حقن دماء المدنيين وعدم تدمير البنى التحتية المدنية.
لقراءة الجزء الأول: الحروب مستقبلا… سيبرانية؟ 2/1