حسين الوادعي يكتب: في اليوم العالمي للغة العربية…حقائق وأساطير
علاقة العربي بلغته عاطفية. اللغة العربية ليست لغة فقط. إنها لغة وعرقية. مثلما اليهودية بالنسبة لليهودي ديانة وعرقية. فالعربي هو الناطق باللغة العربية بغض النظر عن خلفيته العرقية. إن العرق …
علاقة العربي بلغته عاطفية. اللغة العربية ليست لغة فقط. إنها لغة وعرقية. مثلما اليهودية بالنسبة لليهودي ديانة وعرقية. فالعربي هو الناطق باللغة العربية بغض النظر عن خلفيته العرقية. إن العرق العربي لا وجود له خارج الجزيرة العربية والحجاز، وقد تكفلت سياسة التعريب، التي تلت الفتوحات الإسلامية، بتعريب الشعوب المفتوحة في الشام ومصر وشمال غرب افريقيا.
العربية ليست لغة الأرض فقط، إنها لغة السماء، كما تقول الميثولوجيا اللغوية السائدة. لغة أهل الجنة كما يرى الغرور اللاهوتي المتضخم. كل سكان الجنة، من كل الشعوب، سيهجرون لغاتهم الأرضية وسيتكلمون العربية في الآخرة.
بأي لسان أو لهجة سيتكلمونها؟ هل سيتكلمون الفصحى الكلاسيكية أم الفصحي الحديثة المبسطة؟ هل سيلتزمون بقواعد النحو الكوفي أم البصري أم النحو الساكن؟ ليس هذا ما يهم العربي معرفته اليوم.
من أكثر أكاذيب الفخر رواجا، أن في اللغة العربية 12 مليون كلمة، وبالتالي، تعتبر اللغة الأولى في العالم من حيث عدد الكلمات، وهذا غير صحيح. فاللغة الأولى في عدد الكلمات الحية، هي الإنجليزية بثلاثمائة ألف كلمة، وأقصد بالكلمات الحية هنا، الكلمات التي لا زال لها استخدام وضرورة في عصرنا. أما لو أضفنا الكلمات الحية والميتة معا، فالكورية ستكون أكبر لغة في العالم بحوالي مليون مفردة. وأكبر قاموس عربي… يحتوي على 80 ألف مادة لغوية، بما فيها المترادفات والتكرار.
تسيطر الخرافة وتتوسع في علاقة العربي بلغته. بالنسبة له، كتب الله القرآن بالعربية قبل خلق العالم. إن كلام الله وذاته لا ينفصلان في العقيدة الرسمية. ولأن صفات الله لا يمكن أن تتأخر عن ذاته، فإن الله والعربية وجدا معا منذ الأزل.
ولأن صفات الله لا تنفصل عن ذاته، وكلام الله عين ذاته، كما قال العقائديون المسيطرون، فإن العربية صفة من صفات الله، وعين من أعيان ذاته معا!!
يرى العربي أن العربية لغة العرب فقط. لا يستطيع غير العربي أن يتقنها مهما حاول. وهو بهذا يتجاهل أن العلماء المؤسسين لعلوم اللغة العربية، كانوا من غير العرب… من سيبويه إلى ابن جني إلى الزمخشري… والجرجاني والفيروزبادي.
غير العرب هم “أعاجم”، حسب التعريف التقليدي. فاللغة عند العربي، هي العربية فقط، أما غيرها من اللغات فليست إلا أصواتا. “الأعاجم” عند العربي… ليسوا غير العرب فقط، فالحيوانات أيضا يطلق عليها الأعاجم. العربية هي الرافعة النرجسية للعربي التي تجعله يرى نفسه العرق الأنقى وشعب الله المختار. والأعجمي هو الذي لا يفصح، والفصاحة عند العربي، هي للعربية فقط وبالعربية فقط ولا وجود لفصاحة خارجها.
حتى لو تخلفت لغته وتراجعت، لا تتراجع أوهامه اللغوية الحصرية.
اقرأ أيضا: عبد الدين حمروش يكتب: العربية: بين سجالين
يقول علم اللغة إن العربية فرع من اللغات السامية، يعود تاريخها إلى 500 سنة بعد الميلاد كحد أقصى، وإنها كانت فروعا متعددة، بعضها انقرض وبعضها استمر. لكن هذه الحقيقة العلمية غير مقبولة عند العربي. فاللغة العربية عنده، هي اللغة التي تحدث بها آدم وحواء في الجنة. بها غازل آدم حواء، وبها أغواهما الشيطان، وبها ارتكبا الخطيئة الأولى!
تعرض كتاب لويس عوض، “مقدمة في فقه اللغة العربية” للمحاكمة والمصادرة والتكفير، لأنه تجرأ وقال إن اللغة العربية لغة بشرية، وحدد بداية نشوئها وتركيباتها الصوتية وانحدارها من اللغة السامية الأم.
كان كتاب لويس عوض صدمة للميثولوجيا والثيولوجيا العربية حول اللغة، أشبه بصدمة كوبرنيكوس، الذي قال إن الأرض ليست مركز الكون، وإننا على هامش الكون.
تم حشو العربي، منذ طفولته، بمعلومة تقول إن العربية هي أم اللغات ومنها… خرجت بقية اللغات، فكيف يأتي باحث ويقول له إنها مجرد فرع من لغة فرعية ظهرت قبل 1600 سنة؟
يتفاخر العربي بلغته، وله كل الحق أن يتفاخر بلغة كانت لغة الحضارة والعلم يوما ما. لكنه يتفاخر بها في غير موضع التفاخر.
إنه يتفاخر أنها لغة ثابتة، لم تتطور مثل غيرها من اللغات، وهذا ليس محلا للتفاخر، لأنه يعني أنها… تخلفت عن عصرها وتجمدت.
لكن العربي الفخور، لم يتوقف هنا. أدخل إلى موقع Qoura، أشهر موقع للأسئلة والأجوبة في العالم، وستجد عربيا فخورا آخر، قد أضاف مادة يقول فيها، إن اللغة العربية تحتوي على 500 مليون مفردة. أليست لغة الله ولغة آدم ولغة القرآن؟ ألا تستحق أن يكون فيها 500 مليون مفردة… لم يسمع عنها أو يقرأها أو ينطقها أحد.
إنه يتفاخر أنها لغة العرب فقط، وأن “التنقيط” تم اختراعه للعجم، مع أن هذا غير صحيح.
تم اختراع التنقيط لأن الكلمات كانت تختلط والمعنى يضيع، ويتم قراءة الكلمة بمعان مختلفة. كان التنقيط مرحلة مهمة في مسيرة اللغة العربية، من لغة غير منضبطة إلى لغة أكثر انضباطا. ولولا التنقيط، لعجز العرب عن قراءة وفهم أغلب النصوص، بما فيها نصوص الحديث والقرآن.
كما أن الادعاء أن العربية لا يتقنها إلا العربي، يعني أنها لغة محلية، محدودة الأفق الثقافي والمعرفي، مثلها مثل بعض اللغات البدائية للقبائل المعزولة في الغابات. وفي هذا انتقاص من أهميتها.
… ويتفاخرون بأن اللغة العربية، تملك أكبر عدد من المترادفات للكلمة الواحدة، فيدعون أن في العربية أكثر من 500 اسم للأسد، و300 اسم للكلب وهكذا. وهذا غير صحيح أولا، وليس محلا للتفاخر ثانيا، لأن الإفراط في المفردات، يؤدي إلى ضياع المعنى وانفلات اللغة، فمن العبث أن يكون هناك 500 اسم لحيوان واحد… فهذا أقرب إلى غياب المعنى وغياب التحديد.
تخلق الأسطورة مروياتها الداعمة حتى ولو كانت كاذبة.
اقرأ أيضا: أحمد الخمسي يكتب ـ حزن الظن: استعمال اللغات الأجنبية: صراع أم فرص؟
من أكثر أكاذيب الفخر رواجا، أن في اللغة العربية 12 مليون كلمة، وبالتالي، تعتبر اللغة الأولى في العالم من حيث عدد الكلمات، وهذا غير صحيح. فاللغة الأولى في عدد الكلمات الحية، هي الإنجليزية بثلاثمائة ألف كلمة، وأقصد بالكلمات الحية هنا، الكلمات التي لا زال لها استخدام وضرورة في عصرنا. أما لو أضفنا الكلمات الحية والميتة معا، فالكورية ستكون أكبر لغة في العالم بحوالي مليون مفردة. وأكبر قاموس عربي… يحتوي على 80 ألف مادة لغوية، بما فيها المترادفات والتكرار.
لكن العربي الفخور، لم يتوقف هنا. أدخل إلى موقع Qoura، أشهر موقع للأسئلة والأجوبة في العالم، وستجد عربيا فخورا آخر، قد أضاف مادة يقول فيها إن اللغة العربية تحتوي على 500 مليون مفردة. أليست لغة الله ولغة آدم ولغة القرآن؟ ألا تستحق أن يكون فيها 500 مليون مفردة… لم يسمع عنها أو يقرأها أو ينطقها أحد.
لكن الأهم من ذلك… أن رقي اللغة لا يقاس بعدد الكلمات، بل باستجابتها لمتطلبات العصر صرفا ونحوا ومفردات. واللغة العربية اليوم، تكافح لكي تستوعب المفردات الجديدة في العلوم والسياسة والسسيولوجيا.
إن أكبر حلم سياسي حديث (حلم الوحدة العربية)، كان حلما لغويا. تحقيق الوحدة العربية، بين 22 دولة لا يجمع بينها إلا اللسان العربي، بينما تختلف ثقافيا وسياسيا واقتصاديا حتى النقيض.
إن اللغة أداة السحر… واللغة العربية، كانت أداة العربي السحرية لامتلاك العالم وتحقيق المستحيل.
في اليوم العالمي للغة العربية، يحق للعربي أن يفتخر، وأن يوسع ميثولوجيا اللغة الأعظم، بالمزيد من المرويات المرسلة. إنها لغة تعاني من “بارانويا” المتحدثين بها، ومن التهميش والجري اللاهث، وراء عصر جامح يتجاوزها ويتحداها كل يوم.
إنها رغم كل الصعوبات لغة جميلة. ولولا جمالها لما استطعت كتابة هذه السطور.