الحراز… قصة أغنية ألهمت الملحون والغيوان وأدخلها الطيب الصديقي للمسرح - Marayana
×
×

الحراز… قصة أغنية ألهمت الملحون والغيوان وأدخلها الطيب الصديقي للمسرح

يزخر فن الملحون المغربي بتجارب زجلية وفنية دخلت الملحون ودخلت عوالم أخرى فيما بعد.
الحراز، إحدى هاته التجارب، قصة عاشق ولهان يغامر من أجل حبيبته.
الحراز رحلة عشق لإثبات الحب والانتصار له. بين مغامرة وأخرى، تجارب يخوضها بطل عويشة لإنقاذها من الحراز.

مَالْ الحْرَّازْ الدَّامِي ما يْتِيقْ بِيَّا هَيْهَاتْ

غِيرْ حَاضِي لْوْقَاتْ،

في تْيابُو مْسْلْمْ وْفْعَايْلُو رِومْيَّا.

… هكذا ينقلنا الفنان المغربي الحسين التولالي، في رحلة زجلية مع قصيدة الحراز، لقصة لطالما تغنى بها محبو الملحون، غير أن الكثير منهم لا يعرفون مصدرها وقصتها.

الحراز، أو حراز عويشة، قصيدة زجلية قديمة، أداها الفنان الحسين التولالي وكتبها المكي بن القرشي الأزموري في آواخر القرن 19. كانت المصادفة الأولى مع قصيدة الحراز في مدينة الريصاني المعروفة بفن الملحون والتي تحتضن كلَّ سنة ملتقى سجلماسة لفن الملحون.

الصدفة، كانت استفزازا دفع مرايانا لطرح السؤال على صاحب عربة للمأكولات حول القصيدة. من يكون الحراز وما الذي فعل كي يكون موضوع “محاكمة” في قصيدة المكي بن القرشي الأزموري.

بطل القصيدة هو كاتبها، شاعر ملهم لرواد الملحون، ارتبط أكثر بقصيدة الحراز وكذا قصيدة “العاشقة مولات التاج” و”الطامع في زوجة أخيه” و “خصام الباهيات”. غير أنَّ صيت الحراز كان أقوى وتجاوز كاتبها وستحلق فيما بعد في سماء المسرح.

عويشة: سيدة القصيدة

تحكي القصيدة قصة «الحراز»، الذي حرز، أي حفظ وصان، عويشة، البكر الحسناء الجميلة، عن الأغيار، بعد أن أُغرم بها؛ هو الذي قدم من الحجاز إلى المغرب بمعارفه السحرية الواسعة، وولعه الكبير بالنساء وليالي الأنس.

عويشة البطلة التي تصفها القصيدة بالجمال والجلال والكمال، تصف عيونها السود، شعرها الفاحم، ثغرها الحسن، كياستها الفائقة في إطراب مؤنسها. تعشق عويشة عشيقها، غير أن إرادة الحراز وقفت دون نول العاشقين ما يبتغيان.

بعد أن اطلعت على كلمات القصيدة ومطلعها، ربما قد تكون أو تكوني قد استمعت إليها كاملة. هي كلمات لعاشق مجهول ربما، تذكرنا بكلمات أغنية عبد الوهاب الدكالي “كان يا ما كان”، والتي حاول فيها البطل إنقاذ حبيبته من قبضة “ولد شيخ البلاد”.

ينقلنا الأزموري في رحلة زجلية إلى أزمور، ولعل هذا واضحٌ من خلال اسمه. حاول الأزموري وصف رحلة تحرير معشوقته من قبضة الحراز. ورد في بعض المعاجم الرقمية أن الحراز لغويا مشتقة من حَرَزَ؛ حرز الشيء أي بالغ في حفظه وصيانته.

رحلة البحث عن عويشة

من يكون الحراز؟

تصفه القصيدة بأنه ساحر قدمَ من الحجاز. قدم إلى المغرب لاختبار نفسه وقدرته في فنون الحرب. قام بقراءة كتب السحر، وأتقن فنون السحر والتنجيم حتى أصبح ماهرًا فيهما.

كانَ الحراز عاشقاً ولهانا، يتجول بين النسوة، واحدة تلو الأخرى. سمع عن سيدة حسناء من مدينة أزمور المغربية فقضى زمنا بحثا عنها، واختطفها، وسكن معها في مكان يصعب الوصول إليه، ووضع خدمًا من الجن على الطريق يُنبهونه إذا اقترب غريب من القصر.

