الكيف والدين: الإخوة الأعداء : 1 النبتة المقدسة - Marayana - مرايانا
×
×

الكيف والدين: الإخوة الأعداء : 1\2 النبتة المقدسة

الكيف، الماريخوانا، القنب الهندي، القنب…إلخ، تعددت الأسماء والنبتة واحدة. نبتة ضاربة أطنابها في التاريخ البشري، إذ يرجع بعض الباحثين وجودها لآلاف السنوات، ولا تلبث الأبحاث الأركيولوجية أن تميط اللثام عن …

الكيف، الماريخوانا، القنب الهندي، القنب…إلخ، تعددت الأسماء والنبتة واحدة. نبتة ضاربة أطنابها في التاريخ البشري، إذ يرجع بعض الباحثين وجودها لآلاف السنوات، ولا تلبث الأبحاث الأركيولوجية أن تميط اللثام عن نتائج جديدة بخصوص تاريخ النبتة واستعمالاتها، مساهمة في الكشف عن بعض من أدوارها في التاريخ البشري.

إذا كانت هذه النبتة قد لعبت أدوارا عدة على عدة مستويات (صناعية وطبية وتجميلية)، فإن حضورها على المستوى الديني لا يقل أهمية عن باقي أدوارها، إن لم يكن يزيد، ولعلنا لن نبالغ إن وصفناها بالنبتة الدينية. برغم الموقف الازدرائي الذي تتحكم فيه نزعة أخلاقوية وهمية، فإن استقراء تاريخ الدين يجعلنا نقف على الحضور المهم لهذه النبتة دينيا.

في هذا الملف، نميط اللثام عن بعض من “التاريخ الديني” للكيف، ونحاول الكشف عن حضور ثنائية المقدس/المدنس، وتداخلهما بشكل كبير في سيرورة تاريخ هذه النبتة، مع الإشارة إلى أننا اقتصرنا على تناول جزء من التاريخ الديني للكيف في الديانات المعروفة، خاصة منها المشرقية والتوحيدية، والاقتصار على ما يرتبط بالدين في تاريخ هذه النبتة “المقدسة”.

سيتوسع مجال استعمال الكيف بانتقاله من آسيا إلى أوروبا، مع الغزو الذي تعرضت له هذه الأخيرة من طرف القبائل الآرية (بين 2300 و1000 قبل الميلاد)، حيث كان يستخدم آنذاك في التغذية والمنسوجات والزيوت. أما على المستوى الديني، فإن العقاقير التي كان يتم استخلاصها من القنب الهندي، فقد كانت تشكل رابطًا طقسيا مع الآلهة.

تجدر الإشارة إلى أننا اعتمدنا في تحرير هذه المادة على الكتاب المقدس، والنسخة المعربة للكتاب الهندوسي المقدس “الباجافاد جيتا”، والنسخة المعربة لكتاب “التواريخ” للمؤرخ اليوناني هيرودوت،  إضافة لعدد من المقالات العلمية كالمقال الذي نشره الباحث الأنثربولوجي المغربي خالد مونة بعنوان “la culture du cannabis : entre l’économie et le religieux ” المنشورة بمجلة Théologique، ومقال لسولا بينيت “le chanvre dans les croyances et les coutumes populaires” الصادر سنة 1936، ومقال آخر لنفس الباحثة بعنوان “early diffusion and folk use of hemp”، والكتاب الضخم “The great book of hemp” للباحث “روان روبنسون”، ومقال للباحث كريس بينيث بعنوان ” Kaneh-Bosm : L’histoire occulte du cannabis dans l’Ancien Testament”، والمؤلف الجماعي “cannabis and culture” الذي أعده مجموعة من المؤرخين والانثربولوجيين تحت إشراف “سول تاكس”، إضافة إلى عشرات المقالات الأخرى .

لابد أن نشير في هذا السياق إلى فراغ المكتبة العربية من أي مؤلف يعنى بتاريخ هذه النبتة أو استعمالاتها، بل وحتى ترجمات لدراسات أو أبحاث تناولت هذه النبتة، رغم وجودها في عدد من الدول العربية (المغرب، ليبيا، مصر، لبنان)، وهو ما يؤشر على أن الموضوع لازال يعتبر من المحاذير الأخلاقية والدينية أو مما لم يتم التفكير فيه بعد، داخل هذه البقعة الجغرافية الممتدة من الماء إلى الماء.

في الجزء الأول من هذا الملف، سنحاول اقتفاء أثر حضور الكيف في الديانات القديمة، في انتظار الوصول بهذه الرحلة، إلى  الجزء الثاني من الملف، لاستكشاف حضور ذات النبتة في الديانات التوحيدية الثلاث

في الطاوية: الكيف من أجل السلام

تعتبر الطاوية من أقدم الديانات الشرقية، وقد عثر على ذكر القنب الهندي في النصوص التأسيسية للطاوية، والتي تؤرخ بين القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد.

إقرأ أيضا: تاريخ الحج قبل الإسلام: بين القطيعة والاستمرارية 1\3

عرف الكيف أو القنب الهندي عند شعوب وديانات أخرى، إذ ظل ولعدة قرون “عشبة مقدسة”، يحصر استعمالها على الكهنة الشامان، ومن يستخدمها خارج هذا الإطار كان يعتبر من السحرة أو الخارجين على القانون، وكثيرا ما كانت اللعنة أو القتل مصير من يتعاطاها خارج هذا الإطار.

بحسب النصوص الطاوية، فثمة إشارات عديدة لنبتة القنب، على عدة مستويات، إذ وجدت إشارات لاستعماله في الطقوس التعبدية للطاويين، كما استعمل في مواقد البخور، واعتبر الطاويون أن استخدامه يقضي على الرغبات الأنانية، ويجنح بالمتعاطي لها نحو السلم والسلام، واعتبر أيضا مساعدا للعرافين ولتحضير الأرواح.

الشنتو والكيف: طريق الأزواج للسعادة

تظل ديانة الشنتو واحدة من أقدم الديانات التي عرفتها اليابان. بحسب ما عثر عليه من إشارات في عدد من النصوص، فقد استخدم الكيف لربط الأزواج وتقوية الأواصر بينهما، كما استخدم لطرد الأرواح الشريرة؛ وكان يعتقد أنه مصدر فرح وسعادة في الزواج.

الهندوسية: الكيف نبتة الآلهة

يحضر الكيف بشكل بارز في النصوص الدينية الهندوسية، خاصة في نصوصها التأسيسية، إذ حسب “الفيدا” (الكتاب المقدس للهندوسية)، فنبتة القنب تعتبر من بين 5 نباتات مقدسة، على اعتبار أن ملاكا حارسا يوجد بأوراقها، التي نظر إليها كجالبة للسعادة والفرح، وتساعد على تحرير الإنسان من مشاعر القلق والخوف.

فيما يعلن الإله كريشنا في “الباجافاد جيتا” أن الكيف عشبة مقدسة حيث ورد فيه “أنا التقدمة وأنا التضحية والقربان السلفي، أنا العشب الديني والترتيلة المقدسة وزبد الأضاحي، أنا النار والقربان المحترق”. أما الإله شيفا، فيعتبر إله القنب؛ فقد كان، وفقا للأسطورة، يسير في حقل من الحشيش بعد مشادة مع أحد أفراد أسرته، وكان متعبا من الشمس والمشادة، فأخذ غفوة عند أسفل نبتة. عندما استيقظ، دفعه فضوله إلى تذوق أوراق النبات، فنشط على الفور، ليجعله شيفا طعامه المفضل، ويجلبه معه من الهيمالايا ليمنحه للرجال من أجل فرحهم و”تنويرهم”.

يعتقد أن بوذا كان يتناول الكيف كغذاء يومي أثناء رحلته صوب التنوير والتي دامت ست سنوات، كما يتم تمثيل بوذا على شكل أوراق الكيف في بعض النصوص الدينية البوذية.

حسب بعض النصوص، فقد خلق شيفا نبتة الكيف منه، لتحتوي على إكسير الحياة، الذي وضعه بالغانجا، ليوصف في عدد من نصوص الفيدا برب “البانج”، وهو مشروب تقليدي مصنوع من القنب الهندي والحليب والسكر والبهارات، كان يستخدم بشكل خاص في الأشكال الجنسية لليوغا التانترية والدينية، إذ يتم استهلاكه قبل الجلسات بقراءة تعويذة إلى الآلهة كالي.

إقرأ أيضا: بعض من كلام: المساواة في تونس… إنهم يغتالون الإسلام!

وقد كان الهندوس يتناولون الكيف على 3 أشكال:

–         البانغ: مشروب حليبي يحضر انطلاقا من أوراق ورؤوس نبتة الكيف، والذي يعتبر تناوله ضروريا أثناء الطقوس الدينية لتطهير وتنقية الجسم.

–         الشيرا: نوع من الحشيش معد من نبات راتنج الكيف، يساعد على الوحدة النفسية للجسم والعقل.

–         الغانج: وقد كان يستهلكه الكهنة المعروفون ب”السادهو”، والذين يجولون في جميع أنحاء الهند والعالم، يتشاركون “الغلايين”، وهي أنابيب مملوءة بالقنّب، يخلطون فيه أحيانًا مواد أخرى، ويدخنونها كنوع من أنواع التعبد.

