من الولايات المتحدة الأمريكية، نادر تادرس يكتب: شعارات السيناتور كريج… حكاية لا علاقة لنا بها! - Marayana - مرايانا
×
×

من الولايات المتحدة الأمريكية، نادر تادرس يكتب: شعارات السيناتور كريج… حكاية لا علاقة لنا بها!

نفى كريج عن نفسه كونه مثلياً ثلاث مرات وقال “أنا لست مثلياً، ولم أكن أبدا مثلياً… لقد بالغت في رد فعلى في [شهر] يونيو وقمت باتخاذ قرار سيء بالاعتراف بتهمة أقل على أمل أن ينتهي هذا الأمر… رجاء قبول اعتذاري لعائلتي ومرؤوسي، وأصدقائي ومواطني ولاية أيداهو عن السحابة التي جلبتها على أيداهو”.

نادر تادرس

في 27 أغسطس \ غشت 2007، قبل عام واحد تقريبا من انتخابات الرئاسة والكونجرس الحاسمة في عام 2008 بأمريكا، خرجت علينا وسائل الإعلام في أنحاء البلاد بفضيحة كبرى جرت أحداثها الرئيسية في مطار مينيابوليس-سانت بول الدولي بولاية مينيسوتا الأمريكية.

بدأت تلك الأحداث قبلها بعدة أشهر عندما بدأت شرطة المطار في تلقي بلاغات عدة عن حدوث حالات تحرش جنسي بالرجال في الحمامات العامة بالمطار.

في 11 يونيو 2007، دخل شخص لأحد دورات المياه الخاصة بالرجال في المطار، وجلس في إحداها، وكان هناك رجل في دورة المياه المجاورة له. بدأ الشخص الأول النظر من خلال فواصل الجدران على الشخص المتواجد في دورة المياه المجاورة، ثم خبط قدمه على الأرض ثلاث مرات، ويبدو أن هذه كانت الطريقة المتعارف عليها أو كلمة السر في التعارف ما بين الأشخاص ذوي الميول المثلية، وقام الشخص الثاني بخبط قدمه ثلاث مرات أيضاً.

عندئذ، قام الشخص الأول بمحاولة ملامسة قدم الشخص الثاني بقدمه من خلال الفتحة التي بأسفل الحائط الذي يفصل ما بين دورات المياه، وبعدها مد الشخص الأول يده وكفه موجهاً لأعلى من خلال تلك الفتحة، محاولا ملامسة الشخص الثاني. عندها، قام الشخص الثاني بالإمساك بيد الشخص الأول بيد وأشهر باليد الاخر البطاقة الخاصة به والتي أوضحت كونه ضابط شرطة في المطار وكان في مهمة رسمية لضبط من يقومون بتلك الأفعال.

اقرأ أيضا: مرايانا تناقش المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول)

لكن المدهش في الخبر، والذي ظهر بعدها بشهرين، لم يكن في الكمين الذي قام به أفراد شرطة المطار، ولكن في شخصية من ارتكب هذا الفعل.

كان سيناتور لاري إي كريج Larry E Craig والبالغ من العمر وقتها 62 عاما، يشغل منصب سيناتور من الحزب الجمهوري المحافظ ممثلاً عن ولاية أيداهو في الشمال الغربي للولايات المتحدة في مجلس الشيوخ الأمريكي لمدة 17 عاما وسبق ذلك تمثيله للدائرة الِأولى للولاية في مجلس النواب الأمريكي لمدة عشرة أعوام.

اشتهر السيناتور كريج بمواقفه المحافظة ودفاعه الشرس عن اتجاه الحفاظ على قيم الأسرة الأمريكية، وكان من ضمن مواقفه المحافظة ما صرح به أثناء محاكمة الرئيس بيل كلينتون بشأن علاقته مع مونيكا لوينسكي، قائلاً، “الشعب الأمريكي يعرف أن بيل كلينتون فتى شرير – فتى فاسد، وسأتحدث باسم شعب ولايتي والذي يعتقد غالبيتهم أن بيل كلينتون هو على الأرجح فتى قذر وشرير وفاسد”.

كشخص معروف عنه كونه من أشد المنادين بالحفاظ على القيم المحافظة وقيم العائلة الأمريكية، ومعاداته الشرسة لحقوق المثليين والذين لهم توجهات جنسية مخالفة للسائد، كان تقريباً يعلق كل مشاكل أمريكا على الخطايا والآثام التي تتسامح فيها أمريكا حيال حقوق مثل تلك الفئة.

