اليوم وليس غدا: مدونة أسرة تضمن المساواة والعدل
نداء التنسيقية النسائية للتغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية
في انتظار الإعلان عن مشروع قانون مدونة الأسرة، نود نحن، الجمعيات النسائية والحقوقية والتنموية، والهيئات والفعاليات الموقعة على هذا النداء، التذكير بأهمية اللحظة وبدلالتها التاريخية. إن الأمر لا يتعلق بمجرد تعديل تقني لبعض المقتضيات، بل بفعل سياسي ومجتمعي تأسيسي، يرهن مستقبل المساواة والعدل بين المواطنين والمواطنات.
لقد ساهم العديد منا، خلال المرحلة السابقة، بتقديم مقترحات أو التعبير عن توجهات وآراء بصدد حيثيات ومبررات التعديل، انخراطا في الدينامية التي أطلقها خطاب العرش لسنة 2022. ونود اليوم التوجه لأصحاب القرار وللرأي العام برسالة تتعدى المطالب القانونية والاجتماعية لتتوقف عند ما يشكله التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة من خيار مصيري واستراتيجي بالنسبة للأجيال الحالية والقادمة.
في سنة 2004، شكلت مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، التي أسفرت عن إصدار قانون الأسرة، منعطفا هاما تجاوب مع تعبئة داخلية غير مسبوقة، لقد حظيت بلادنا آنذاك باهتمام تجاوز حدودها، لما أبانت عنه من شجاعة سياسية وقدرة على اتخاذ خطوات جريئة لردم الفجوة بين الجنسين في الحقوق والواجبات في إطار العلاقات الأسرية.
بعد مرور عشرين سنة، تغيّر الواقع الديمغرافي والسوسيولوجي والتعليمي، وتطورت حاجيات النساء وانتظارات المجتمع، وتكرست، بموجب دستور 2011 ومكانة الالتزامات الدولية به، مبادئ ومقتضيات تلزم الدولة بحظر التمييز بسبب الجنس، وإعمال المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وعليه، لم يعد التأخر مقبولا. ولم يعد ممكنًا لأي إصلاح شكلي أو محدود أن يُلبي تطلعات المغربيات، اللواتي يُساهمن في تنمية البلاد من مواقع هشة وغير منصفة في الغالب، أو أن يُجسد روح الدستور والتزامات المغرب الأممية.
إن الأسئلة التي تُطرح اليوم، ليست هي أسئلة الأمس فحسب، بل هي أسئلة اللحظة التاريخية الحاسمة:
• هل نريد فعلا تكريس مبدإ المساواة الفعلية بين النساء والرجال كما نص عليها الدستور؟
• هل نحن في طريقنا إلى ترسيخ الكرامة والمواطنة الكاملة للنساء كما الرجال والمصلحة الفضلى للأطفال؟
إننا ننادي بتغيير شامل ومهيكل يساهم في تناسق وانسجام مقتضيات المدونة، يُثبت المكتسبات، ويقطع مع الحيف والتمييز، ويؤسس لقانون أسري ينتمي إلى مغرب المستقبل.
ولهذا، نعتبر أن مشروع القانون المنتظر ينبغي أن يندرج في رؤية متقدمة تؤسس لمغرب المساواة والعدالة والكرامة، وترتقي بالمدونة إلى مستوى اللحظة الدستورية والحقوقية والسياسية التي نعيشها. إن إصلاح مدونة الأسرة لا يمكن أن يُبنى على أنصاف الحلول أو توازنات ظرفية، بل يجب أن يُجسّد إرادة جماعية في تجاوز التردد والانتصار لقيم الحداثة الديمقراطية، في انسجام مع طموحات المغرب في التنمية الشاملة، وتعزيز ريادته الإقليمية والدولية.
إن مصداقية المغرب في مساره الديمقراطي، وفي احترام التزاماته واستجابته لتطلعات مواطناته ومواطنيه، تتوقف على نوعية هذا الإصلاح وجرأته.
لقد شكلت مدونة 2004 لحظة تأسيسية، وينبغي اليوم أن تشكّل المراجعة لحظة تحوّل حاسمة، تؤكد أن بلادنا قادرة على التقدّم إلى الأمام، لا العودة إلى الوراء، وأنها تملك من الرصيد السياسي والدستوري ما يؤهلها لكتابة صفحة جديدة في مسار العدل والمواطنة المتساوية.
وإذا كان التاريخ سيسجّل، في مثل هذه اللحظات المفصلية، ما إذا كنّا قد اخترنا العدل والتقدّم، أم غلّبنا الحسابات الظرفية والترضيات المحافظة على حساب حقوق النساء ومصير نصف المجتمع، فإن المؤكد أنه سيحفظ في الذاكرة الجماعية م أنصف المغربيات وارتقى بالمغرب.
التنسيقية النسائية للتغيير العميق والشامل لمدونة الاسرة