القنب الهندي غذاء بوذا

على غرار الهندوسية، فللكيف حضور كبير في البوذية، إذ يعتقد أن بوذا كان يتناول الكيف كغذاء يومي أثناء رحلته صوب التنوير والتي دامت ست سنوات، كما يتم تمثيل بوذا على شكل أوراق الكيف في بعض النصوص الدينية البوذية.

وتعتبر نبتة الكيف مساعدة على التأمل، كما أن تناولها أثناء الاحتفالات والطقوس الدينية البوذية يعتبر عند الكثيرين مساعدا على التيقظ والانتباه.

قداسة الكيف تتمدد إلى ديانات أخرى

عرف الكيف أو القنب الهندي عند شعوب وديانات أخرى، إذ ظل ولعدة قرون “عشبة مقدسة”، يحصر استعمالها على الكهنة الشامان، ومن يستخدمها خارج هذا الإطار كان يعتبر من السحرة أو الخارجين على القانون، وكثيرا ما كانت اللعنة أو القتل مصير من يتعاطاها خارج هذا الإطار. كما أن الزرادشتيين استعملوه بين القرنين الثامن والثالث قبل الميلاد، وكان أحد أسرار الكهنة، في طقوسهم الخاصة، كما استخدم في التوليد ومع البخور للطقوس الدينية، وكزيت مقدس لإنارة المعابد، فيما أبيح استعماله للعامة كزيت للقناديل.

يعلن الإله كريشنا في “الباجافاد جيتا” أن الكيف عشبة مقدسة حيث ورد فيه “أنا التقدمة وأنا التضحية والقربان السلفي، أنا العشب الديني والترتيلة المقدسة وزبد الأضاحي، أنا النار والقربان المحترق”.

أورد المؤرخ هيرودوت في كتابه الضخم “التواريخ” إشارات على استعمال الكيف في عدد من الاحتفالات الدينية القديمة، عند عدد من الشعوب، فإضافة إلى اليونان، تحدث هيرودوت عن استعماله من طرف الحيثين، حيث كان يوضع على حامل بثلاثة قوائم، في بعض الساحات ويجتمع الناس لاستنشاق دخانه، وكانت تعتبر هذه الممارسة ذات طبيعية دينية. كما أورد هيرودوت معلومات عن استعماله من طرف الأشوريين في الاحتفالات الدينية، وخاصة خلال مراسيم الجنائز ولدرء الأرواح الشريرة. فيما كان يستنشق في الطقوس الجنائزية من طرف السكثيين والتراقيين حوالي القرن السادس قبل الميلاد.

تابعوا في الجزء الثاني من هذا الملف:

ـــ خطأ في الترجمة يجهض الكيف حقه في اليهودية

ـــ المسيح يعالج المرضى بزيت الكيف

ـــ الاسلام والمغاربة: من الزوايا إلى الممول الرسمي لتدين المغاربة

سيتوسع مجال استعمال الكيف بانتقاله من آسيا إلى أوروبا، مع الغزو الذي تعرضت له هذه الأخيرة من طرف القبائل الآرية (بين 2300 و1000 قبل الميلاد)، حيث كان يستخدم آنذاك في التغذية والمنسوجات والزيوت. أما على المستوى الديني، فإن العقاقير التي كان يتم استخلاصها من القنب الهندي، كانت تشكل رابطًا طقسيا مع الآلهة.

كما تشير العديد من الأدلة الأركيولوجية والنصية، إلى استخدام القنب الهندي في الديانات الوثنية الجرمانية القديمة، في مراحل تاريخية مبكرة تعود للألف الثالثة قبل الميلاد، حيث تم استخدامه في الطقوس الروحية الخاصة بالخصوبة، وكان يعتبر من التقدير للمتوفي، تقديم بذوره والملابس المصنوعة من قنبه كهدية لروحه.

كما يحضر الكيف عند الشعوب الاسكندنافية، فوفقا للميثيولوجيا الاسكندنافية، فإن نبات القنب الهندي يحتوي على الطاقة الأنثوية لفريجا، إلهة الحب والجمال والخصوبة، وبالتالي فإن استهلاك أوراقه يدخل الطاقة بجسد المستهلك لها.

في الجزء الثاني من الملف، سنواصل البحث عن حضور الكيف في الديانات التوحيدية الثلاث، وكيفية تعامل كل دين منها مع هذه النبتة، مع التوقف عند الحالة المغربية، بما تحمله من مفاجآت… ومن تناقضات.

لقراءة الجزء الثاني من الملف: الكيف بين اليهودية، المسيحية والإسلام: علاقة الكيف بتدين المغاربة 2\2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *