إكرام عبدي تكتب: هذا المغرب نحبه!
قد يُصاب المغربي بالغضب والنقمة أحيانا، ويعارض وينتقد مسؤوليه… يقف أمام البرلمان محتجا، مطالبا بحلول لمشاكله الداخلية كأي بلد في العالم. لكن لا مشكلة له مع ألوان وطنه. مشكلته مع عتاة وفاسدين ووصوليين وانتهازيين… في كل المجالات، سولت لهم نفوسهم تدنيس هذا الوطن، والرقص على إيقاع الفساد والابتذال والظلم الاجتماعي…
كَشجرةٍ عَطْشى يُفاجئها المطر؛ انفرجتْ أساريرُ المواطن المغربي بفرح حقيقي لتأهل منتخبه في كأس العالم قطر 2022، مُسْتلاّ أطراف ذاته المتعبة من طاحونة اليومي ليفرح بألوان القلْب، مجدّداً أواصر الحب لوطن حر مشتهى سقفه السّماء، بعراء الملاعب وبحجم امتداد العشب.
يبتهج المواطن المغربي؛ تفيض عينه دمعاً لسماع النشيد الوطني، ويقشعر جسده لرؤية شعلة أمل صغيرة تلوح في الأفق، فينتشي بالقميص الذي يهواه. يختار اللاعب الذي يريده أن يتربع على عرش قلبه، ويلطخ سحنته بالأصباغ التي يعشقها. في عراء الملاعب، يصرخ ملء أنفاسه في حالة من الهوس والجنون والترقب والشغف، لا خوف على تهليله وصفيره وولولته من آذان الملاعب.
لا أعرف إن كان واعيا أم لا، أنه بهوسه الكروي هذا يعتنق دينا جديدا “شِرْكًا حلالا”: دين الكرة اللعُوب المدللّة “معبودة الجماهير”… الابنة الشرعية لأكبر الرأسماليات العالمية العابرة للقارات، وأنه صار حساباً بنكياً لذوي القرار في “فيفا”. لكن، لابأس، فالرأسمالية الهمجية العابرة للقارات أرْحم به من بدائل ظلامية مهزوزة تعمّق من حدّة أزماته وتستغل رزاياه وغصصه لأهدافها الأيديولوجية المحضة، وتزج به في وطن اللاأمان.
لا يهمّه هذا الاستغلال الرأسمالي البشع؛ مادام يبتهج في الملعب كما يجب أن يحيا، بفرح حرّ طليق متروك للصدفة والاجتهاد، وبفلسفة المنافسة الشريفة والتعايش والسّلم والتّشارك واللعب بأبعاده الطفولية الجميلة، وبلغة كونية إنسانية متعالية على كل الإثنيات والطائفية، منزوياً بعيدا عن موته المؤقّت وعن الحسابات السياسية والاقتصادية والإيديولوجيات الوطنية الشوفينية، وحراّس أبواب الجنّة وجهنّم وعسَس الأعْياد والمطر وآذانه الصيفي والشتوي والأحلام المجهضة…
يبتهج المواطن المغربي بتأهل فريقه المنتخب؛ في حالات من الانشراح المذهل والتفريغ الانفعالي والصراخ المشُوب بغضب مرّ بسبب الإجهاض المتكرر لأحلامه، ونشداناً لبطولةٍ ومجدٍ مفتقدين، وتقمّصا لدور اللاعب المقاتل المبتغى.
وهو في الآن نفسه يبتهج بوطنه؛ كانتماء وهوية وآصرة وجدانية وحضن آمن وكحاجة ضرورية على الإنسان إشباعها ليقهر عزلته وغربته حسب «إيريك فروم»، وكحبّ متبادل من المفروض أن يكون متشابك الأخذ والعطاء والحقوق والواجبات، قد يستشعر فيه نوعا من الحيف والإقصاء والتهميش، قد يكون مجبراً على تدمير ذاته وإحراقها أو تركها للحيتان، أو تهجِير جسده ودماغه، للحظوة بحياة جديرة بإنسان يحلم بالعيش الكريم والمساواة والعدالة وتكافؤ للفرص… قد يُصاب بالغضب والنقمة أحيانا، ويعارض وينتقد مسؤوليه… يقف أمام البرلمان محتجا، مطالبا بحلول لمشاكله الداخلية كأي بلد في العالم. لكن لا مشكلة له مع ألوان وطنه. مشكلته مع عتاة وفاسدين ووصوليين وانتهازيين… في كل المجالات، سولت لهم نفوسهم تدنيس هذا الوطن، والرقص على إيقاع الفساد والابتذال والظلم الاجتماعي… مشكلته مع قِوى ظلامية معادية للتنوير، مؤيّدة للفكر القروسطوي الرجعي، أكيد بزوالهما ستتجدّد الدماء وتتوطّد العُرى، وينتصرُ الوطن والإنسان.