محمد الزرقطوني: رجل تجرع السم… ليحيا وطن! 2/1
يخفي اسم محمد الزرقطوني وراءه حكاية إقدام كبيرة… حكاية رجل فدى بلاده بروحه، رجل وقع في مصيدة المستعمِر بوشاية من ابن وطنه، واختار أن يستشهد من تلقاء رغبته على أن يفشي أسرار وأسماء المناضلين رفاقه، كما سنتابع في هذا البورتريه.
يكاد لا يخفى اسم محمد الزرقطوني على أحد في المغرب اليوم… فهو رجل خلد ذكراه بطرق عديدة، فما من مدينة بالمغرب، مثلا، إلا وتحمل فيها مدرسة أو شارع اسمه.
لكن الاسم يخفي وراءه حكاية إقدام كبيرة… حكاية رجل فدى بلاده بروحه، رجل وقع في مصيدة المستعمِر بوشاية من ابن وطنه، واختار أن يستشهد من تلقاء رغبته على أن يفشي أسرار وأسماء المناضلين رفاقه.
في هذه البورتريه، نرسم بعضا من ملامح سيرة “الشهيد” محمد الزرقطوني.
ولد محمد الزرقطوني ذات يوم من سنة 1925، بدرب السوينية بالمدينة القديمة للدار البيضاء، لأب يحمل نفس اسمه ينحدر من الصويرة وأم فاسية اسمها خدوج بنت الرايس. الزرقطوني كان الابن البكر لأسرة تتكون منه ومن 3 أخوات.
اقرأ أيضا: عمر بن جلون… “شهيد” اليسار المغربي! 2/1
كان الزرقطوني الأب مقدم الزاوية الحمدوشية، وفيها تعلم الزرقطوني الابن القراءة والكتابة، قبل أن يلتحق بالمدرسة العبدلاوية. وكانت الأخيرة مدرسة تعليم حديث، تعد من أوائل المدارس الحرة التي أنشأها المناضلون المغاربة بدايات أربعينيات القرن الماضي.
أسس محمد الزرقطوني سنة 1948 خلية “القانون المحروق” بالدار البيضاء إلى جانب سبعة أفراد آخرين، لتعد بذلك الخلية أولى خطواته على درب النضال.
بعد بلوغه سن الـ15، أراد محمد الزرقطوني أن يستقل بنفسه ماليا، فانقطع عن الدراسة من أجل العمل، مع أنه ظل يطالع بعض الكتب والصحف القادمة من هنا وهناك، خصوصا ذات الأبعاد السياسية، فتفتق باطلاعه عليها وعيه السياسي، في ظروف اتسمت بنهاية الحرب العالمية الثانية وبداية موجة الحركات التحررية في العالم المستعمَر.
سنة 1947، كان السلطان محمد الخامس يعد لزيارته الشهيرة إلى طنجة حيث سيلقي خطابه، بيد أن سلطات الحماية، ووعيا منها برمزية هذه الزيارة التي تصل مناطق نفوذ الحماية الفرنسية، بنظيرتها الإسبانية انتهاءً بطنجة الدولية، سارعت إلى نسف الرحلة، عبر ضربة “سانيكال” الدموية[1]، التي أفضت إلى مقتل أزيد من ألفي شخص من العزل.
اقرأ أيضا: سعيدة المنبهي… ثورية لم يقتلها الموت 2/1
في هذه الظرفية بالضبط، شعر محمد الزرقطوني وفق ما يرويه الصحفي الحسن العسيبي، في كتاب وثق فيه سيرة الزرقطوني أصدره سنة 2002، أنه لا بد من مواجهة العنف الذي تستعمله القوى الاستعمارية بقوة موازية. هكذا، اختار الزرقطوني العمل السري رفقة خلية مسلحة، رافعا شعار “العنف لا يواجه إلا بالعنف”.
بناء على ذلك، أسس محمد الزرقطوني سنة 1948 خلية “القانون المحروق” بالدار البيضاء إلى جانب سبعة أفراد آخرين، لتعد بذلك الخلية أولى خطواته على درب النضال. ثم، تزامنا مع ذكرى عيد العرش لسنة 1952، أشرف الزرقطوني على تنظيم حفل بالدار البيضاء رفع فيه لأول مرة العلم المغربي بجانب الأعلام المغاربية الأخرى.
شعر محمد الزرقطوني وفق ما يرويه الصحفي الحسن العسيبي، أنه لا بد من مواجهة العنف الذي تستعمله القوى الاستعمارية بقوة موازية. هكذا، اختار الزرقطوني العمل السري رفقة خلية مسلحة، رافعا شعار “العنف لا يواجه إلا بالعنف”.
يقول الحسن العسيبي، إن الزرقطوني قد استغل المناسبة من أجل إقناع وفد صحفي أجنبي لحضور الحفل ليكتشف ماهية النضال المغربي، إلا أن سلطات الحماية وقفت في هذه اللحظة على خطورة هذا التنظيم، فما كان من الزرقطوني سوى الدخول إلى السرية بعد أن اتضح للمستعمر أنه كان الرأس المدبرة له.
اقرأ أيضا: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
منذ بدأ العمل السري، فرض على الزرقطوني تغيير عنوانه من المدينة القديمة إلى درب السلطان، ثم تغيير عمله من المتاجرة في الأثواب إلى التجارة في الخشب. يقول العسيبي إن العمل السري ضمن الخلية الجديدة كان أكثر نضجا، فبعد نفي السلطات الاستعمارية محمد الخامس في 20 غشت 1953 تزامنا مع عيد الأضحى، قررت الخلية الرد بقوة على المستعمر تزامنا مع أعياد الميلاد المسيحية من خلال عملية “مارشي سونترال”.
في الجزء الثاني، نروي قصة عملية “مارشي سونترال”، وما أعقبها، وكيف انقلبت بها حياة محمد الزرقطوني، إلى أن وقع في فخ سلطات الحماية بوشاية من ابن وطنه، بجانب قصة “استشهاده”.
لقراءة الجزء الثاني: محمد الزرقطوني… رجل المثل العليا الذي وهب روحه الشابة دون تردد ليحيا الوطن 2/2