من الولايات المتحدة الأمريكية، محمد سعيد يكتب: عن المسيح والهوية والحب: عزيزي المعترض
معظم دوافعنا أنانية ومصلحية ومتمركزة على الذات.
صحح موقفك من نفسك بتحري الشفافية مع نفسك بدل أن تشير بسبابة الإدانة للغير.
تأمل مليا في الأصابع الأربعة الأخرى التي تشير إليك٫ فالتواضع ليس فضيلة، إنه مجرد موقف صحيح للذات مع نفسها
تذكر جيدا، أنني إنسان مزاجي (أنا لا أمزح الآن: أنا إنسان مزاجي جداً)، أدرس فقط الأمور التي أنا شغوف بها.
أعمل بإيقاع انتحاري عندما أرغب في ذلك، وبحركة سلحفاتية عندما لا أرغب في ذلك.
أتحدث عن الأمور التي تحفز ذهني فقط. لا يهمني الرأي العام كثيرا. أتقلب على أهوائي عندما أقرر ذلك، فأعود لها عندما أشتاق إليها. لست أرستقراطيا، لكن ميولاتي أرستقراطية. أكره الفريسيين الجدد والباعة الدينيين، وأعتبرهم أشر من اللصوص العاديين. أحلم بمعانقة أحبائي سواء كانوا يحملون نفس الدم الذي أحمله أو أصدقاء من كل الخلفيات الدينية والمادية (الإلحادية مثلاً). أشد ما أكره أن أعطي نفس المحاضرة مرتين. المهنة التي تناسبني هو أن أكون ماسح أقدام بني جلدتي كما فعل قدوتي السيد المسيح، فلا أجيد غير هذه المهنة.
لا أحب العمل مع الطماعين والكذابين، وهؤلاء الذين يضعفون أمام النساء. من أبطالي المفضلين “جدعون التوراتي” الذي دعي بجبار البأس رغم خوفه من المديانيين. عتبي عليه أنه كان متردداً في هدم تمثال أبيه وعشيرته “البعليم” (الإله الكاذب). أنزف داخليا عندما أرى الفقراء والكراهية والمرض… لقد ولدنا لننتصر على هذه كلها، ولكنها لازالت تغلبنا.
ليس لدي ما أفتخر به سوى أني مُنحت حصاةُ بيضاء في يدي كُتب عليها اسم لا يعرفه أحد غيري، فلا تصدق أي توقيع بإسمي إذا لم يكن هذا التوقيع بدمي، أنا لا أوقع على شيء إلا بدمي كما فعل المخلص.
عزيزي “المعترض”…
أنا هو أنا، أمس واليوم وغدا كما عرفتني… رغم كل ما طرأ علي من تغيرات فيزيولوجية ونفسية وفكرية، أستطيع أن أحيل على نفسي في صورة تمثلني في سن الخامسة، وأقول: “هذا أنا”.
“هويتي -الجدر”، هي ما يجعلني مطابقا لنفسي رغم كل الانزياحات والتناقضات والتقلبات التي أعيشها في حياتي. “الهوية -الجدر” هي الشكل الذي تتخذه كينونتي (ما أكون عليه من أحوال، ما أحققه من إنجازات، ما أتمثله في محيطي، ما أكتسبه، إلى آخره)، في طفولتي فترقمه رقما في وجودي، فالهوية كما هي “مبدأ ايجابي يقاوم العدم باستمرار، ويطعم نفسه بعامل “أوميكا” المحيي لما يفرضه منطق التاريخ والجغرافيا من تسلب (الخضوع للسلب)، فوجودي غير المستلب هو هويتي التي أكنها هنا في هذا الزمن، فهويتي هي غير هويتك، وهويتك غير هويتي.
أنا إنسان غير مستلب لأنني رقمت هويتي خارج إطار الاستلاب الوجودي الناقص بنقصان العقل الجمعي، فلكي تكون غير “مُستلب” ينبغي أن تحافظ على جملة من القواعد، أولها: “تحرً أن تتحقق من دوافعك الحقيقية في كل عمل تقدم عليه”. لا تعقلن دوافعك ولا تسع لتبريرها ولا تؤمثلها (لا تضف عليها طابعا مثاليا). سمً العنب عنبا والحصرم حصرما، ذلك أن معظم دوافعنا أنانية ومصلحية ومتمركزة على الذات. صحح موقفك من نفسك بتحري الشفافية مع نفسك بدل أن تشير بسبابة الإدانة للغير. تأمل مليا في الأصابع الأربعة الأخرى التي تشير إليك٫ فالتواضع ليس فضيلة، إنه مجرد موقف صحيح للذات مع نفسها.
لتكن غير”مُستلب” ثانياً: “ليكن لك إطار تدمج فيه كل شيء”، في كل شيء حولك عناصر قد تنفعك فيما ترغب في إنجازه من مشاريع. كن كالفنان الذي يجمع كل شيء (حتى ما قد يعتبره الناس نفاية) ليصنع به أعمالاً فنية مبهرة. الشيء لا يكون مفيدا في ذاته، أنت من يجعله مفيدا إذا وضعته في مكانه الصحيح.
فكر جيدا: كيف يمكنك أن تجعل الأنترنت نافعا لك؟ كيف تستفيد من صداقتك استفادة تنفع الجميع؟ كيف تستفيد مما راكمته من خبرة في عملك لحد الآن؟ تساءل -ما هي الأشياء الصغيرة التي لازالت ملقاة في غرفة الأشياء التافهة غير المفيدة، التي يمكن أن تصنع منها ما تزين به بيتك؟
عزيزي “المعترض”…
أنا لست صالحاً، بل خاطئ حسب الشريعة الموساوية، واستحق أن يسفك دمي.
فهناك شخص صالح واحد، هو المسيح الذي غير مجرى التاريخ.
إن عدم تحديدنا لهذا المفهوم (الصلاح)، لا يمكننا من أن نعرف الصالح من غيره – أليس كل واحد منا يرى الصالح فيما يصلح له هو؟ أم أننا نريد أن نوحد تصوراتنا وأحاسيسنا فيما يصلح للجميع؟ أليس كل واحد منا ينظر لنفسه بأنه صالح؟
قد نفقد قدرتنا على التفكير في هذا الأمر، لأن ما يمكن أن أراه صالحا لا يراه غيري كذلك، أو يمكن أن يكون يصلح اليوم ويفسد غدا، فما هو صالح لا يمكن أن يصلح إلا لتلك الظروف التي جعلته يصلح لها، فما مكانة الحب بين الناس إذا لم يكن صالحا؟
الحب يحمل هذه القيمة، قيمة الصلاح والتصالح! مادة “صلح” التي منها “صالح”، كغيرها من المواد اللغوية التي اكتسبت معنى أخلاقيا في استعمالها، تؤخذ على وجهين: المعنى النفعي (كأن تقول “هذا الدواء صالح للمعدة”)، ثم المعنى الأخلاقي (كأن تقول “هذا مواطن صالح”)… نفس الشيء ينطبق على مادة “حب”، تقول أو تقولين “أحب التفاح”، وهذا هو المعنى الانتفاعي، وتقول أيضاً “أحب أبي”؛ فالفرق بين معنى الصلاح النفعي ومعناه الأخلاقي، هو الفرق بين ضدين معجميين: “فإذا كنت صالحا” بالمعنى الأخلاقي ففيك شيء ترغب أن تمنحه لمن تحب…
الفرق بين المعنيين هو الفرق بين أن تضحي بالجميع لتحيى أنت، وأن تضحي بنفسك ليحيا الجميع! وهذا بالضبط ما عمله المسيح، فصلاحه جعله يضحي بنفسه من أجل أحبائه حتى الموت، موت الصليب.
فعمل المسيح هو عمل ذواتي، يتضمن علاقة بين المضحي والمضحى من أجله… أيضاً هناك عمل تكريسي قام به المسيح، وهو تكريس ذاته لخدمة الآخرين من فرط محبته لهم، فيمكننا اليوم أن نكون مكرسين لخدمة الآخرين سواء بوقتنا أو مالنا أو جهدنا.
لقد كان المسيح مكرسا لا يرجوا نفعا ذاتياً، لذلك خاطبه اليهود برجل الصلاح.
مقالات قد تهمك:
- من واشنطن، محمد سعيد يكتب: في الدفاع عن الفكر المسيحي
- ولدوا على دين عيسى واتهموا بالعمالة للغرب: مشاهد من حياة المسيحيين المغاربة
- جبريل أو غابرييل… ملاكُ البشائر العظمى في المسيحية 2/3
- من حلب. باسل قس نصر الله يكتب: “المسيحية مرّت من سورية”
- التصوّف المسيحي… حكايةُ التمرّد على دين الكنيسة المتعالي!
- فكرة “الشيطان” في المسيحية 3\4
أحترم كتابات صديقي واعتقادك،مقدرا أخلاقك السامية.