محمد أمنصور: وزارة المهدي ومعرض الأشباح المتنقل: ملهاة الكُتَّاب ومأساة الكِتاب
إن ما يبدو اليوم مجرد قرار إداري روتيني في مسألة تغيير مكان وزمان المعرض الدولي للنشر والكتاب ليس كذلك على الإطلاق، فالأمر أعمق مما يبدو عليه في الظاهر. إنه يعكس الوعي الفلكلوري الذي تتعاطى به الطبقة السياسية في هذا البلد مع مسألة الكتاب و المعرفة ككل.
1 ـ تتباهى الأمم بكُتّابها. غارسيا ماركيز في كولومبيا. موليير أو فولتير في فرنسا. جبران خليل جبران في لبنان. نجيب محفوظ في مصر. شكسبير في بريطانيا. دوستويفسكي أو تولستوي في روسيا. فيليب روط في أمريكا.
من هو الكاتب المغربي الذي يتباهى به المغاربة اليوم دولة ومجتمعا أمام الأمم؟ لا أحد!
لا نستطيع أن نجازف بذكر أي اسم لمن حملوا القلم في هذه الرقعة الجغرافية من العالم قديما أو حديثا، ليس لأن أمهات المغرب لم يلدن كتّابا وكاتبات، ولكن لأن هذا الكائن غير معترف به في بلادنا وتاريخنا. لا أحد يؤمن بشيء اسمه الكاتب، كما لا يوجد من بين كل من كتبوا حرفا في المغرب منذ عهد آدم إلى اليوم، من يحصل الإجماع حول أحقيته في تمثيل المغرب في المخيال الرمزي العالمي(…).
2 ـ في الأسابيع الأخيرة، طلع علينا بلاغ لوزارة المهدي يطلع فيه الرأي العام بأن النسخة الرباطية الثانية من المعرض الدولي للنشر والكتاب ستسجل دورتها الـ 28 بعاصمة المملكة الرباط في شهر يونيو. وعندما يتأمل المرء التغيير الذي طال الزمان والمكان لهذا المعرض المتنقل من البيضاء إلى الرباط، ومن شهر فبراير إلى شهر يونيو، تتبادر إلى ذهنه بعض الأسئلة:
ـ هل رمزية المكان بالنسبة لأي معرض يخص الكِتاب في العالم مجرد تفصيل صغير؟
ـ كيف لموعد سنوي حول الكِتاب أن يتجذر كتقليد راسخ غير قابل للتلاعب والعبث السياسوي إذا كان كل حزب تسند إليه حقيبة وزارة الثقافة يغير مكانه وزمان تنظيمه ؟
ـ ماذا تشكل الثقافة والمعرفة والكتاب في برنامج الحزب الذي يمسك بمقاليد وزارة الشباب والثقافة والتواصل في حكومة أخنوش؟ وهل تملك الحكومة، ككل، أي تصور أو مشروع حول مجتمع المعرفة والدور الذي يمكن أن يضطلع به صناع الرأسمال الرمزي في التنمية للنهوض ب (…).
3ـ وأنا أستعيد الحكاية الطريفة للكُتَّاب التسعة المتوجين بجائزة المغرب للكتاب في موسم 2021 الذين وضعوا كشرط لتسلم مبلغ الجائزة مضاعفة مبلغها بحجة غياب السند القانوني لنقطة المناصفة المالية، وجدتني عاجزا عن فهم مفارقة قبولهم الجائزة واعتراضهم على مبلغها؛ فسألت نفسي: أيمكن لمثل هذه النازلة السريالية أن تقع في مكان آخر من العالم غير المغرب؟ وهل يصدق العقل ردة فعل السّي المهدي عندما قرر في غضبة مضرية تحويل التتويج إلى عقاب؟ كيف خطر له سحب الجائزة منهم فقط لأنهم فكروا في تأويل المادة 13 من قانونها لصالحهم؟ لقد وضع القضاء الإداري حدا للنقاش البيزنطي الذي تخلل هذه النازلة لكن بقي السؤال معلقا: هل هي مجرد حادثة سير عرضية أم إنها الدليل على وجود خلل كبير في حقلنا الثقافي المغربي غير المهيكل، الفاقد لاستقلاليته إزاء السياسة والتبزنيس والأحزاب؟(…).
4 ـ ونحن نعود إلى واقع النشر والتوزيع في المغرب يطالعنا فشل سياسة دعم الكتاب التي بشر بها الأشعري في حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي، فقد كرس ذلك الدعم وضعا شاذا للكاتب بين مطرقة الوزارة وسندان الناشر. كشف عن افتراسية غير مسبوقة لحقوق المؤلفين من لدن الناشرين و أعطى غطاء رسميا لاحتقار الدولة المغربية للكاتب. وإذا شئنا الحقيقة، لا جديد في هذا الأمر؛ إذ متى كان في العقيدة السياسية للمغرب الرسمي مكان للكُتّاب أو الكتابة؟ كيف،إذن، لمعرض الكتاب أن يصمد ويتجذر كتقليد وطني في ظل سياسة رسمية تقوم على نزعة تحقيرية للكُتَّاب والكِتاب والكتابة؟(…).
5 ـ إن ما يبدو اليوم مجرد قرار إداري روتيني في مسألة تغيير مكان وزمان المعرض الدولي للنشر والكتاب ليس كذلك على الإطلاق، فالأمر أعمق مما يبدو عليه في الظاهر. إنه يعكس الوعي الفلكلوري الذي تتعاطى به الطبقة السياسية في هذا البلد مع مسألة الكتاب و المعرفة ككل.
هذا القرار يعري سطحية الفهم الحكومي للعلاقة المفترضة بين المعرفة والتنمية والاقتصاد. من باب العبث، إذن، توقع احترام هؤلاء الساسة لفكرة ومبدأ معرض دولي للنشر والكتاب تحول على مدى ثلاثة عقود إلى مكسب وطني. لكل هذا أستغرب وأتعجب:
ـ ما الذي يؤجل إلى اليوم قرار إلغاء وزارة الثقافة لهذا المعرض والتشطيب عليه من خريطة برامجها؟ ألا يثقل معرض الأشباح المسمون كُتَّابا ميزانية الدولة في بلد الأميات بجميع ألوانها وأشكالها؟(…).
نقطة عودة إلى السطر!