علي اليوسفي: الجذور التاريخية للحجاب
تحجيب المرأة تقليد يخترق معظم الثقافات والديانات، منذ أكثر من عشرين قرنا قبل مجيء الإسلام
إن ما يعرف بالحجاب ليس استثناء إسلاميا، ولا وُلِد مع الإسلام؛ ذلك أن حجب جسد المرأة إما للحد من قدرته على الإغواء، أو للإشارة إلى الوضعية الاجتماعية للمرأة، أو الإشارة إلى حالتها المدنية ـ بالغة، أو مخطوبة أو متزوجة ـ ليس قصرا على مجتمع دون آخر، ولا على ديانة دون أخرى.
إن تحجيب المرأة تقليد يخترق معظم الثقافات والديانات، منذ أكثر من عشرين قرنا قبل مجيء الإسلام.
إذا كانت باقي المجتمعات قد تجاوزت تحجيب المرأة بفعل الرقي الفكري والسعي إلى المساواة بين الجنسين، فإن أمة محمد لا تعدم من يكرسون كل جهودهم لحصر المرأة في المربع الذي رسمته الشريعة لها منذ أربعة عشر قرنا، ليس بفعل القرآن، وإنما جراء قراءة رجولية لنصوص القرآن والحديث، وجراء تأويلات تسمح لهم بكبت أنفاس المرأة، والتحكم في حركاتها وسكناتها.
اقرأ لنفس الكاتب: الرجل والحجاب: عود على بدء. هاشتاغ # كن راجَلْ!
قبل أن نتفرغ لما جاء في النص القرآني في الموضوع ولأسباب نزوله، يجدر أن نحيط القارئ علما بمدلولات تحجيب المرأة في حضارات سابقة مختلفة[1].
“تيرتوليان”، أبو الكنسية في القرن الثاني: “يجب على النساء أن يمشين في كل وقت وكل مكان مليئات بالقانون الرباني، مستعدات ومهيآت إلى كل تذكير باسم الله. هكذا يظهر حضوره في قلوبهن على رؤوسهن”.
الملك الآشوري، “طيغلات فالازار” الأول، والذي حكم من 1115 إلى 1077 قبل الميلاد، كان قد أصدر أمرا ينص على أنه: “يجب على المرأة المتزوجة، عندما تخرج إلى الشارع، أن تغطي رأسها. أما العاهرة غير المقدسة فلا تتحجب”.
وقد أوضحت لُويحات طينية تعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد إجبار النساء اللواتي ينتمين إلى وضع اجتماعي معين على وضع الحجاب، وإلا قطعت آذانهن؛ في حين أن العاهرة غير المقدسة التي تعرف بشعرها الأحمر، لا حقّ لها في وضع الحجاب في دين عشتار.
أما في بلاد فارس، فإن الإمبراطور داريوس كان يفرض على نساء حاشيته وضع الحجاب حتى يبيِّن مكانتهن الاجتماعية.
اقرأ لنفس الكاتب: الإسلام: دين ودنيا، أم دين ودولة؟
إذا ما صدقنا النصوص العبرية المنسوبة إلى الكتاب المقدس، فإن الحجاب لا يستجيب لتعاليم ربانية وإنما يعكس عادة لباسية؛ ذلك أن حجاب المرأتين الأوليين، سارة وريبكا، لم تكن وظيفته إخفاء وجهيهما أو شعرهما ما دام جمالهما كان معروفا من لدن الجميع. لذلك، لم تضع ريبكا رداءها وتتحجب إلا عندما كان عليها أن تقابل إسحاق [سفر التكوين 24، 65]، مما يعني أنها تمر من وضعية الفتاة الشابة إلى وضعية الخطيبة.
أما نساء اليونان القديمة، فقد مُثلن دائما محجبات، وغالبا ما يتعلق الأمر بـ”الفاروس” وهو نوع من المعطف الذي يُجرُّ بإحدى اليدين ملفوفة في ثوب لتغطية الرأس. في هذا المجتمع، كانت النساء غير مرئيات حيث لم يكنَّ مواطنات (مثل الرجال) وإنما مجردَ نساءِ أثينا. كنَّ يحملن حجابهن مثلما تحمل سلحفاة “أفروديت” قوقعتها حتى يمكنهن التحرك وسط عالم رجالي. هنا، لم يكن الأمر يتعلق بحشمة أو عفة، وإنما بإقصاء المرأة من الحياة الاجتماعية التي كانت حكرا على الرجال.
الملك الآشوري “طيغلات فالازار” الأول كان قد أصدر أمرا ينص على أنه: “يجب على المرأة المتزوجة، عندما تخرج إلى الشارع، أن تغطي رأسها. أما العاهرة غير المقدسة فلا تتحجب”
أما في العالم الروماني، فإن كلمة نوبير (Nubere) كانت تعني في نفس الوقت “تحجَّب” و “تزوَّجَ” بالنسبة إلى المرأة. لذلك، كان اللفاع Le Flameum الليموني الفاقع خاصا بالمتزوجات. أما كلمة “نوبنا” أي “محجبة”، فكانت تعني متزوجة. وما دام الحجاب قد كان علامة اجتماعية تميز المواطنة الرومانية، فإنه لم يكن مسموحا به للإماء.
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: إنهن يتزوجن النساء!
أما في المسيحية الأولى، فإن عُرْفَ تحجيب النساء يحمل دلالة دينية، خاصة بعد تعاليم سان ـ بول Saint Paul في القرن الأول، التي تربط حجاب النساء بعلاقتهن بالإله؛ فالرسالة تتضمن ست عشرة آية تعالج لباس النساء في الاجتماعات الدينية. إذا لم تضع المرأة الحجاب، يكون عليها حلق شعرها! أما الرجل، فهو غير مُلزَم بتغطية رأسه لأنه على صورة انتصار الله، بينما المرأة هي على صورة انتصار الرجل، ولهذا عليها أن تضع على رأسها علامة العبودية، أي علامة الخضوع والتبعية.
تحجيب المرأة تقليد يخترق معظم الثقافات والديانات، منذ أكثر من عشرين قرنا قبل مجيء الإسلام
لكن النساء كن حرات [في لباسهن] خارج التظاهرات الدينية. وقد استمرت هذه الممارسات في فرنسا إلى حدود الستينيات من القرن العشرين، حيث كان لا يزال شائعا أن تغطي النساء اللواتي يدخلن إلى كنيسة رؤوسهن بخرقة أو قبعة.
أما “تيرتوليان” Tertullien، أبو الكنسية في القرن الثاني، فتؤكد خالدته ” في حجاب العذارى” على ألا امرأة يمكن أن تحيد عن قانون الحجاب باستثناء الفتيات غير البالغات. لذلك، كان يدعو الفتيات الشابات والعازبات والمخطوبات إلى التحجب: “يجب على النساء أن يمشين في كل وقت وكل مكان مليئات بالقانون الرباني، مستعدات ومهيآت إلى كل تذكير باسم الله، وهكذا يظهر حضوره في قلوبهن على رؤوسهن”.
في القرن الخامس، يعود سانت أوغستان Saint Agustin في مؤلفه “مدينة الله” إلى ضرورة التحكم في قدرة النساء على الإغواء، مؤكدا على وجوب تغطية النساء “حتى لا تغوي مفاتنهن الملائكة، وتجعلهم يستسلمون لأنواع حب غير محتشمة”.
[1] نعتمد في الشق التاريخي من هذا المقال على كتاب «L’anti-manuel des religions» لمؤلفه باتريك بانون.