عقد الأزموري العزم على تحريرها مستعملاً الدهاء والنبوغَ المغربيين، حسب ما ذكرته القصيدة.

تبدأ رحلة الأزموري بالتنكُّر في صفة باشا يطلب مضايفة الحراز:

جيتْ لو فْصِفْةْ باشا، مْنْ قنوت العْظْمات، بالْعْلُومْ وْراياتْ، والطْبولْ تْنْتْكْرْ والخيلْ والرْجْلْية، مْحْلْتي مْشْهورَة خْلْفي مْحْزْمة بالسوكاتْ، جات المْشْمورة جات، والبْياتة وْجْبْتْ، ضَاقْتْ العْشْوْية، حِينْ قْبْلْتْ عْليهْ وشافني قْصْدْتْ لْمْباتْ، قامْ هْزْ الخْطْواتْ، ما بْغى يْلْقاني ولا ليه حاجة بْيا.

الحراز خيب آمال المتنكر في هيئة الباشا الذي يطلب الضيافة، غير أنه سيحاول مرة ثانية فيتنكَّر في هيئة مجدوب زاهد جاء ليعطيه البركة. بركة ستحل على الحراز إذا ما أدخله داره.

حيلة المجدوب المزيف لم تنطل بدورها على الحراز، الذي اعتبر أن البركة ليست بيده وأنه لا يغدو أن يكون مجرد إنسان عادي، فطرده وخيبه مرة أخرى.

حيل الأزموري لن تجمع بين العشيقين. ولأنه، في قصص العشق، لا وجود للمستحيل، فقد استمرت الرحلة بحثا عن المعشوقة، إلى أن اهتدى إلى فكرة أن يأتيه في صفة غلام خادم.

يقول الأزموري:

جيتْ لو فْصِفْةْ الغْلامْ، نْخْدْمو طاعَة دون كْلامْ، قْلْتْ أسيدي أنا وْصيفْ، المْحْرْرْ حْرْرْني لي شْراني… جابتني ليك لْيامْ. مفاد هاته الأبيات أن الأزموري جاء ليخدم الحراز الذي رفضه في النهاية.

رفض الحراز مُدعيا أنه لم يملك في حياته خادما، فلن يقبله ولا يترجى منه خيرا. خيبة أمل أخرى، غير أنها لم تدم طويلا، ليعوضها الأزموري بفكرة القدوم في هيئة شاعر من الشام؛ يغني، يرقص، يردد مواويل العشق والغرام.

بعد محاولات وغناء، قبل الحراز دخول الشاعر لبيته ليغني لمعشوقته المُختطفة. عرفت المعشوقة عويشة صوت عشيقها فحاولت تدبير مكيدة للحراز واعتقاله أو احتجازه في بيته، وذلك ما كان.

قصة مُلهمة

هكذا هي قصة قصيدة حراز عويشة، قصة فن الملحون الذي أخذ عدداً من أشعاره من الحلقة وفن القول والزجل، كما هو الحال عند الحراز التي أخذت شهرة كبيرة، أداها رائد فن الملحون الحسين التولالي ومعه ناس الغيوان.

شهرة الحراز أدخلتها رحاب أبي الفنون، فقد ترجمها إلى عمل مسرحي عبد السلام الشرايبي، كما أداها الراحل عبد الجبار الوزير، محمد الشحيمة، محمد بلقاس، وقد أدى دور العاشق الفنان مولاي عبد العزيز الطاهري.

كما قام الراحل الطيب الصديقي بإخراجها، بعد موافقة كاتبها عبد السلام الشرايبي في بداية السبعينيات، أداها معه بوجميع، العربي باطمة، عمر السيد، ومولاي الطاهر الأصبهاني، محمد مفتاح، الحسين بنياز، حميد الزوغي وآخرون من مجموعتي ناس الغيوان وجيل جيلالة.

كانت هاته قصة قصيدة حراز عويشة والتي رافقتنا خلال رحلة صغيرة لمرايانا ببلاد سجلماسة، وكان الاستماع لها في بلاد الملحون والماية والبلدي استفزازا دفع للبحث فيه.

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *