المهمشون في اليمن… تاريخ من العنصرية والهوية المفقودة والمواطنة الناقصة - Marayana
×
×

المهمشون في اليمن… تاريخ من العنصرية والهوية المفقودة والمواطنة الناقصة

المهمشون أو الأخدام في اليمن، فئة تعيش حياةً بلا هوية…
هم مجموعة من اليمنيين، محرومين من الحقوق الأساسية والخدمات الاجتماعية. يعيشون بين الخيام المهترئة والإقصاء المستمر، يقاومون العنصرية والفقر والتمييز اليومي. حياتهم اليومية صراع دائم من أجل البقاء والكرامة.

في أحياء يمنية ضيقة وأكواخ من الصفيح والكرتون، يعيش المهمشون أو ما يُعرف تاريخيًا بـ”الأخدام” واقعًا قاسياً من الحرمان والإقصاء.

هذه الفئة، التي يُنظر إليها كطبقة دنيا في المجتمع اليمني، تحمل إرثًا ثقافيًا متوارثًا منذ العصر الإسلامي، حين تم تحويل رعايا الدولة النجاحية (426-526هـ) إلى خدام لدى المجتمع اليمني، بعد انتصار الملك علي بن أحمد الزيادي الحميري وحرمانهم من كافة الحقوق والمزايا، وهو واقع محكوم بخلفيات عنصرية تشكك في هويتهم اليمنية.

تقدر الأرقام غير الرسمية عدد المهمشين بين نصف مليون و3.5 مليون نسمة، أي نحو 12% من إجمالي السكان. ورغم أن الدستور اليمني والقوانين الوطنية والمواثيق الدولية تكفل لهم حقوق المواطنة، فإن الواقع مختلف تمامًا.

يعيش الأخدام (وهو تعبير له حمولة تمييزية) في تمييز دائم وحرمان من أبسط الحقوق الأساسية، بدءًا من الحقوق الاجتماعية والدينية وحتى الحقوق الاقتصادية والسياسية.

سكان الخيام: المواطنة الناقصة

الهوية القانونية والحماية الحقوقية التي تعبر عن الوطنية والانتماء، ويحق لكل مواطن الحصول عليها، لا تحمل ذات المعنى حين يتعلق الأمر بـ “المهمشين”.

المهمشون أو الأخدام في اليمن، يشكلون استثناء في حالة المواطنة، فهم محرومون من وثائق الهوية الوطنية، مثل بطاقات الشخصية وشهادات الميلاد والوفاة، باستثناء البطاقة الانتخابية، بسبب البيروقراطية وارتفاع التكاليف، وتعنت السلطات في استخراج وثائق ثبوتية.

يقول ماجد علي سعيد قاسم، وهو أحد المهمشيين النازحين إلى منطقة المنعم بتعز  لـ “مرايانا”: “عائلتي لا تملك بطائق تعريفية. حاولت أن أحصل عليها، لكن السلطات ترفض ذلك. لا يوجد لدينا هويات وطنية. في السابق، أي قبل الحرب، كانت هناك حالات تحصل على أوراق ثبوتية. أما الآن، لا نستطيع… الجهات المعنية ترفض ذلك”.

المهمشون: مساكن في مجاري السيول

المهمشون محرومون من السكن اللائق، إذ يعيش معظمهم في مساكن مؤقتة مصنوعة من الصفيح والكرتون وإطارات السيارات، غالبًا على أراضٍ لا يملكونها، سواء كانت خاصة أو عامة. هذا الأمر يجعلهم عرضة للهدم والتشريد أحيانًا بمساعدة السلطات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر منازلهم إلى أبسط الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء. ورغم مرور شبكات الخدمات بالقرب منهم، تُرفض هذه الخدمات بحجة البناء غير القانوني وغياب وثائق الملكية.

يروي  ماجد علي سعيد قاسم أن الحرب جعلتهم ينزحون إلى مناطق مختلفة، وهو ما أدى إلى عدم استقرارهم، وأن الحرب صعّبت ظروف معيشتهم، بحيث لا يمتلكون أي مقومات الحياة والعيش الكريم، وأضاف، في وصف لحالته الخاصة: “أسكن الخيام. لم يكن لدي بيت كما بقية شرائح المجتمع. حتى أثناء محاولتي لبناء منزل، تم تدميره، وهو ما جعلني أنزح إلى هذا المكان. حتى وإن كانت لدي الرغبة في أن أستأجر بيتا، لا أملك مالاً، وقد يرفض طلبي أيضا”.