في هذا الإطار، ناصر كريج بشدة المشروع الذي تبناه الجمهوريون أكثر من مرة في تلك الحقبة بإضافة تعديل على الدستور الأمريكي معروف باسم “تعديل حماية الزواج”، والذي كان ينادي بتعريف الزواج في الدستور على أنه اتحاد ما بين رجل وامرأة، وهو مشروع القانون الذي فشل في الحصول على موافقة الكونجرس عدة مرات كان آخرها في عام 2008.

اقرأ أيضا: المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: في البحث عن التعريف (الجزء الثاني)

في عام 2002، اعترض كريج على التصويت على مشروع قانون في الكونجرس الأمريكي يقضي بمد العمل بتعريف “جرائم الكراهية” بحيث يشمل تلك الجرائم التي ترتكب بناء على الميول الجنسية، والذي تم إقراره لاحقا في عام 2007 ويعرف بقانون “ماثيو شبرد وجيمس بيرد للقضاء على جرائم الكراهية”… وكما هو متوقع، قام كريج بالاعتراض الشرس على تمرير هذا القانون.

عندما كان لاري كريج في العاشرة من عمره، وتحديدا في أكتوبر 1955، ألقت شرطة مدينة بويسي Boise عاصمة ولاية أيداهو، القبض على ثلاثة رجال بتهمة “الإتيان بأفعال ضد الطبيعة”، في إشارة للعلاقات المثلية.

خلال فترة قصيرة، تفجرت فضيحة رجت أرجاء مدينة بويسي وضواحيها الهادئة، والتي كان لا يزيد تعدادها عن 150 ألف نسمة، وتصاعدت الأنباء حول تلك الفضيحة حتى شغلت وكالات الانباء عبر أنحاء الولايات المتحدة مسببه حالة من “الهلع الأخلاقي – moral panic” في الولايات المتحدة.

توسعت التحقيقات لتشمل استجواب ما يزيد عن 1500 شخص وكشفت عن شبكة سرية للمثليين تورط فيها حوالي 100 شاب مع مجموعة من الرجال في أنشطة جنسية مثلية.

خلال عامين، تم توجيه الاتهامات لستة عشر شخصاً وتم الحكم على خمسة عشر منهم بأحكام تراوحت ما بين الوضع تحت المراقبة وحتى السجن مدى الحياة. وبالطبع، تركت تلك التحقيقات أثراً في الفتى الصغير آنذاك، وتجدد ذلك التأثير في عام 1966.

اقرأ أيضا: سناء العاجي: 88٪… ولنفترض!

أثناء دراسة كريج في الجامعة، نشر أستاذ جامعي وصحفي شهير، جون جيراسي، كتاباً حول تلك الفضيحة وأسماه “فتيان بويسي: سخط ورذيلة وحماقة في مدينة أمريكية”، أعاد به الحديث حول تلك الفضيحة للرأي العام. ويبدو أن الشاب كريج الذي عاصر تلك الفضيحة وهو فتى وشهد ما وقع على من يتورط في مثل هذا الفعل من عقاب مجتمعي وقانوني، ترسب في ذهنه أن عليه إخفاء حقيقة ميوله إذا ما أراد النجاح، وترسخ لديه يقين من أن الاقرار بمثل تلك الميول سيقضي على طموحاته ومستقبله المهني والسياسي في ولاية شديدة المحافظة مثل أيداهو؛ بل وأكثر: إن عليه المغالاة في الهجوم على تلك الممارسات كيما ينفي التهمة عن نفسه.

تصاعدت الأحداث سريعا عندما تم القبض على سيناتور لاري كريج في يونيو 2007 في مطار مينيابوليس-سانت بول الدولي، بولاية مينيسوتا، وبعدما وجهت له تهمتا التحرش الجنسي والقيام بفعل غير لائق في مكان عام.

في البدء، اعترف كريج بارتكابه جريمة الإتيان بفعل غير لائق في مكان عام وتم تغريمه 500 دولار مع وضعه تحت الاختبار لمدة عام. ثم عاد كريج وسحب اعترافه بالتهمة في بيان له متهما المحقق بإساءة تفسير أفعاله قائلاً إنه وقع تحت وطأة اللحظة وضرورة التعامل مع الموقف بسرعة قبل أن يستفحل الأمر، ومن ثم أقر بارتكابه الجريمة.

في 29 أغسطس \ غشت 2007، نفى كريج عن نفسه كونه مثلياً ثلاث مرات وقال “أنا لست مثلياً، ولم أكن أبدا مثلياً… لقد بالغت في رد فعلى في [شهر] يونيو وقمت باتخاذ قرار سيء بالاعتراف بتهمة أقل على أمل أن ينتهي هذا الأمر… رجاء قبول اعتذاري لعائلتي ومرؤوسي، وأصدقائي ومواطني ولاية أيداهو عن السحابة التي جلبتها على أيداهو”.

