المجتمع المغربي… محافظ أم منفتح؟ 2/1
يظل وسم “شعب محافظ” طاغيا في الحديث عن المغاربة… فهل نحن كذلك فعلا بعد مرور نحو عشرين عاما في القرن الواحد والعشرين، وبعد بروز متغيرات عدة كالعولمة ووسائط التواصل الاجتماعي؟
قديما، كان متداولا أننا، المغاربة، شعب محافظ… مع أن السوسيولوجي المغربي بول باسكون يرى أن الدينامية الداخلية التي تميز المجتمع المغربي تولد تناقضات مختلفة يتشكل منها الواقع الاجتماعي في المغرب.
ذاك ما أسماه باسكون: “المجتمع المركب”. يقول الباحث في علم الاجتماع، عبد الرحيم العطري[1]، إن هذه الأطروحة تقول بتداخل مجتمعات عدة في مجتمع واحد، حيث تبدو أنماط العيش والسلوك والثقافات متجاورة رغم التناقض الصارخ الذي يبصم ثنائياتها.
أطروحة بول باسكون ما تزال قادرة على إعطاء فهم “أكثر جدية بالنسبة للحالة المغربية”، وهو الذي قال واصفا المغرب: “إنه لا يسعى إلى القضاء على نظام قديم للأشياء ليبني نظاما جديدا، إنه يعيش على عطالة”.
ثنائيات مثل المقدس والمدنس، والأسطوري والواقعي، العلمي واللاعلمي، التقليدي والحديث، وما إلى ذلك. كل هذا يحضر في المجتمع ذاته، في نفس الوقت، دون أن يثير أي إشكال في سيرورة الحياة الاجتماعية…
بل إن هذا التركيب، يستحيل مع مرور الزمن شرطا وجوديا لاستمرار المجتمع!
اقرأ أيضا: التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1
مع ذلك، يظل وسم “الشعب المحافظ” طاغيا في الحديث عن المغاربة. فهل نحن كذلك فعلا بعد مرور نحو عشرين عاما في القرن الواحد والعشرين، وبعد بروز متغيرات عدة كالعولمة ووسائط التواصل الاجتماعي؟
واضح أن ثمة تغيرا ما في القيم، فالأسرة الأبوية، التي كانت تقطن منازل فسيحة، لم تعد غالبة، وأخلت مكانها للأسرة النووية، التي تسكن الشقق وتنهج الفردانية بطريقة ما… لكن هل هذا نزوع إلى “الحداثة”، أم في عمقه حداثة “مزيفة”، أم محافظة بصيغة أخرى؟
بوشوار: “مجتمع هجين يعيش على عطالة”
يرى الباحث في علم الاجتماع ياسين بوشوار في حديثه إلى “مرايانا” أن “تحديد معنى المجتمع المحافظ كوحدة متجانسة، سيكون بمثابة مغامرة معرفية تستلزم نوعا من الحذر”، ويضرب مثالا على ذلك بأنه “دائما ما كان لدى المغاربة ميل نحو تصنيف الإنسان المديني (الذي يعيش في المدينة) على أنه غير محافظ”.
لذا، يظن بوشوار أنه من الصعب القول إن المجتمع المغربي محافظ أو العكس، فـ”المجتمع المغربي ليس بوحدة متجانسة، فما نراه شيئا محافظا في غربه هو في جنوبه غير ذلك تماما”.
أطروحة “المجتمع المركب” تقول بتداخل مجتمعات عدة في مجتمع واحد، حيث تبدو أنماط العيش والسلوك والثقافات متجاورة رغم التناقض الصارخ الذي يبصم ثنائياتها.
لكنه، وفق الباحث ذاته، يمكننا ملاحظة أن المجتمع المغربي ليس بالمحافظ التقليدي وليس بالحديث المعاصر: إنه “مزيج مركب هجين، ويمكن ملاحظة تعايش وصراع هذه الثنائية بعد مرحلة الانتقال الرقمي التي أسهمت في إظهارها بشكل علني، من خلال نقاش يتجاوز حدود المجال الثقافي بين المدينة والقرية، الشرق والغرب، إلى مجالات الكتابة على الشاشات كمجال للاستعراض، وهو مجال للصراع بين المحافظ وغير المحافظ؛ يتجاوز المقدس، وكل التراتبات الثقافية والاجتماعية”.
اقرأ أيضا: هل يثق المغاربة في “علماء” دينهم؟
بوشوار يعتقد أن أطروحة بول باسكون ما تزال قادرة على إعطاء فهم “أكثر جدية بالنسبة للحالة المغربية”، وهو الذي قال واصفا المغرب: “إنه لا يسعى إلى القضاء على نظام قديم للأشياء ليبني نظاما جديدا، إنه يعيش على عطالة”.
في الجزء الثاني: “المجتمع المغربي انتقل من المحافظة الصادقة إلى المحافظة الاستعراضية”، و”نحن بعيدون عن الحداثة لكننا نتطلع إليها”…
لقراءة الجزء الثاني: المجتمع المغربي: محافظة “استعراضية” تتطلع إلى حداثة “بعيدة” 2/2