عبد الدين حمروش يكتب: أمين معلوف: المرأة موضوعا للاصطدام الثقافي
في كتاب/ رواية أمين معلوف “الحروب الصليبية كما رآها العرب”، يقف الكاتب اللبناني عند سفارة أسامة بن منقذ، الشاعر والناقد والقائد العسكري، لدى الصليبيين الغزاة.
ولعل مما أثاره، والسفير يقيم بين أولئك الصليبيين، هو رصد وجود تناقض كبير في شخصياتهم: الإرادة القوية في خوض الحرب، التي أخرجتهم من ديارهم ومواطنهم البعيدة، و”الانحلال” الخلقي في ما يتعلق بغياب الغيرة على أعراضهم.
تجري نقاشات متصاعدة، في الآونة الأخيرة، حول الحريات الفردية. مثلما يعرف المتتبعون، فقد ارتقى بهذه النقاشات إلى الواجهة ما بات يتعرض إليه بعض الفاعلين (سياسيين وصحافيين، إلخ) من “ترصدات”، على صعيد حيواتهم الشخصية. المفارقة أن الإسلاميين، الذين ظلوا يتشبثون بوجهة نظر مُتحفِّظة إزاء هذه الحريات، باتوا الأكثر انكشافا من هذه الناحية.
في سياق هذه النقاشات المستمرة، تبدو لي العودة إلى التاريخ مُناسِبة، لرصد مؤشر دالّ على الاصطدام الثقافي بين المشرق العربي والغرب الأوروبي. وإن كان هذا المؤشر لا يكفي، في ما يخص إضاءة موضوع الحريات، إلا أنه يحمل مضامين دالة على مدى أهمية الأخيرة، بالنسبة إلى: بناء الإنسان/ المواطن، ومن ثمّ “صناعة” قوته.
الشجاعة وانعدام الشرف، من وجهة نظر شرقية، لا يجتمعان. والشرف المنعدم، من هذه الناحية، له علاقة بحرية المرأة (حسب حكاية ابن منقذ). على الرغم من كون الصليبيين “غزاة برابرة”، بالمقارنة مع تقدّم العرب عصرئذ، فإن المرأة كان لها احترامها في مجتمعهم.
في كتاب/ رواية أمين معلوف “الحروب الصليبية كما رآها العرب”، يقف الكاتب اللبناني عند سفارة أسامة بن منقذ، الشاعر والناقد والقائد العسكري، لدى الصليبيين الغزاة. ولعل مما أثاره، والسفير يقيم بين أولئك الصليبيين، هو رصد وجود تناقض كبير في شخصياتهم: الإرادة القوية في خوض الحرب، التي أخرجتهم من ديارهم ومواطنهم البعيدة، و”الانحلال” الخلقي في ما يتعلق بغياب الغيرة على أعراضهم.
إقرأ أيضا: العنف الاقتصادي… الوجه الآخر لاستبداد الرجل بالمرأة!
بالطبع، لا داعي لأن نقول إن معنى العِرْض/ الشرف يختلف من ثقافة إلى أخرى. ولذلك، فإن نظرة ابن منقذ المُستغرِبة، في جوهرها، إنما هي نابعة من صلب ثقافته العربية الإسلامية.
قبل الاسترسال، وحتى يكون بالإمكان استشراف مآلات هذا الحديث، نسوق فقرة مما ورد لدى معلوف، وهو يحكي عما أثار ابن منقذ، في أثناء إقامته بين الصليبيين:
“لا يعرف الفرنج معنى للشرف. فإذا كانت مع واحد منهم زوجته، والتقى برجل آخر، فإن هذا الأخير يأخذ المرأة من يدها جانبا ليحادثها، في حين يبتعد الزوج إلى أن تنتهي المحادثة. وإذا ما طالت هذه المحادثة، فإن الزوج يترك زوجته لمُحادِثها”.
في إثر ذلك، مباشرة، ينتهي ابن منقذ إلى هذه الخلاصة الفارقة: “هؤلاء القوم (أي الفرنج الصليبيون) ليس لهم غيرة ولا شرف، مع أن لديهم الكثير من الشجاعة!”.
الشجاعة وانعدام الشرف، من وجهة نظر شرقية، لا يجتمعان. والشرف المنعدم، من هذه الناحية، له علاقة بحرية المرأة (أي في اختيارها ملاقاة الرجال، ومحادثتهم نِدّا لنِدّ حسب حكاية ابن منقذ). على الرغم من كون الصليبيين “غزاة برابرة”، بالمقارنة مع تقدّم العرب عصرئذ، فإن المرأة كان لها احترامها في مجتمعهم.
هل كنا في حاجة إلى أن ننتظر قدوم القرن الواحد العشرين، لكي تخوض دولة عربية “مركزية” في موضوع سياقة المرأة السيارة، أو سفرها خارج البلاد بشكل مفرد؟
المشكل لدى ابن منقذ، فعلا، يكمن في فهم حرية المرأة (بالتركيز على الواقعة المذكورة)، باعتبارها مُرادفة لانعدام الشرف.
اليوم، نستطيع قراءة النظرتين المتباينتين إلى المرأة، من منظور ما آلت إليه كل واحدة منهما بصاحبها. فمن جهة الغرب الأوروبي، يبدو أن في نظرتهم كان، هناك، ما ينطوي على “بذرة” للتقدم، بالإحالة إلى وضع حرية المرأة المرعي. ولعل هذا ما جعلهم يتطورون إلى أن بلغوا الأزمنة الحديثة، بخلاف العرب الذين انتكسوا إلى الوراء، بعد أن كانوا متقدمين على الصليبيين. من وجهة هذه النظرة أو تلك، المرأة هي التي تجعل الفرق الحضاري يتّسع.
إقرأ أيضا: جميلات… رغم أنف “فقهاء” الكراهية
هل استطاع العرب تجاوز نظرة ابن منقذ السلبية إلى المرأة؟
مع الاعتراف ببعض التقدم، في بعض الحالات، هنا أو هناك، من العالم العربي- الإسلامي، إلا أن البوصلة تشير إلى استمرار وضع المرأة، في ما يخص الافتقاد إلى الحرية والحقوق والمُبادَرة.
هل كنا في حاجة إلى أن ننتظر قدوم القرن الواحد العشرين، لكي تخوض دولة عربية “مركزية” في موضوع سياقة المرأة السيارة، أو سفرها خارج البلاد بشكل مفرد؟