اجتهاد قضائي: التعذيب داخل مخفر شرطة جناية وليس جنحة
في تاريخ 12/01/2023، أصدرت غرفة الجنح بالمحكمة الابتدائية بمدينة بنجرير المغربية، قرارا قضائيا يقضي بعدم الاختصاص في قضية يتابع فيها عدد من أفراد الشرطة على خلفية وفاة شخص كان موضوعا رهن الحراسة النظرية.
هيئة القضاء في هذه القضيّة قررت إعادة تكييف هذه الأفعال من جنح العنف والقتل غير العمدي الناتج عن إهمال صادر عن موظفين عموميين إلى جناية تعذيب وإحالة القضية على أنظار غرفة الجنايات.
هذا الحكم الذي نشرته المفكرة القانونية، اعتمد تفسيرا موسّعا لجريمة التعذيب وفق المفهوم الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب، “على أساس أنّ نصّ الاتفاقية الدولية يسمو على التشريع. إذ أن جريمة التعذيب لا تشترط بالضرورة أن يكون القصد من التعذيب الحصول من الضحية أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، وإنما تعتبر متحققة في حال كان القصد من التعذيب معاقبة الشخص على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث”.
ما القصّة؟
تجد هذه الحكاية جذورها في تاريخ 06/10/2022، حين تم إشعار النيابة العامة بوضع شخص في حالة سكر رهن تدابير الحراسة النظرية. الشّخص كان في حالة غيبوبة وجرى نقله إلى المستشفى ثم فارق الحياة بعد تدهور وضعه الصحي. لكن، ما المثير في القصة؟
حين تمّ فتح قضائي في ما حدث، وتم الاطلاع على كاميرات المراقبة الموجودة في غرفة الحراسة النظرية، اتضح أنّ المعني بالأمر كان في حالة سكر علني، ودخل في مقاومة بدنية مع قوات الأمن الوطني الذين يريدون اقتياده للحراسة النظرية. جرى تبادل الضرب مع عناصر الشرطة حينها، وفي الحين أقدم أحدهم على توجيه ضربة لوجه الشخص المعني.
تمّت السيطرة على الوضع بالقوة، ونجحت عناصر الشرطة في تصفيد يدي “المتهم” وإدخاله بالقوة لغرفة الحراسة النظرية. هنا، سيتعقد الوضع النفسي والجسدي للمعني بالأمر، وبدأ في تعنيف نفسه بشكل هستيري عبر لطم وجهه في الأرض ويداه مصفدتان إلى خلف، كما شرع في التقيؤ.
التّسجيل أبرز كذلك، وفق ما تنقله المفكرة القانونية، أنه “عند الساعة الواحدة صباحا وأربعين دقيقة، وبعد تصفيد الهالك بالقضبان الحديدية للغرفة الأمنية رقم 02 كل معصم من يديه على حدة وكل واحدة في جهة بالقضبان الحديدية على شكل حرف T من طرف عناصر الشرطةـ، تقدم عنصر آخر ووجه له ضربة بيده على مستوى مؤخرة رأسه”.
كما أنه تم ضربه مرّة أخرى برجل أحد عناصر الأمن “على مستوى أسفل فخده من الخلف وهو في هذه الوضعية، ثم عمد بعدها إلى فك الاصفاد عنه ليجعلها في المستوى الرابع بدل المستوى الثالث لكي يمدد الذراع الأيسر للهالك أكثر مما كان عليه. في حدود الساعة الثانية والنصف فجرا، تدخل عنصر أمن آخر ونزع الأصفاد عن الهالك وقدم له وجبة الطعام”.
في النهاية، ما توفر للمحكمة بيّن أنّ الراحل لم يتوفّ في الحين، لكنه فارق الحياة بعد منتصف الليل، فعلى الساعة الرابعة وعشر دقائق صباحا، تم رصده من طرف الكاميرات طيلة تلك الفترة وهو يجاهد لتحريك رجليه، ما يدلّ أنه منهك تماما حينها. غير أنه على الساعة الرابعة وخمسين دقيقة من فجر اليوم الموالي تمّ تسجيل آخر حركة قام بها بشكل خفيف بتنفسه دون تحريكه لأي عضو.
لكن… حين جرى الاستماع لعناصر الشرطة ومواجهتهم بتفريغات كاميرات المراقبة، أكدوا أن “الهالك كان في حالة هستيرية ساعة إيقافه وأبدى مقاومة عنيفة اتجاههم كما قام بتهديدهم وتوجيه ضربات عدة إليهم، وأن ما قاموا به كان بهدف محاولة تهدئة الضحية ومنعه من إيذاء نفسه أو الاعتداء على عناصر الأمن أو باقي نزلاء الزنزانة”.
أطوار القضية
في النهاية، ارتأت النيابة العامة ضرورة متابعة المتهمين في حالة اعتقال من أجل جنح ارتكاب العنف أثناء القيام بالوظيفة ضد أحد الأشخاص، والتسبب في القتل غير العمدي الناتج عن عدم التبصر وعدم الاحتياط والإهمال. وهي جنح منصوص عليها في الفصول 231 و432 من القانون الجنائي.
كما أنّ دفاع الضحية رافع ليؤكد أن المتهمين في هذه القضية أقدموا على جرائم تعذيب مكتملة الأركان، وبالتالي ضرورة اعتبار ما جرى يدخل في إطار الجرائم وليس الجنح، بما أن الأمر يتعلق بجريمة تعذيب واضحة. وهذا يوضح أنّ الاختصاص لغرفة الجنايات وليس غرفة الجنح.
رغم كل ذلك، تشبّث دفاع المتهمين بكونهم مارسوا واجبهم المهنيّ الذي يحتم عليهم ضبط الأمن. لذلك، فما حدث مجرد حادثة مهنية تدخل في إطار مهامهم التي تستوجب قدرا كبيرا من الحزم، في التدخل لرأب صدع الأحداث المماثلة. لكن الدفاع قال أيضا إنّ الواقعة تدخل ضمن الدفاع الشرعي، إذا ما نظرنا إلى ما اقترفه الهالك من سبّ وشتم وعنف في حقّهم.
من جهته، قال ممثل النيابة العامة أثناء جلسات القضية إنّ “تكييف وقائع القضية تم في إطار فصول المتابعة على وجه سليم لأن التعذيب يتم أثناء الاستجواب وليس خلال مرحلة الإيقاف، ويكون القصد منه انتزاع الاعتراف”.
لكلّ هذه الأسباب، قضت المحكمة بعدم الاختصاص للنظر في القضية وإحالتها على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمراكش.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2
- في اليوم العالمي لمنع الانتحار: لماذا ينتحر المغاربة؟ 2/2
- بوبكر لركو: النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام سيبقى مفتوحا
- بعض من كلام: المساواة في تونس… إنهم يغتالون الإسلام!
- لا أحد يعذر بجهله للقانون… فهل أنت مثقف قانونيا؟
- المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