أما رمزي، وهو أحد المهمشين في اليمن، فقد قال إنهم “يسكنون في الخيام وفي مجاري السيول، حيث بيتونا هشة، تسحب مياه الأمطار  الخيام، وفي كثير من الأحيان نضطر للنوم تحت المطر والبرد”.

موتى المهمشين في القبور المجهولة

يحكي رمزي لــ “مرايانا”، عن طقوس دفن موتى المهمشيين، أنها دائما ما تتم بين فئتهم، حيث يرفض المجتمع قبولهم وهم أحياء، ويمتد ذلك في كل المناسبات، رغم كونهم مسلمين: “يفرقون بيننا، للون بشرتنا، وينظرون لنا على أننا أقل منهم. يتكبرون علينا  لأنهم يعتبروننا “أخداما” ولأننا لسنا بيضا، لا يأتوا لجنائزنا، رغم أننا نشاركهم بكل مناسباتهم”.

يشير  رمزي أنه، رغم أن الإقصاء الممنهج لعزلهم اجتماعيا، يحاولون الاندماج. لكن “نظرتهم لنا لا تتغبر، يعتبرون أننا طبقة دونية.  لا أعلم ماذا فعلنا ليحصل لنا كل هذا، نحن مسلمون مثلهم”؛ ويتساءل عن سبب ذلك رغم أنهم ولدوا بنفس الدولة: ” كلنا يمنيون. لماذا يرونا أقل منهم؟”.

“نقوم بشراء القبور  في مناطق غير مقابر  البيض بمبالغ كبيرة قد لا نمتلكها، لأنهم يمنعونا من الدفن معهم. نضطر  في بعض الأحيان إلى حفر قبور  في مناطق عشوائية وندفن الميت، ومع الترحال تبقى مجهولة، وقد لا نستطيع العودة لتلك المناطق بسبب الحرب”.

ويضيف،: “رغم أن ديننا يحثنا على المشي في جنائز موتى المسلمين، إلا أننا خارج هذا التصنيف. نصلي على موتانا لوحدنا، ونعلن في بعض المناطق عن  الجنازة، إلا أنهم لايأتون للصلاة عليه”.

نعمان الحذيفي، رئيس اتحاد المهمشين، قال في حديث لـ “يمن بودكاست” أن “هناك حالات، قام فيها مشائخ قبائل بإخراج رفات الموتى من المهمشين وإعادتها لذويهم، لأن المقبرة مخصصة لذوي البشرة البيضاء، ومن طبقة اجتماعية أعلى منا”.

 المهمشون: الزواج المحرم

رغم التزام المهمشين بكافة طقوسهم وعاداتهم الدينية والاجتماعية، بما في ذلك الزواج ومراسيم الدفن والعبادة وفق تعاليم الإسلام، فإن تجاوز العلاقات التقليدية مع بقية المجتمع، مثل الزواج والمصاهرة، يُعتبر “خطًا أحمر”، ويواجه المخالفون عقوبات شديدة تشمل القتل، التشريد أو التهجير القسري.

يقول ماجد علي سعيد قاسم إن “بقية طبقات المجتمع ترفض وجودنا بينهم في الحياة العادية” موضحا: “نحن مرفوضون بالحياة العادية. كيف سنتزوج من  باقي القبائل؟ مستحيل… لن يقبلوا السود سواء نساء أو رجال، رغم أننا  نرحب بهم دائما”.

أما رمزي، فهو يستنكر هذا الرفض الدائم، ومعاملتهم بطريقة تقلل منهم: ” لماذا الزواج يصبح محرما لطبقتنا؟ نحن نتمنى أن نندمج وتكون بيننا علاقات مصاهرة. أقول هذا رغم معرفتي المسبقة باستحالة وقوع ذلك”، ويضيف: “نحن، بسبب العنصرية، لم نفكر بهذا منذ أن كنا صغارا، يعلمنا الأهل أننا من هذه الطبقة، وعلينا أن نتزوج منها، وألا ننظر للطبقات الأعلى منا”.

 

المهمشون في اليمن: التعليم غير المجاني

تظهر  وثيقة حصلت عليها “مرايانا” من الاتحاد الوطني للمهمشين، أن هذه الفئة لا تحصل على التعليم بشكل عادل، إذ تصل نسبة الأمية بينهم إلى نحو 98% لكلا الجنسين. يجد الأهالي صعوبة في تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية بسبب عجزهم عن تحمل الرسوم وشراء المستلزمات، إضافة إلى غياب الدعم من المنظمات غير الحكومية. كما يتعرض الطلاب المهمشون للتنمر والاعتداء من قبل زملائهم والمعلمين، ما يدفع الكثير لترك الدراسة مبكرا  والانخراط في سوق العمل.

