عبد القادر الشاوي: التأويل المقاصدي، مفهوم الكُلّ - Marayana - مرايانا
×
×

عبد القادر الشاوي: التأويل المقاصدي، مفهوم الكُلّ

لا أعرف إن كان الفقيه السني المالكي على علم تام بما هو معروف في كثير من التفاسير من أن لفظ (كل) هو لضم أجزاء الشيء، كما يقال، سواء لذاته فيفيد التمام (ولا تبسطها كل البسط، الآية)، أو للذوات الأخرى في أحوال كثيرة (يضاف إلى جمع معرف بالألف واللام، أو إلى ضمير، أو إلى نكرة مفردة…). مع التأكيد، كما جاء في تلك التفاسير، على أنه “لم يرد في شيء من القرآن ولا في شيء من كلام الفصحاء الـ(كل) بالألف واللاّم”.

لا يمكن تحميل الـ(كل) أكثر مما يحمله، فهو يتضمن الجزء بالمخالفة، ويشتمل على الإطلاق الذي يراد به الكلية أيضا، أضف إلى ذلك أنه يوحي بأن البعض فيه ليس كلا أو كليا، خصوصا عندما يعني البعض القلة أو الأقلية (في السياسة)، علما بأن الـ(كل) لا يمكن أن يكون نقيضا لِلاَّكُل لأنه يتضمن، في التأويل والفهم، ما لا يُحصى من المفردات الدالة في القواميس اللغوية على شيء آخر يمكن تقديره حسب سياق الاستعمال: الواحد، الفرد والمفرد، البعض، بِطانة، حاشية، حَشًمٌ، خاصة، طائفة، فرع، فصيلة، قسم، مجموعة، نقصان، إلخ.

هذا ما يعني أن الـ(كل)، بعيدا عن التأويل الديني المقاصدي، لا يمكن أن يُدرَك مغزاه وأن يُحجَزَ معناه إلا بحسب التركيب (قولك: كل شيء على ما يرام) والسياق (ما يُلزم المعرفة في التفسير) والدلالة المتوخاة (المقصدية)، أي أنه يمكن أن يكون مطلقا في المجال (الديني مثلا) فيراد به الشمول والكلية؛ وقد يكون نسبيا، ولو في حدود، حسب قواعد معينة يُصان فيه الجزء من العبث أو الفرع من الموت. والنسبية هنا تأويل آخر يعاكس التأويل المقاصدي في أخص اعتقاده. يمكن نعته بالليبرالي إذا كان المجال سياسيا، ويمكن نعته بالفلسفي إذا كانت الحرية عنوان بحث وتأمل.

لا يمكن للفقيه السني المالكي أن يدرك معنى آخر للـ(كل) إلا في علاقة بالكتاب المُنْزل. وفي القرآن من الآيات ما لا يُعَدّ، تجعل من الكُلّ كُليَّةً مطلقة فتصبح بذلك حجة في وجه كل تأويل مخالف غالبا ما يُنعت بالمروق أو بغيره. غير أن  ما هو أبلغ من الموقف هذا، في نظر الفقيه إيّاه، هو أنه يأخذ بالتأويل المقاصدي المبني، في كثير من الآيات، على النكرة المفردة (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، الآية)، وُيشْبِعُ هذا التأويل تصورا دينيا مطلقا ، فيصبح الكل ذاتا والكلية حكما مخصوصا أو له قداسته فيتحول في الاستعمال إلى صفة حصرية.

لا أعرف إن كان الفقيه السني المالكي على علم تام بما هو معروف في كثير من التفاسير من أن لفظ (كل) هو لضم أجزاء الشيء، كما يقال، سواء لذاته فيفيد التمام (ولا تبسطها كل البسط، الآية)، أو للذوات الأخرى في أحوال كثيرة (يضاف إلى جمع معرف بالألف واللام، أو إلى ضمير، أو إلى نكرة مفردة…). مع التأكيد، كما جاء في تلك التفاسير، على أنه “لم يرد في شيء من القرآن ولا في شيء من كلام الفصحاء الـ(كل) بالألف واللاّم”. أي أنه يجري فقط في كلام (المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم) للأغراض التي تدعوهم إلى التأويل الخاص.

يعني هذا أن التأويل المقاصدي غَرَضِيٌّ وليس تفسيريا، لأن المَرمى البعيد الذي يهدف إليه، بقصد إيديولوجي واضح، هو القول إن لفظ (كل) يتطابق مع الذات الإلهية باعتبارها كلية تامة وشاملة ولها من الصفات الأخرى التي لا يمكن أن تكون إلا لها حصرا.

التأويل المقاصدي هنا لا يَبْني أي شيء على الجَواز لما فيه من النسبية، بل على التسليم لما فيه من الحَتْم حتى حين يكون لفظ (كل) مفردا وقد يعني الجميع، وأن كثيرا من النحاة راعوا معنى (كل) بحسب ما يضاف إليه، أي بتقدير مسألة الخصوصية المرتبطة عادة بالسياق الذي قد ترد فيه، وعلى ذلك الكثير من الشواهد المستقاة أساسا من الكتاب المُنزل.

التأويل المقاصدي، من هذه الزاوية، مبني على الاعتقاد الذي يعطي للفقيه السني المالكي كامل الشرعية للحكم على ما ومن يخالفه في اعتقاده. لذلك، أجده مبنيا على فكرة المنع أو التحريم التي هي الأداة المفهومية المستعملة عادة لإعاقة التفكير في الاختلاف وكذا للحيلولة دون وقوع الخلاف أيضا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *