برونو كيدردوني: لا يمكننا أن نؤمن بشيء في المسجد وأن نؤمن بنقيضه في المختبر
بمناسبة مشاركته في ندوة تحت عنوان: “التطور الكوني والتطور البيولوجي: كيف يمكن للفكر الإسلامي أن يحتوي العلم الحديث المتعلق بالكون والحياة؟”، والتي نظمتها المدرسة المركزية للدار اللبيضاء، بشراكة مع معهد كوفمان للحوار العلمي والروحي، أجرى موقع مرايانا هذا الحوار مع برونو كيدردوني، مدير البحث بالمعهد الوطني للبحث العلمي ومدير سابق لمركز الأبحاث الفيزيائية والفلكية بمدينة ليون الفرنسية.
- مرايانا: هل إيجاد رابط بين العلم وبين الديانات بشكل عام هو أمر ممكن؟ وهل هذا الرابط ضروري، بينما ينادي البعض بحصر الدين والتدين في مجال الإيمان الشخصي بدل زجه في مجال العلوم؟
برونو كيدردوني: هدف الديانات هو أن تجعل منا أشخاصا أفضل، وأن تقربنا من الله.
لقرون طويلة، استطاع الناس التعايش في إطار دياناتهم المختلفة، وذلك من خلال تطوير أخلاقهم وحب من حولهم. لكن، نحن نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين. شئنا أم أبينا، فنحن متأثرون بالعلم ومتفاعلون معه. لذلك، نحتاج لتوضيح العلاقة بين معارفنا العلمية ومعارفنا الدينية؛ وإلا، فسيكون لدينا مشكل تناسق داخلي.
هذا لا يعني أن الدين والعلم متصارعان، لكن هذا الصراع قد يحدث ما لم نوضح العلاقة بين الاثنين.
حين نبحث على الأنترنيت باستعمال عبارة “الإسلام والعلم” بالإنجليزية، سنعثر على عدد من المواقع هدف معظمها الدعوة للإسلام. في الموقع الأول، نجد أن الانفجار العظيم لم يحدث لأنه متناقض مع القرآن؛ وفي الموقع الثاني نجد أنه حدث وأنه متناسق مع ما يقوله القرآن
طبعا، فلكل من العلم والدين مقارباته الخاصة. لكن هناك مجالا مشتركا أو ترابطا، نجده في حديث ابن رشد عن “ما بين الحكمة والشريعة من اتصال”
- مرايانا: يوجد اليوم في العالم المسمى إسلامي، تيار يعتبر أن كل الاكتشافات العلمية موجودة سلفا في القرآن من خلال ما يصطلح عليه بالإعجاز العلمي في القرآن؛ وتيار آخر (نجده في الإسلام وفي ديانات أخرى) يعتبر أن بعض الاكتشافات العلمية غير مقبولة دينيا (مثل نظرية التطور ونظرية الانفجار العظيم وغيرها). هل هذين التيارين لا يدلان على وجود صراع محتدم بين الدين والعقل؟
برونو كيدردوني: بالفعل. هناك تيار يقول بأن العلم والدين يوجدان في نفس المستوى. بالنسبة لهؤلاء، فإن العلم يؤكد ما جاء به القرآن: بما أن ما يقوله العلم حقيقي، والقرآن يؤكد نفس الحقائق، فهذا دليل على قوة القرآن. ثم، هناك وجهة النظر الأخرى التي تقول بأن القرآن يقدم معطيات علمية، وبأن هذه الحقائق تتناقض مع ما وجده العلم مؤخرا، لهذا يجب الاختيار بين العلم والقرآن.
حين نأخذ سجادة الصلاة أو نتوجه للكنيسة، فنحن لا نقوم بحساب علمي. نحن حينها نفتح قلوبنا لله. وحين نكون في مختبر علمي، فنحن لا نقوم بممارسة الفقه أو التفسير. هناك إذن فرق في الطريقة وفي الأهداف.
نحن، كمسلمين، نختار قراءة القرآن وتأويله بشكل علمي. في هذا الإطار، غالبا ما أقدم لطلبتي هذا المثال: حين نبحث على الأنترنيت باستعمال عبارة “الإسلام والعلم” بالإنجليزية، سنعثر على عدد من المواقع هدف معظمها الدعوة للإسلام. في الموقع الأول، نجد أن الانفجار العظيم لم يحدث لأنه متناقض مع القرآن؛ وفي الموقع الثاني نجد أنه حدث وأنه متناسق مع ما يقوله القرآن وأن القرآن يثبت أن الانفجار العظيم وقع فعلا.
ما نحتاجه هو إلغاء هذا التوازي بين الاثنين، لأن الدين والعلم لا يوجدان على نفس المستوى، إذ لهما أهداف مختلفة. علينا أيضا أن نتخلى عن وجهتي النظر هاتين، واللتين تعتمدان على إلغاء العلم باسم الدين أو إثبات الدين بالعلم. سنكون حينها أحرارا على طريق ثالث، من أجل تطوير المقاربة العلمية داخل بعد ديني. هذا الطريق الثالث يعتمد على اعتبار الكون، علميا، شديد التعقيد والكبر… وهذا بالذات ما يجب أن يعمق حبنا لخالق هذا الكون.
- مرايانا: هل هناك طريق رابع، يقتضي فصلا تاما بين الدين والعلم؟
برونو كيدردوني: إنهما منفصلان كمنهج. حين نأخذ سجادة الصلاة أو نتوجه للكنيسة، فنحن لا نقوم بحساب علمي. نحن حينها نفتح قلوبنا لله. وحين نكون في مختبر علمي، فنحن لا نقوم بممارسة الفقه أو التفسير. هناك إذن فرق في الطريقة وفي الأهداف.
ما نحتاجه هو إلغاء هذا التوازي بين الاثنين، لأن الدين والعلم لا يوجدان على نفس المستوى، إذ لهما أهداف مختلفة
لكن هذا لا يمنعنا أن نجد سبل الالتقاء. في الإسلام، هناك تمييز بين الدين والعلم، لكن ليس هناك فصل تام. لا يمكننا أن نؤمن بشيء في المسجد وأن نؤمن بنقيضه في المختبر. يجب أن نجد حلا لتحقيق التصالح بين الدين والعلم، وهذا أساسي لنا كأفراد.
المختبرات لا تحتاج المساجد والكنائس. وهذه الأخيرة لا تحتاج مختبرات واكتشافات علمية. لكن، نحن كمؤمنين في عالم يحكمه العلم، نحتاج لتوضيح علاقتنا بالاثنين.
- مرايانا: كيف السبيل لذلك؟ لسنوات طويلة، حاربت الكنيسة العلم قبل أن يثبت خطأ الكنيسة؛ ولعل حكاية كاليليو هي الأشهر تاريخيا في هذا الميدان. هل تعتقد أن الفكر الإسلامي يمكنه أن يتوجه نحو هذا الفصل ومن ثمة، التصالح بين الدين والمنهجية العلمية؟
برونو كيدردوني: خلافا للمسيحية، لم يحدث أن كان هناك طلاق في الفكر الإسلامي بين الدين والعلم، حتى يحدث التصالح. في المسيحية، اعترف البابا بأن الكنيسة أخطأت في حكاية كاليليو. لكن الإسلام كان دائما متصالحا مع العلم!
بعض المستشرقين يعتبرون بأن الإشراق العلمي للمسلمين كان محدودا في فترة زمنية قصيرة بوجود خلفاء ساندوا العلماء. هذه فكرة مغلوطة رغم أنها منتشرة في الغرب. العديد من الباحثين المسلمين، لكن أيضا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أثبتوا أن نجاح العلم في العالم الإسلامي دام لقرون منذ القرن الثامن الميلادي إلى غاية القرن الخامس عشر وما يليه، في بغداد، الأندلس، القاهرة وغيرها.
الجزء الثاني من الحوار: برونو كيدردوني: لماذا اعتنقت الإسلام والانفجار العظيم (Big Bang) موجود في القرآن