سناء العاجي الحنفي: الضوارة في عيد الأضحى… سنة مؤكدة؟
لسنوات طويلة، كان من المؤكد لكل ملاحظ موضوعي في المغرب، أن عيد الأضحى تحول لعادة اجتماعية ضاغطة وقاهرة. لكن الكثيرين كان يدارون على تشبتهم بهذه العادة اللحمية أكثر منها دينية، بأن الممارسة هي في النهاية سنة نبوية مؤكدة! الآن، نتأكد بما لا يدع مجالا للشك ولا للمواربة والمكيجة، أن ما يحرك معظم المغاربة في هذه المناسبة هو اللحم و”الشوا” و”الضوارة” أكثر من الدين والسنة.
أنت لا تضحي في العيد؟ إذن أنت ملحد. أنت ضد الدين. ولكن… في جميع الحالات، أنت فقير لا تملك مال الكبش وتستحق الشفقة.
هكذا كان يتفاعل معظم المغاربة، في السنوات الأخيرة، مع اختيارات مختلفة لمغاربة آخرين، اختاروا، لأسباب مادية أو عقدية أو فلسلفية مرتبطة باختياراتهم في الحياة، أن لا يشتروا كبش عيد الأضحى.
ثم كان أن خطب الملك محمد السادس ليقول للمغاربة: نظرا للجفاف وللظروف الاقتصادية، “أهيب بكم” أن لا تذبحوا أكباشا هذه السنة؛ فعدد الخرفان في تضاؤل. وسعر اللحوم في الأسواق في ارتفاع.
بعد خطبة الملك، سمعت شهادات متعددة لأسرة محدودة ومتوسطة الدخل، تعبر عن ارتياحها لدعوة الملك. “منذ بضع سنوات، تشكل مصاريف العيد عبئا كبيرا. لكن ضغط الجيران والمجتمع ومشاعر الأطفال، تجعلنا نشتري الخروف ولوازمه كل سنة تحت ضغط قوة اجتماعية قاهرة”. بعبارات مختلفة، كان هذا الانطباع يعكس شعورا عاما بالارتياح، لأن القرار جاء من أعلى سلطة في البلاد ولأنه في النهاية، يرفع عنهم حرجا اجتماعيا مكلفا ومنهكا.
الحقيقة أنه، منذ سنوات طويلة جدا، لم يعد عيد الأضحى في المغرب سنة مؤكدة. لقد تحول إلى ركن من أركان الدين، اجتماعيا فقط. قوة قاهرة يصعب كثيرا تحديها، إلا بجرعة من القدرة على التبرير أمام عشرات الأسئلة المستنكرة.
يمكن أن يقبل الكثيرون منك أنك لا تصلي، لكن أن لا تضحي في العيد (وأن لا تصوم)، فهذا غير مقبول بتاتا. أعرف شخصا تسمح إمكانياته، ببعض جهد ومفاوضات مع ميزانيته، بأن يشتري كبشا في العيد. لكنه، السنة الماضية، اختار بكثير من المنطق أن لا يذبح خروفا في العيد. بين عبارات التشكيك في مدى تدينه وبين عبارات الشفقة ومقترحات السلف من بعض الأصدقاء والزملاء، تحول اختيار شخصي لعدم أداء سنة، لمحاولات تبرير يومية متعبة.
لذلك، استبشر كثيرون خيرا بعد خطاب الملك محمد السادس، وعبرت أسر كثيرة عن ارتياحها، بصدق. ثم فجأة، بلغ سعر “الضوارة” حوالي 600 درهم في بعض المناطق، وأصبحت المحلات الكبرى تقدم عروضا خاصة على اللحوم وعلى أكباش كاملة مقسطة، ومحلات الجزارة تستفذ لحومها، وعشرات الأسر تشتري الخرفان سرا وتذبحها بضعة أيام قبل العيد.
والنتيجة؟
الأسر المتوسطة وذات الدخل المحدود التي ارتاحت كثيرا للدعوة الملكية لأنها تعفيها من ضغط اجتماعي كبير، ستشعر بنفس الضغط ونفس الحرج في النهاية؛ لأن جيرانها سيستمرون في نفس طقوس العيد وبنفس نظرات وعبارات الشفقة على من لم يمارسها.
اقتصاديا، سنتضرر كثيرا وسترتفع أسعار اللحوم بشكل كبير في الأسابيع المقبلة، لأن النتيجة المتوقعة من الدعوة الملكية لا توافق الممارسات الفعلية لهذا المجتمع الذي ننتمي إليه.
ثم، اجتماعيا وثقافيا، يفترض أن نخجل من أنفسنا. في السابق، حين كانت بعض الأصوات تقول إن ممارسة ذبح الأضحية تحولت في المغرب لعادة اجتماعية أكثر منها دينية، كانت هذه الأصوات تتعرض لعنف اجتماعي كبير باعتبارها “تهاجم” ممارسة دينية وسنة نبوية مؤكدة. اليوم، أمام دعوة ملكية إنسانية لرفع الحرج عن الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط، وأمام معطيات مناخية واقتصادية موضوعية كان يُفتَرض أن تدفع للتعقل أكثر المتحمسين، ماذا يقول عنا هذا الهوس بشراء اللحوم والأكباد و”الضوارات” وبشراء أكباش كاملة وذبحها خلسة؟
لسنوات طويلة، كان من المؤكد لكل ملاحظ موضوعي في المغرب، أن عيد الأضحى تحول لعادة اجتماعية ضاغطة وقاهرة. لكن الكثيرين كان يدارون على تشبتهم بهذه العادة اللحمية أكثر منها دينية، بأن الممارسة هي النهاية سنة نبوية مؤكدة! الآن، نتأكد بما لا يدع مجالا للشك ولا للمواربة والمكيجة، أن ما يحرك معظم المغاربة في هذه المناسبة هو اللحم و”الشوا” و”الضوارة” أكثر من الدين والسنة.
والحقيقة أن ما تقوله هذه الممارسات عنا، يفترض أن يجعلنا نخجل من أنفسنا… ونخاف من مستقبلنا. وفي غد قريب جدا، سنرى نتائج هذه السلوكيات في أسواقنا وفي قدرتنا الشرائية.