يروي ماجد عن إقصاء أولاده من التعليم: “رفضت المدرسة التي في هذه المنطقة تسجيلهم، إلى أن يأست من المحاولات المتكررة، والتردد على إدارة المدرسة. أولادي الآن دون تعليم. هم الآن ضحية هذا الاقصاء… تمنيت لو يدرسوا، لا أريد أن يصبحوا مثلي”.

أما رمزي، فقد أوضح أن أولاده يتعرضون لعنصرية دائمة في المدرسة: “أخرجت جميع أولادي من المدرسة بسبب العنصرية. دائما ما يتم عزلهم، حتى على مستوى توزيع المناهج الدراسية، حيث يتم توزيعها مجانا على باقي التلاميذ، بينما يُطلَب منا شراؤها من خارج المدرسة”.

ويحكي أنه، عندما كان طالبا، تعرض لتمييز عنصري على أساس اللون والعرق: “عندما يحصل شغب، تتم معاقبتي دون غيري من طلاب القسم الذين يصل عددهم إلى أربعين طالبا. الأستاذ كان يصفني بالأسود، وإلى الآن أتحسر على حرماني من الدراسة بسبب العنصرية”.

يقول رمزي: “حتى إن وصلنا إلى مراحل متقدمة في تعليمنا، لا نستطيع دفع رسوم الدراسة. بنت أختي وصلت إلى الجامعة، لكن تركتها بعد فصل واحد من الدراسة بسبب عدم قدرة والديها على دفع تكاليف الدراسة”.

المهمشون/ الأخدام: بطالة تاريخية

البطالة مرتفعة بين المهمشين، حسب الوثيقة التي  توصلت بها “مرايانا”، حيث تصل إلى 70%، ويعتمد 90% منهم على أعمال متدنية الأجر، بالكاد تكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية لأسر كبيرة، يصل متوسط عدد أفرادها إلى 8-12 شخصًا.  يعيش الكثير منهم في فقر مدقع، حيث يعمل 30% في مهن حرفية يُنظر إليها بدونية اجتماعيًا، بينما ينخرط 70% في التسول، جمع النفايات، حياكة الأحذية، غسيل السيارات، الغناء والرقص أو خدمات الأعراس، أغلبهم من النساء والأطفال والقاصرين، المعرضين للعنف والاستغلال الجنسي، وغالبًا ما تنتهي هذه الأعمال بسجنهم دون أي دعم قانوني.

في حديث لــ “مرايانا”، تقول “حماس”، وهي فتاة تنتمي لهذه الفئة: “أعمل في الأسواق وأتعرض للشتائم بسبب مهنتي، وقد يطال الاعتداء جسدي،  ولا يوجد أي أحد يدافع عنا. لكننا مضطرون بسبب الحرب أن نبحث عن لقمة العيش”.

ويقول رمزي إن “الحرب أتعبتنا ونزحنا لأماكن كثيرة، نشتغل في الأسواق، ودائما ما يتعرض أولادنا للسخرية والتهكم، بل وإقصائهم حتى من اللعب، وغالبا ما يتعرضون للتعنيف” .

التساوي أمام القانون

رغم أن الدستور والقانون اليمني ينصان على المساواة أمام القانون، يتعرض أبناء المهمشين وبناتهم للعنف، الاغتصاب، القتل، والتهجير القسري، بينما تتعامل السلطات الأمنية والقضائية مع هذه الانتهاكات بشكل تمييزي، دون تسجيل أي حالة محاسبة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الجرائم ضد المهمشين، وغالبية مرتكبيها من النافذين.

يحكي ماجد علي قاسم عن هذا التمييز بأنه ظالم، حيث سجن أقرباؤه ظلما دون تحقيق، بعد شكاية رفعها أحد المواطنين بحمل السلاح، رغم أنه لا يملكه، “ما جعلنا نضطر أن نخرجه مقابل مبالغ كبيرة  أثقلت كاهلنا”.

وفي تصريح لرئيس الحركة الوطنية للمهمشين لـ”يمن بودكاست”، قال إن القضايا  التي تسجل ضد المهمشين يتم البث فيها في أقرب الآجال، بينما لو سجلت قضايا من طرف المهمشين، لا يتم إنصافهم ولا البث فيها بالغالب”.

يقول رمزي لـ “مرايانا”: “حصلت حالة تعرض طفل من المهمشين لحادث أدى لوفاته، لكن النظرة المجتمعية، جعلتهم يظنون أننا لسنا مثلهم، حيث قال أحد الباعة لسائق الحافلة: هو خادم… عوّض والديه بمائة ألف ريال يحسنان بها وضعهمها وسيتنازلان لك”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *