من اليمن، دينا النجار تكتب: هل للحرية مذاق؟
بين كل انتفاضة وأخرى، تتساءل: هل حقا ننسلخ من هويتنا أم نجد ذواتنا؟
لن يتساءل أحد سؤالا كهذا إذا لم يذق الحرية أخيرا، بعد سنوات من بناء الحدود والحواجز ووضع شروط العيش الضيق في بلد تعشق المسميات القديمة التي تسهل عليها الهروب… هروب من المواجهة ومن خوض نقاشات جديدة. مجتمعات ترفض المساس بعاداتها وتقاليدها معتبرة ذلك جزءا من القوانين الكونية التي ستخل بالحياة إذا ما اقترب أحد منها.
يتضح لك كم هو سهل وممكن أن تحيا وتعيش بشكل سلس وبسيط ولا تضطر فيه للتبرير وتقديم الحجج للغير، خاصة في دولنا التي تضع فيها المجتمعات حملا ثقيلا على ظهورنا بشروط هدفها مرقبة كل تصرفاتنا.
إنما العيش في كنف القوانين المفروضة التي توجه الأسرة أولا والمجتمع ثانيا في مسار واحد غير قابل للتساؤل والاستفسار، لهو واحد من أسوأ أنواع العيش، بعد أولها وهو الاستسلام والخضوع لها.
ثلاثون عاما من الخنوع دون تساؤل معلَن، كانت كفيلة لتنفض عني كل ما يجوب بخاطري، في أول رحلة تحط بي في دولة أخرى.. هنا، بدأ التساؤل: “لماذا كل تلك القيود”؟
رؤية الناس يمشون دون تدخل من أحد. رؤية الفتيات يمارسن حقهن دون أن تشعر الواحدة منهن أنها مضطرة لتصارع حتى تقول “هذا حقي”.
إن فكرة أن الكل واحد لهي أجمل ما يجذب انتباهك في كل الدول التي تؤمن بالحرية، رغم وجود قوانين تؤطر علاقات هؤلاء الأفراد بغيرهم وبالفضاء العام.
أما عندنا، فليس لديك خيار لتحديد ما تريد أن تكون عليه ولا حتى لتعلم أن لديك رأيا آخر لتحدد ما الذي ستختاره، فتجد نفسك متهما بالانسلاخ من هويتك إذا ما انتقلت لبلد آخر، وتكتشف حينها أنك مخبأ للأفكار والمعتقدات المدفونة.
تبدأ رحلة الخوف من الاتهامات التي تلاحقك إذا ما أعلنت عن تصوراتك للحياة والحرية ورغبتك في التعبير عما وجدته من لذة في الحياة الخالية من الأسوار العالية الملغمة بالعادات والتقاليد… رحلة تكتشف عبرها ذاتك المغلفة برغبات العائلة لِما يجب أن تكون عليه.
تتساءل: كم من الوقت يلزم الفرد حتى يغير معتقداته وأفكاره؟ وكم من الوقت يلزمه ليغير أفكار من حوله ومعتقداتهم؟ كم من الوقت يلزم لتبدأ بنفض كل ذلك وترميم خلايا الجسم بفكرك ومعتقدك المكبل لسنوات؟
وبين كل انتفاضة وأخرى، تتساءل: هل حقا ننسلخ من هويتنا أم نجد ذواتنا؟