سناء العاجي الحنفي: التحرش الجنسي… حتى رئيسة المكسيك ! (مع فيديو)
حادثة التحرش الجنسي برئيسة المكسيك تذكير عالمي بأن العنف ضد النساء ليس شأنًا خاصًا أو فرديا، بل قضية مجتمعية، سياسية، وإنسانية. قضية يتم تبخيسها رغم أن ملايين النساء يعشنها بشكل شبه يومي.
إذا كنت امرأة، فاحتمالات تعرضك للتحرش الجنسي دائما واردة وبشدة، سواء كنت طالبة أو عاملة نظافة أو مُدَرِّسة أو… رئيسة دولةٍ.
هذا تحديدا ما عاشته، منذ أيام قليلة، كلوديا شينباوم، رئيسة المكسيك.
لنتخيل المشهد: كلوديا شينباوم هي أول امرأة تتولى رئاسة المكسيك. بمعنى أن السيدة آتية من تجربة سياسية، أكيد انها لم تكن سهلة، في بلد معروف بثقافته الذكورية المشكلة للكثير من تعاملات وسلوكيات الناس فيه…. والأكيد أن وصول امرأة لرئاسته، يعني أن هذه المرأة، تمتلك ما يكفي من التميز والكفاءة، وقوة الشخصية.
خلال تواصل شعبي مع المواطنين، في الشارع العام، حاول رجل أن يحضن رئيسة المكسيك ويلمس نهدها ويقبلها من عنقها، قبل أن يبعده أحد عناصر الأمن.
رئيسة المكسيك قررت أن ترفع دعوة قضائية، ليس فقط من أجلها بل من أجل كل نساء المكسيك ونساء العالم اللواتي يعانين من هذه الظاهرة، التي تجعل التحرش يصبح أمرا عاديا ومقبولا مجتمعيا. بل أن مِن المجتمعات من يوجه اللوم لضحية التحرش أو العنف الجنسي.
رئيسة المكسيك قالت إنها، في لحظة الواقعة، لم تستوعب كثيرا ما حدث وإنها لم تستوعب فعليا ما حدث إلا حين اطلعت لاحقا على تسجيلات الواقعة. وهذا، بالمناسبة، ما يحدث للكثير من ضحايا العنف الجنسي. الصدمة تجعل الكثيرات لا يستوعبن ما يحدث في حينه. وبعض الضحايا يختزنَّ الشعور بالمهانة لسنوات قبل أن يصرن قادرات على التعبير عنه أو التبليغ عنه. وهنا يأتي من يقول بخبث: “ولماذا لم تبلغ في حينه؟”.
يمكننا أن نعتبر الواقعة مجرد حالة عابرة أو حتى حادثة صادمة في ظاهرها، بالنظر لَموقع الضحية. يمكننا أن نتندّر بالواقعة ونمرّ… لكن هذا الحادث ليس مجرد حادثة تحرش بشخصية مهمة. في العمق، إنه يفضح واقعًا مريرًا تعيشه ملايين النساء يوميًا، في المكسيك، وفي العالم كله. واقع يتم التبخيس منه والتقليل من وقعه على الضحايا، لدرجة أن ما يصير صادما، ليس كون رجل اعتدى على امرأة في الشارع العام، بل كون هذه الضحية… رئيسة دولة. ماذا لو كانت عاملة نظافة، هل كنا اليوم سنتحدث عنها بنفس هذا القدر من الاهتمام؟
إنها ليست حكاية تحرش معزولة نتحدث عنها قليلا وننساها؛ بل هي تعبير فاضح لهشاشة الأمان الذي يُفترض أن تحظى به النساء في الشارع العام وفي أماكن العمل، مهما كانت مناصبهن. إنها حكاية تذكرنا أن التحرش لا يفرّق بين رئيسة دولة وبائعة في السوق، بين طالبة وموظفة، بين امرأة بسيطة وأخرى صاحبة سلطة. بين شابة وامرأة متقدمة في السن. بين محجبة وغير محجبة.
رد فعل كلوديا شينباوم لم يكن صرخة غضب وتنديد فقط، بل موقفًا سياسيًا وشخصيًا؛ حيث رفعت دعوة جنائية ودعت النساء إلى التبليغ عن التحرش، إلى كسر الصمت، إلى تحويل ألمهن إلى مقاومة. كما طرحت للنقاش أهمية اعتبار التحرش جناية. قالت بوضوح إن السكوت هو ما يمنح المعتدي قوته، وإن العار لا يجب أن يكون على الضحية بل على المتحرش.
كم نحتاج إلى مثل هذه الرسائل، في زمن تُستقبل فيه شكاوى النساء أحيانًا بالاستهزاء أو الشك، وكأن كرامة النساء قضية ثانوية أو مبالغ فيها. بل أننا، كنساء، حين نتحدث عن التحرش، يعتبر الكثير من الرجال إننا نبالغ.
حادثة رئيسة المكسيك تذكير عالمي بأن العنف ضد النساء ليس شأنًا خاصًا أو فرديا، بل قضية مجتمعية، سياسية، وإنسانية. قضية يتم تبخيسها رغم أن ملايين النساء يعشنها بشكل شبه يومي.
ربما لن نستطيع أن نمنع كل الاعتداءات الجنسية ضد النساء. لكن، يمكننا أن نغيّر الطريقة التي نتعامل بها مع أشكال العنف هذه. نستطيع أن نؤمن للنساء مساحة آمنة للكلام، أن نعلّم الشباب معنى القبول من طرف النساء ومعنى احترامهن، وأن نحاسب من يعتدي، لا من يندد بالاعتداء.
لأن الصمت ليس حيادًا… الصمت مشاركة في الجريمة.

