من اليمن، حسين الوادعي يكتب: نوبل للآداب… تاريخ من الأزمات والفضائح - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: نوبل للآداب… تاريخ من الأزمات والفضائح

تجذب جوائز الطب والفيزياء والكيمياء اهتمام الناس وأحلامهم بفتوحات غير مسبوقة. لكن الاهتمام الأكبر يبقى لجائزتي “السلام” و”الآداب”، خاصة بدراما المفارقات والاختيارات الغرائبية للفائزين بهاتين الجائزتين. لنترك نوبل للسلام جانبا …

تجذب جوائز الطب والفيزياء والكيمياء اهتمام الناس وأحلامهم بفتوحات غير مسبوقة. لكن الاهتمام الأكبر يبقى لجائزتي “السلام” و”الآداب”، خاصة بدراما المفارقات والاختيارات الغرائبية للفائزين بهاتين الجائزتين.

لنترك نوبل للسلام جانبا ولنركز على تاريخ تناقضات لما يفترض أن تكون أرفع جائزة أدبية في العالم.

أثار فوز مغني البوب الشعبي “بوب ديلان” بجائزة نوبل للآداب عام 2016 جدلا قديما جديدا حول مصداقية الجائزة وقيمتها الأدبية. لكن تاريخ الجائزة حاشد بالمفاجآت غير السارة، فقد سبق أن فاز بها ممثل وكاتب كوميدي خفيف الموهبة عام 1997.

الخلاصة المفيدة أن الحكم على مسيرة الأدب العالمي من خلال الجوائز الأدبية مغامرة خطرة… مغامرة لا تقل خطورة عن الحكم على السلام العالمي من خلال جائزة نوبل للسلام!

سنة 2017، فاز روائي بريطاني سبق أن حصل على جائزة البوكر (وهي أهم جائزة أدبية بعد نوبل)، لكنه أيضا كاتب سيناريو سينمائي تحولت رواياته إلى أفلام هوليودية شعبية، مما يجعل البعض يرى أن نوبل ارتبطت بالثقافة الشعبية أكثر من ارتباطها بالأدب الرفيع.

اقرأ أيضا: محمد عزيز لحبابي… المفكر المغربي الذي ترشح كأول عربي لجائزة نوبل

عندما بحثت في تاريخ نوبل للآداب، وجدت أن الإختيار السيء رافق الجائزة طويلا.

في عام 1901، وهو العام الأول لمنح الجائزة، كان العالم يتوقع أن يفوز العملاق تولستوي. لكن المفاجأة كانت تجاهل نوبل له، لتمنح الجائزة لشاعر فرنسي لم يعد يتذكره أحد اليوم هو “رينه برودوم”.

أثار التجاهل ضجة واسعة في الوسط الأدبي حتى داخل السويد نفسها، لدرجة أن وجه مجموعة من الأدباء السويدين رسالة اعتذار لتولستوي.

اتهمت الجائزة أيضا بـ”مركزيتها الأوربية”. فأغلب الفائزين بالجائزة من أوروبا، وعدد الفائزين من السويد يفوق عدد الفائزين من آسيا وإفريقيا

في العشر السنوات الأولى للجائزة، هناك اسمان معروفان فقط هما “كبلنج” و”طاغور”. أما بقية الفائزين، فلن تجد أسماءهم حتى في الموسوعات الأدبية المتخصصة. في نفس الفترة، تجاهلت الجائزة أدباء من الوزن الثقيل مثل مارك توين وهنريك ابسن وإميل زولا ومكسيم غوركي.

في 1953، منحت الجائزة لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قبل أسابيع فقط من إصداره أمرا بتصنيع السلاح النووي. ويبدو أن فوزه بالجائزة كان نوعا من الانخراط العميق للأكاديمية السويدية في معارك الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.

وما دامت السياسة قد سيطرت على الأدب، فلا مانع أن يفوز سياسي ومحارب عتيد بأرفع جائزة أدبية.

اقرأ لنفس الكاتب: نوبل للكيمياء ونظرية التطور

في عام 1974، منحت الجائزة للأديبين السويديين “إيفند جونسون” و “هاري مارتنسون”؛ وقد كانا عضوين في لجنة تحكيم الجائزة، أي أن الأكاديمية السويدية منحت الجائزة لنفسها!

“العجائب السويدية” لا تنتهي هنا، فأغلب الفائزين السويديين كانوا أعضاء في لجنة التحكيم، من ضمنهم الفائز بالجائزة عام 1912، و “إريك كارلفلت” الذي منحت له الجائزة عام 1919 ورفضها، ثم أصرت اللجنة إصرارا غير مسبوق على منحه الجائزة بعد وفاته سنة 1931، ليصبح الأديب الوحيد الذي فاز بالجائزة مرتين، والوحيد الذي فاز بها بعد وفاته!

اتهمت الجائزة أيضا بـ”مركزيتها الأوربية”. فأغلب الفائزين بالجائزة من أوروبا، وعدد الفائزين من السويد يفوق عدد الفائزين من آسيا وإفريقيا.