اقرأ أيضا: هل هي نهاية “فحص العذرية”؟ أطباء مغاربة يمتنعون عن منح شهادة العذرية ويدعون إلى مقاطعتها 

ألقى كريج باللوم على صحيفة أيداهو ستيتسمان، وهي صحيفة ليبرالية في الولاية، واتهمها بأنها لا تكل عن السعي للنيل منه. وفي خضم هذا الانكار، برر كريج تصرفه بمد يده أسفل الحائط الفاصل بين الحمامين بأنه كان يبحث عن ورقة وقعت منه، وبالطبع لا يبرر هذا التفسير مد يده وكفه لأعلى!

في اليوم التالي، طالبت صحيفة أيداهو ستيتسمان كريج بالاستقالة وتقدمت بطلب لسلطات المطار للإفصاح عن تقرير الشرطة حيال الواقعة وكذلك الإفراج عن التحقيق المسجل صوتياً والذي تم مع سيناتور كريج عقب القبض عليه متلبساً، وأوضح التقرير تفاصيل ما حدث بدقة وكذلك قول كريج إنه وقع ضحية لفخ نُصِبَ له.

حاول سيناتور كريج مقاومة المطالبين باستقالته من مجلس الشيوخ، ولكنه لم يصمد أمام ظهور تلك الاتهامات إلا لمدة خمسة أيام، ففي يوم 1 سبتمبر 2007، صرح كريج في مؤتمر صحفي له بأنه لن يسعى لإعادة الترشح لدورة جديدة في مجلس الشيوخ ممثلاً عن ولايته، أيداهو.

برغم إرغامه على اتخاذ هذا الموقف، إلا إنه استمر في شغل منصبه في مجلس الشيوخ حتى بدء الدورة التالية في يناير 2009، أي بعد أكثر من عام ونصف على تلك الفضيحة. وعلى جانب آخر، تقدم السيناتور كريج بمحاولات عدة للحصول على حكم قضائي بسحب الاعتراف الذي أدلى به ورفع التهم الموجهة ضده، وباءت كل تلك المحاولات بالفشل. عقب رفض المحكمة هذه الطلبات، وفي 8 يناير 2009، أسقط كريج مساعيه تلك بناء على نصيحة من محاميه بعدم جدوى تلك الالتماسات.

اقرأ أيضا: ساكا في بلاد الذكورية السويدية

في أعقاب تلك الفضيحة، توالى ظهور أخبار وتسريبات عن الحياة السرية للسيناتور المحافظ، وظهرت تقارير من الثمانينات عن كونه كان يسعى لإقامة علاقات جنسية مع المتدربين الشباب ممن دون السن القانونية والذين كانوا يعملون في أروقة الكونجرس، وكذلك تقارير عدة عن علاقات مع أشخاص مثليين منهم مهنيو جنس من الرجال وأيضا مثليون ناشطون في الدفاع عن حقوق المثليين.

كما تقدمت مجموعة مراقبة اسمها “مواطنون من أجل المساءلة والقيم في واشنطن”، ومقرها واشنطن العاصمة، بطلب للجنة القيم بمجلس الشيوخ كي يتم فتح التحقيق بشأن الاتهامات الموجهة لسيناتور كريج، وأدت تلك التحقيقات إلى عزل السيناتور كريج عن مناصبة التي كان يشغلها في لجان مجلس الشيوخ لحين انتهاء مدته في يناير 2009.

السيناتور كريج متزوج من سوزان سكوت منذ 1983 ولديه ثلاثة أبناء وتسعة أحفاد.

تحية لروح الفنان العبقري توفيق الدقن صاحب العبارة الخالدة: “أحلى من الشرف ما فيش!”.

 

قائمة المصادر المستخدمة

·        https://www.nytimes.com/2007/ 08/28/washington/28craig.html

·        https://crooksandliars.com/ 2007/08/28/1999-video- republican-larry-craig-calls- bill-clinton-a-nasty-bad- naughty-boy

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Federal_Marriage_Amendment

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Matthew_Shepard_and_James_ Byrd_Jr._Hate_Crimes_ Prevention_Act

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Boise_homosexuality_scandal

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Boise_metropolitan_area

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Boise_metropolitan_area

·        https://web.archive.org/web/ 20081227030031/http:/craig. senate.gov/releases/pr082707a. cfm

·        https://abcnews.go.com/US/ story?id=3538418&page=1

·        https://en.wikipedia.org/wiki/ Larry_Craig_scandal

·        https://www.idahostatesman. com/news/special-reports/ larry-craig/article40685838. html

·        https://web.archive.org/web/ 20070830173326/http:/craig. senate.gov/lec_biography.cfm

تعليقات

  1. كمال سدره

    الله ينور، عرض محترم

اترك رداً على كمال سدره إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *