تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة… معاوية بن يزيد: خليفة ضد الخلافة (الجزء 9) - Marayana
×
×

تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة… معاوية بن يزيد: خليفة ضد الخلافة (الجزء 9)

معاوية بن يزيد، هو حكاية خليفة أربك كل المصادر، وارتبكت حوله كل المعطيات.
هو حكاية ملغزة في تاريخ الخلافة، أخفت الكثير من المصادر معطيات أساسية عن ولادته، عمره، خلافته ورفضه للخلافة.
اختلفت الروايات حتى في عمر ولايته وفي تاريخ وطريقة موته.

محمد امحاسني
محمد امحاسني

…هو “معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أبو ليلى”.

وكان سبب تسمية بأبي ليلى، أنه كان “ركيكا، لينا. فكُني أبا ليلى، وهي كنية كل ضعيف”.

ابن يزيد بن معاوية، وحفيد معاوية ابن أبي سفيان.

ثالث وآخر الملوك/الخلفاء من نسل ابن أبي سفيان.

كيف ولي

بويع معاوية “بعهد من أبيه، سنة أربع وستين”. وهو كاره للخلافة. وقد اختلف الرواة طبعا في المدة التي “حكم” فيها، فقيل: “ولي أربعين يوما. وقيل: ثلاثة أشهر. وقيل: بل ولي عشرين يوما”. وقيل أيضا: “ولي شهرين” وقيل: “شهرا ونصف شهر وقيل ثلاثة أشهر وعشرون يوما، وقيل أربعة أشهر”. العبث التأريخي، الذي ينتهي دوما بعبارة “فالله أعلم”.

ولأنه اعتبر نفسه غير معني بأمر الخلافة، “لم يعزل معاوية بن يزيد أحدا من عمال أبيه ولا حرك شيئا ولا أمر ولا نهى”. بل إنه اكتفى وفق رواية، بأن “نادى في الناس: الصلاة جامعة، ذات يوم، فاجتمع الناس فقال لهم فيما قال: يا أيها الناس! إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي كما تركها الصِّديق لعُمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، (..) ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات”.

يمكن أن يستشف من هذه الرواية، أن معاوية رأى نفسه غير مؤهل للخلافة، مثل أبي بكر الصديق، ولذلك بادر إلى خلع نفسه بمجرد توليته، لإتاحة الفرصة للأفضل كي يحكم.

لكن روايات أخرى تكشف المسكوت عنه، رغم التعتيم المقصود.

تقول إحدى هذه الروايات، إنه بعد توليته “قام خطيبا فقال: أيها الناس إن يكن هذا الأمر خيرا، فقد استكثر منه آل أبي سفيان، وإن يكن شرا فما أولاهم بتركه. والله ما أحب أن أذهب إلى الآخرة وأدع لهم الدنيا (..) تشاوروا في أمركم، عزم الله لكم على الرشد والخيرة في قضائه”.

وتقول رواية أخرى، أكثر جرأة، إنه “ذكر أباه يزيد وخلافتَه وتقلُّدَ أمرهم لهوى كان أبوه فيه، وسوءَ فعله وإسرافه على نفسه، وكونه غير خليق للخلافة على أمة محمد، وإقدامه على ما أقدم من جراءته على الله، وبغيه واستحلاله حرمة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم اختنقته العبرة فبكى طويلا ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم والساخط عليَّ أكثر من الراضي، وما كنت لأتحمل آثامكم ولا يراني الله، جلت قدرته، متقلدا أوزاركم، وألقاه بتبعاتكم. فشأنكم وأمركم، فخذوه ومن رضيتم به فولوه، فقد خلعت بيعتي من أعناقكم والسلام”.

الخليفة الوحيد الثائر على الوضع الذي أريد له أن يكون عليه. أو هكذا يستشف مما هو متوفر من المعلومات.

تفيد مصادر أخرى بأن معاوية الصغير كان قدرياً. والقدرية اعتقاد بدأ قبلها في الانتشار، مؤداها أن للإنسان قدرة وطاقة مستقلتين عن الفعل الإلهي، وهذا ما يعتبره خصوم القدرية، كفرا صريحا، طبعا.