إذا أردت أن تدرس تاريخ الأدب العالمي من خلال جائزة نوبل، ستكتشف أن أغلب من أعادوا تشكيل تاريخ الأدب والثقافة في القرنين العشرين والحادي والعشرين لم يفوزوا بها.

بسبب التاريخ الإشكالي للجائزة، رفضها أربعة فائزين هم: “جورج برناردشو” و”جان بول سارتر”، إضافة إلى الأديبين الروسيين  “بوريس باسترناك” و”سولجنستين” (الأخير تسلمها بعد 4 سنوات، بعد نفيه من الاتحاد السوفيتي السابق).

بالنسبة لبرناردشو، فقد رفضها لأنها على حد تعبيره : “طوق نجاة يلقى به إلى رجل وصل فعلًا إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر”. أما سارتر، فرفضها لأنها جائزة مسيسة مثلها مثل جائزة لينين التي كانت تمنح آنذاك والتي صرح أنه سيرفضها أيضا لو فاز بها.

اقرأ أيضا: محمد سبيلا… المفكر الذي خبر دروب الحداثة وعثراتها في المغرب

هذا المعدل الكبير للرفض غير مسبوق في تاريخ الجوائز الأدبية الأخرى مثل البوكر والغونكور، فلم نسمع إلا عن حالة رفض واحدة لجائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة.

عربيا، كنت أتوقع أن تذهب الجائزة، بعد نجيب محفوظ، لواحد من الأربعة الكبار: محمود درويش أو أدونيس في الشعر أو سعد الله ونوس في المسرح أو عبد الرحمن منيف في الرواية.

رغم ترشيح درويش وونوس للجائزة قبل وفاتهما، كانت حظوظهما قليلة جدا في جائزة كان تاريخها حاشدا بالمركزية الثقافية والمعايير الغامضة.

بسبب التاريخ الإشكالي للجائزة، رفضها أربعة فائزين هم: “جورج برناردشو” و”جان بول سارتر”، إضافة إلى الأديبين الروسيين  “بوريس باسترناك” و”سولجنستين”.

كما لم تصل الجائزة إلى كبار الأدب العربي مثل السياب وأمل دنقل وتوفيق الحكيم، فإنها تجاهلت أسماء عالمية ضخمة من أمثال: مارسيل بروست، وجيمس جويس، وفيرجينيا وولف، وجورج أوريل، وجبران خليل جبران، ووبورخيس، ونابوكوف، وتشينوا اتشيبي، وهنري جيمس، وهنريك ابسن، وفرانز كافكا، وسترندبرج، وعزيز نيسين، وإميل زولا، وبريخت، وجوزيف كونراد، ولوركا، والمبدع الاستثنائي كازنتزاكي.

والأغرب أن وجود هؤلاء العمالقة لم يمنع اللجنة من حجب الجائزة 6 مرات بحجة عدم وجود “مرشحين على مستوى الجائزة”!

اقرأ أيضا: محمد زفزاف… دوستويفسكي الأدب المغربي!

رغم كل الضجة التي أثارها فوز مغني البوب ديلان بالجائزة في 2016، فقد أضاف لها لمسات فضائحية إضافية عندما رفض الذهاب لاستلام جائزته.

واستمرارا في مسلسل الفضائح، حجبت الجائزة في 2018 بسبب تورط أحد أعضاء لجنة التحكيم في فضائح تحرش جنسي متسلسلة بعضوات اللجنة وموظفات اللجنة!

أثار التجاهل ضجة واسعة في الوسط الأدبي حتى داخل السويد نفسها، لدرجة أن وجه مجموعة من الأدباء السويدين رسالة اعتذار لتولستوي

إذا أردت أن تدرس تاريخ الأدب العالمي من خلال جائزة نوبل، ستكتشف أن أغلب من أعادوا تشكيل تاريخ الأدب والثقافة في القرنين العشرين والحادي والعشرين لم يفوزوا بها.

منحت الجائزة سنة 2020 للشعر. لكن، يعتقد أيضا أن “النوع الإجتماعي” كان له دور أكبر في منح الجائزة لامرأة! لكن هذا لا ينفي أهمية الجائزة لانتشال الشعر من الهوة العميقة التي هوى فيها بعد أن تسيدت الروايه وخطفت الأضواء والجوائز.

لا تمنح نوبل في الأدب للروائيين والشعراء والمسرحيين فقط. هي تمنح لكافة  أشكال الكتابة الإبداعية. لكن هذا التوسع في معايير الجائزة جعلها تذهب إلى سياسيين وفلاسفة ومؤلفي أغان شعبية.

تعاني الجائزة الأدبية الرفيعة من أزمة معايير وأزمة تحكيم. وهي الأزمة التي تجنبتها جائزة أدبية رفيعة هي البوكر العالمية.

أما البوكر العربية، فمسيرتها لا تقل فضائحية عن مسيرة نوبل. والخلاصة المفيدة أن الحكم على مسيرة الأدب العالمي من خلال الجوائز الأدبية مغامرة خطرة… مغامرة لا تقل خطورة عن الحكم على السلام العالمي من خلال جائزة نوبل للسلام!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *