جَلَبَةُ عيد الأضحى: تأبيد التجهيل الديني والأمية الانتخابية - Marayana - مرايانا
×
×

جَلَبَةُ عيد الأضحى: تأبيد التجهيل الديني والأمية الانتخابية

كلما أقبل عيد الأضحى، ارتفع الضغط النفسي والاجتماعي على الأسر الفقيرة وضاقت بها السبل. فلقد ترسب في الوعي الجمعي، بفعل تراكم قرون من التجهيل، أن هذه المناسبة عظيمة، بل وأنها …

كلما أقبل عيد الأضحى، ارتفع الضغط النفسي والاجتماعي على الأسر الفقيرة وضاقت بها السبل. فلقد ترسب في الوعي الجمعي، بفعل تراكم قرون من التجهيل، أن هذه المناسبة عظيمة، بل وأنها أعظم مناسبة دينية بعد رمضان؛ لا يمكن التساهل فيها أو عدم تخليدها، ولو اقتضى الأمر بيع بعض التجهيزات المنزلية البسيطة أو الاستدانة من الأقرباء أو الأصدقاء أو من بعض المصارف التي لا تُفوِّت على نفسها فرصةً لامتصاص ما تبقى من قدرة شرائية منهكة لفئات عريضة من المواطنين.

وبقدر انسحاق الفقراء تحت وطأة هذه المناسبة، فإن جهات كثيرة تبتهج بها وتعتبرها مناسبة لرفع رأسمالها المادي أو المعنوي أو السياسي، فيختلط ثُغاء الأغنام بصليل السكاكين وبعبعة محترفي السياسية، أفرادا وتنظيمات، من مختلف المشارب القذرة. والأفظع أن بعض جمعيات المجتمع المدني نبيلة الأهداف، تنزلق إلى هذا المستنقع، إن عن حسن نية أو عن سذاجة، مساهِمة في اختلاط الحابل بالنابل.

اقرأ أيضا: من وقوف عرفة الى النحر: المناسك الأشد قدسية عند عرب ما قبل الإسلام 

صحيح أن هناك الكثير من المحسنين الذين لا يسعون من وراء إهداء الأضحية لأكثر من ابتغاء مرضاة الله، ولكنهم مع ذلك، لا يفلتون من المساهمة مع المصطادين في الماء العكر في تأبيد جهل عامة المسلمين بأن “الدين يسر” وبأن الله “لا يكلف نفسا إلا وُسعها”، وبأن عيد الأضحى ليس فرضا وإنما هو سنة واجبة على من قدر عليها، وأن الأضحية ليست هدفا في حد ذاتها ولا بذخا، وإنما هي مناسبة لشكر الله، وإطعام الفقراء:” لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالُه التقوى منكم، كذلك سخرناها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين” (الحج، آية 37).

إن انخراط جمعيات المجتمع المدني في هذه الجَلَبة، من خلال إهداء خرفان للفقراء، يجعلها تساهم من حيث لا تحتسب، ليس فقط في ترسيخ جهل المواطنين بالدين الإسلامي وأولوياته، وإنما، وهذا هو الأخطر، في إضفاء المشروعية على محترفي السياسة ومقتنصي أصوات المواطنين الذين يقدمون أضحيات، ليس رأفة بالمحتاجين، وإنما كتسبيق لشراء أصواتهم وذممهم.

فكيف ننتقد هذا السلوك على السياسي ونسمح لأنفسنا به؟ أحرام عليكم، حلال علينا؟ [لا تنهَ عن خُلق وتأتي مِثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم]. وكيف يميز المواطن البسيط بين من يرأف به ومن يستغله. يضاف إلى ذلك أن الأشخاص الماديين أو المعنويين (الجمعيات)، مهما توفر لهم من أموال وحسن نية، لا يمكنهم إهداء أضحية لجميع المحتاجين. فما العمل؟

إقرأ أيضا: في يوم الغفران.. اليهود يتطهرون من خطاياهم بالدجاج! 

لا بأس في أن يغتنم الأفراد أو الجمعيات هذه المناسبة لإدخال بعض السرور على من يستطيعونه من الأسر، ولكن ليس باشتراء أضحية لكل أسرة، وإنما باقتسام ثمنها على أسرتين أو ثلاث؛ بمعنى أنه إذا افترضنا أن ثمن الأضحية يساوي ألف درهم، فالأفضل منح أسرتين 500 درهم لكل منهما لتنفقها حسب أولوياتها، بدل منح خروف لأسرة واحدة تلتهمه في ثلاثة أيام. هكذا نضاعف عدد المستفيدين… ولا نساهم في تأبيد التجهيل الديني والأمية الانتخابية.

إن مهمة المجتمع المدني لا تقتصر، في اعتقادي المتواضع، على محاربة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وإنما يجب أن تتجاوزها إلى محاربة الفقر المعنوي والفكري.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *