من اليمن، حاتم اللهبي: كيف يمكن للدين أن يبطل أهم ما يمتلكه الإنسان: العقل؟! - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حاتم اللهبي: كيف يمكن للدين أن يبطل أهم ما يمتلكه الإنسان: العقل؟!

بالرغم من وجود عدة آيات في القرآن تحث على التفكير والتدبر، إلا أن الدين، في نفس الوقت، يضع لك حدودا للتفكير ولا يمكنك أن تطلق العنان لعقلك، خصوصاً فيما يتعلق بفلسفة الخلق والوجود.

منذ الأزل، كان عنصرا الخير والشر في صراع دائم. الدين بدوره تبنى تفنيدهما والتمييز بينهما. بالتالي، قدم الدينُ الشرَ على أنه يتجلى بهيئات مختلفة ويتمثل بالشيطان (إبليس وذريته). وقد صُنِّف الوسواس الخناس بأنه الأكثر شراً.

ما هو الوسواس ؟

الوسواس في اللغة يعني الشك أو التفكير في أمور غير مألوفة، والوسوسة في الإسلام من الشيطان؛ بل إن الوسواس هو الشيطان ذاته. وقد ذكر الوسواس في موضعين في القرآن، أحدهما يعزو الوسواس للنفس “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه” (ق, 16)، بمعنى أن الإنسان أو عقله هو الشيطان ذاته، فقط عند مجرد التفكير أو التساؤل حول الدين والخالق وفلسفة الوجود، إلخ.

أي أن الوسواس هو عقلك، الذي يبحث دائمًا عن إجابات لبعض الأسئلة الهامة التي تحتاج لتفسير، إلّا أنها مُحرَّمة في الدين ومُجرَّمة من قبل المجتمع. بالتالي، استطاع الدين إقناعك بأن عقلك هو الشيطان ذاته. بهذا، تمكن الدين من إبطال تفكيرك المبني على المنطق والعلم.

أما الموضع الثاني، فقد ذُكر الوسواس في سورة الناس “الوسواس الخناس”، وهذا الموضع أكثر جدلاً، لإن الإسلام يريد منك أن تسلم تماماً بوجود عالم الجن الذي لا يمت للمنطق بصلة؛ وفي نفس الوقت يناقض ما ورد في الموضع الأول الذي يقول بأن النفس هي التي توسوس للإنسان.

هنا يأتي دور المرقعين من رجال الدين، ليقولوا بأن الوسواس نوعان: وسواس النفس ووسواس الشيطان، وأن الوصفة السحرية للتخلص من الوسواس هي مجرد التعوذ بالله من الشيطان وقراءة ما تيسر من القرآن؛ وفي حالة تكرار الوسواس، فإن تلك هي النفس اللوامة وما على الإنسان إلا التجاهل. الهدف من ذلك هو الحيلولة دون التعمق في التفكير الذي قد ينتهي بصاحبه بالتشكيك بمصداقية الدين وربما تركه.

عندما تفكر في بعض الأمور المصنفة بالشبهات، فأنت لست واقعا في الحرام، بل أنك تحترم عقلك. حينها، أنت لست مجبراً على أن تدحض أو تتبنى فكرة أو معتقدا. كما أن تلك الأفكار التي تهزك هي عقلك النظيف الذي لا يقبل الشوائب، والذي تم تصويره بأنه الشيطان نفسه الذي يغويك ويوسوس لك.

لذلك، فمستقبلا، عندما يحضر لك الوسواس، حاول أن تحاوره دون أن تهز رأسك، بغية أن تخرج عن إطار التفكير في نفس الموضوع. لا تستسلم! حاول أن تجابه ذلك الشر بالحوار.

هل تعلم كم سيكون مدى قوة تفكيرك لو امتلكت الشجاعة لتجد إجابة لكل الأسئلة المحيرّة عندما تتخلص من بعض القيود؟! للعلم، فإن عددا من الأطباء النفسيين يرون بأن أغلبية الذين يشكون من تكرار الوسواس، يتمتعون بذكاء غير عادي. في مقالة بعنوان “شكوى مريض الوسواس” للدكتور طاهر شلتوت، يرى الأخير أن بعض من يشكون من الوسواس، “عادة ما يتمتعون بملكات ذهنية مرتفعة مثل ارتفاع معدل الذكاء والصبر والإصرار على تنفيذ ما يصبو إليه والدقة في العمل والسعي إلى الكمال عند محاولة إنجازه” (إضافة الناشر: هذا لم يمنع من كون عدد من حالات الوسواس قد تشكل مرضا نفسيا يستدعي العلاج).

لذلك، عند مجابهتك للأسئلة الكثيرة التي تخطر ببالك حول معتقداتك وموروثك الثقافي، ومحاولة إشغال عقلك بأشياء أخرى بغية الثواب والخوف من الوقوع في الحرام، هنا تكون أنت الغالب والمغلوب في نفس الوقت. بمعنى آخر، أنك حينما توقف عقلك من التفكير في هذه المواضيع الحساسة تنفيذاً لأوامر دينك وبغية الِانتصار على الشيطان، فإنك تنال من عقلك وتعفيه من القيام بمهمته على أكمل وجه.

قد يرى البعض أن قراءة أفكار شبيهة بهذا المقال نوع من أنواع الوسواس وأنها تخدم الشيطان؛ وهنا تكمن الطامة الكبرى، حيث يثبت ذلك بأن الفكر الديني استطاع أن يعطل جزء كبيرا من عقلك، الذي لا يتقبل أمورا كثيرة خارج إطار الموروث الديني.

وبالرغم من وجود عدة آيات في القرآن تحث على التفكير والتدبر، إلا أن الدين، في نفس الوقت، يضع لك حدودا للتفكير ولا يمكنك أن تطلق العنان لعقلك، خصوصاً فيما يتعلق بفلسفة الخلق والوجود.

 

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *