من اليمن، دينا النجار تكتب: قهوة سادة… حلم طبقي؟
أكملت فنجان قهوتي ثم للحظات.. أنتهى كل شيء، حتى ذلك الحلم الصغير، لأتساءل: كيف كان هذا الشيء أمنية؟
تبدأ قصصنا من جمل قصيرة تتمحور حولها الروايات ومن قهوة سادة كانت البداية…
“قهوة سادة!”
أتذكر أنى سمعتها للمرة الأولى في إحدى المسلسلات التي كانت تذاع على شاشات التلفزيون… حينها، لم أكن أعلم أي لهجة هي تلك التي يتحدث بها الممثلون؛ قبل أن أدرك أنها اللهجة المصرية، وهي أكثر ما عرفناه من خلال الدراما والأفلام القديمة.
كانت تلفتني هذه الجملة وكنت أتمنى أن تقال لي بشكل أو بآخر، فكثير ما تلفتني حميمية عرض الخدمة وتقديم الضيافة بذوق عالي وحفاوة كبيرة.
أوحت لنا الجمل القصيرة بالكثير من العطايا التي تحاط بحياة المجتمعات الأخرى، وفسرت لنا الحياة أنها منفتحة وحضارية، وأنك الوحيد الذي يعيش في دولة متخلفة ومتأخرة. لكن، هناك جانب خفي لن تكتشفه حتى تشهده وتعايشه. وأنا، حتى أكتشفه، احتجت لسنوات طويلة من عمري لمعرفة أن الكثير من الناس في دول العالم ليسوا سوى أناس عاديين ونتشابه معهم في كثير من الصفات التي اعتقدنا في مجتمعنا اليمني أنها صفات للتخلف، بينما هي ليست سوى “عادات وتقاليد” تخص مجتمعات دون غيرها!
حين تكون لك إمكانية اللقاء بأناس من جنسيات مختلفة، تكتشف أن الكثيرين يشتبهون معك في نقاط متعددة، بينما فئة أخرى منحتها الحياة امتيازات ومستوى من العيش يجعلهم “أفضلية القوم”.
هذه الشريحة تنكفئ على نفسها وتعتبر نفسها الصفوة، وهي بالغالب تصنف ذاتها على حسب النسب أو القيمة المالية، وإن اعتبرها البعض الأسوأ على الإطلاق، فيما تبقى هي طبقات المجتمع الأغنى والأكثر انفتاحا وتجردا من المعتقدات والعادات والتقاليد التي يتمسك بها معظم الفقراء.
ينتظر الفقراء لحظة شرب القهوة السادة، تلك التي تنسيهم طيلة سنوات عديدة أن الحياة تفوق فنجان قهوة ورحلة تمتلئ بالملذات التي يستحقها الجميع بالقدر الذي يعيشه الأغنياء.. وأكثر.
اليوم، تقدم لي القهوة السادة وبجانبها كوب من الماء، تماما كمسلسلات فاتن حمامة ورشدي أباظة (فارس أحلام الفتيات) وكما في أفلام عمر الشريف وسعاد حسني. لكن الجديد أن الأمر لم يعد يثير اهتمامي ولا يُثار له عقلي… فقد أصبحت أعلم ما خلف هذه القهوة… أدركت أنها لا تعني بالضرورة حياة مليئة بالرفاهية.
أكملت فنجان قهوتي ثم للحظات.. أنتهى كل شيء، حتى ذلك الحلم الصغير، لأتساءل: كيف كان هذا الشيء أمنية؟