صادف أن شخصا، باسم عمر المقصوص، وقد كان ممثلا لهذا الاتجاه، “علمه ذلك (القدرية)، فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس قال للمقصوص: ما ترى؟ قال: إما أن تعتدل وإما أن تعتزل. فخطب معاوية فقال: إنا بلينا بكم وابتليتم بنا، وإن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحق، فركب منه ما تعلمون، حتى صار مرتهناً بعمله. ثم تقلده أبي ولقد كان غير خليق به، فركب ردعه واستحسن خطاءه. ولا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم فشأنكم وأمركم ولّوه من شئتم”.

كلام لم يكن ليمر دون إثارة زلزال لدى كل من كان مستفيدا من الوضع القائم، وأولهم والدته نفسها، والتي بادرته بالقول: “ليتك كنت حَيضة ولم أسمع بخبرك”. فأجابها في استكانة بادية: “وددت والله ذلك، ثم قال: ويلي إن لم يرحمني ربي”.

وكان رد فعل بني أمية طبعا، بعد أن عجزت الوالدة عن ثنيه عما هو فيه، أن “قالوا لمعلمِه، عمر المقصوص: أنت علمته هذا ولقنته اياه، وصددته عن الخلافة وزينت له حب عليٍّ وأولاده (…) وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق، وقال ما قال. فقال: والله ما فعلتُه، ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي”.

لم تُفد عمرَ مرافعتُه في شيء، إذ “أخذوه ودفنوه حيا حتى مات”.

وجريا على عادتهم، طلبوا من معاوية أن يعين خليفة من بعده، وهو في النزع الأخير، فرفض. لكن هناك أكثر من رواية، تفيد بأن معاوية “انصرف يدعو إلى بيعة ابن الزبير”.

متى وكيف؟ وقد توارى الخليفة في بيته إلى أن أسلم الروح لباريها.

وفاته

كما اختُلف في مدة ولايته، فقد اختلف أيضا في السن التي توفي فيها، كما اختلف في الأسباب: “مات معاوية بن يزيد هذا عن إحدى وعشرين وقيل ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما، وقيل تسع عشرة سنة، وقيل عشرون سنة، وقيل ثلاث وعشرون سنة، وقيل: إنما عاش ثماني عشرة سنة، وقيل تسع عشرة سنة، وقيل عشرون، وقيل خمس وعشرون فالله أعلم”. وقيل: “بل سبع عشرة سنة”. لا تعليق!

عن سبب وفاته، فقد قيل إنه “طُعن”، أي أصابه الطاعون. والعجيب أن ذلك الطاعون لم يصب غيره وقتها.

وقيل إنه “مات حتف أنفه”، أي على فراشه، على حين غرة، وفي تلك السن المبكرة!

وأخيرا، وليس آخرا، قيل إنه “سقي شربةً”. وفي العبارة تحايل مفضوح، ومحاولة لإخفاء حقيقة أنه تم تسميمه.

من قام بتسميمه؟ لا أحد يشير للفاعل، في أي من المراجع التي تناولت سيرته.

وقد صدق أرثم الفزاري، حين علق على المأساة بالبيت الشهير:

“إني أرى فتنة تغلي مراجلها    والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا”

بقيت الإشارة فقط إلى أن أحد أحفاد أبي سفيان صخر بن حرب، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ارتأى أن الفرصة مواتية للانقضاض على الخلافة بعد معاوية. فعنت له فكرة أن يبادر بالصلاة على الخليفة، إسوة بما فعله الخطاب بعد وفاة أبي بكر، وما نظر له الفقهاء بعدها، بما يفيد بأن إمامة الصلاة على روح الخليفة السابق، شرط ضروري لاستحقاق الخلافة.

فكان أن قام للصلاة عليه. “فلما كبر الثانية، طُعن فسقط ميتا قبل تمام الصلاة”.

 

لقراءة الجزء الأول: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مقدمة لابد منها

لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية أبي بكر الصديق

لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب

لقراءة الجزء الرابع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عمر بن الخطاب، من توسع الخلافة إلى الاغتيال

لقراءة الجزء الخامس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عثمان بن عفان: الولاية والنهاية

لقراءة الجزء السادس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: علي بن أبي طالب… الإمامة وبداية الفتنة 

لقراءة الجزء السابع:تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الحسن بن علي… صفقة الحكم 

لقراءة الجزء الثامن: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: معاوية بن أبي سفيان… الملك العاض

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *