الشيخ والشيخة: لا لمجتمع نخافه
لقد كشف هذا النقاش عن توغلنا أكثر في ثقافة الهجوم المتطرف والوصم والشتم والنفاق بنوعيه الأخلاقي والديني بين مختلف شرائح المجتمع من أعلاه إلى قاعه. لكن الذي علينا أن نتوقف عنده طويلا هو ذلك الخوف من الإعلان عن موقفنا بصراحة تجاه القضايا المتنازع عليها مخافة هجوم وتحريض الآخر علينا، وهو أمر ليس صحيا بالمرة في مجتمع نريده حرا.
إذا كان دور الفن هو تحريك الرواكد وخلق نقاش مجتمعي يجدد التعريف والتعرف على القيم والعادات والأخلاق التي تؤطر تعاملاتنا مع بعضنا البعض، وإذا كان البعض قد اعتبر أن الجدل/الصراع القائم حول منتج فني تُجسد فيه الشيخة كـ “مهنة” دورا محوريا، هو جدل صحي يوحي بدينامية المجتمع وتفاعله الكبير مع أحد إنتاجاته الفنية؛ فإن الأمر غير الصحي هو أن هذا الجدل أبان عن تطرف كبير في تعاطينا مع هذا الحدث الفني والذي قسم المجتمع إلى: مع “الشيخة” أو مع “الشيخ”، كما أبان عن ازدواجية وانفصام كبيرين بين سلوكاتنا اليومية و مواقفنا الموسمية!
لكن ما يبدو أخطر من ذلك كله هو ذلك الخوف الذي غلف تصريحات ومواقف بعض الفئات من هذا الجدل، خصوصا في صفوف الممثلين. الردود الضعيفة والمراوغة لبعض الفنانين عند مطالبتهم برأيهم حول هذا الانتقاد الحاد لدور “الشيخة” في المسلسل وحول لباس بعض الممثلاث وسلوكاتهن، والتي تراوحت بين رافض الإدلاء معتبرا أنه ليس مؤهلا “للإفتاء في الأمر”، وبين من اعتبر أنه أدى دورا كان مكلفا به وكفى…
كل ذلك كشف، من جهة، عن هشاشة جسمنا الفني وفقدانه القدرة أو الجرأة عن الدفاع عن دوره وفكرته ومشروعه الفني ككل.
إذا كان المسلسل قد قدم منتوجا جيدا إلى حد ما، بأداء هو أيضا جيد إلى حد ما كما اتفق على ذلك الكثيرون، مما جعله يتصدر “الطوندونس”، فقد كان الأجدر بممثليه أن يكونوا في مستوى هذا الحدث ويدافعوا عن أدوارهم كدور أولا ثم كفكرة يؤمنون بها ويؤمنون أيضا أنها قد لا تكون محط إجماع كل فئات المجتمع.
كانوا بذلك، على الأقل، سينتزعون احترام وتقبل المتفرج وإن خالفهم الرأي. نعلم جيدا أننا، كمجتمع، لم نراكم ثقافة فنية تؤهلنا لتقييم جيد لعمل أو دور فني ما. لكن، كان لمستوى النقاش حول المسلسل أن يأخد منحى أكثر صحة وقيمة لو نوقش كعمل فني يطرح قضايا مجتمعية نعيشها ولم يأت بشىء خارج عنه: أو ليست الشيخة فردا في هذا المجتمع وعلى مر العصور؟ وقدكان ليكون لممتهني الفن وممثلي الأدوار بالخصوص دور كبير في إدارة دفة النقاش بامتلاكهم وامتلاكهن القليل من الجرأة.
خوفهم وخوفهن من ردات الفعل التي قد تهيج الرأي العام “العاطفي” ضدهم وضدهن، وبالتالي سيفقدون ويفقدن الكثير من المتابعين والتعاطف وغيره، ترك العمل في وجه المدفع يتقاذفه متطرفون من الفريقين ليفضي ذلك فقط لمزيد من الخوف من رد فعل المجتمع تجاه أي اختلاف معه.
من جهة أخرى، فقد كشف هذا النقاش عن توغلنا أكثر في ثقافة الهجوم المتطرف والوصم والشتم والنفاق بنوعيه الأخلاقي والديني بين مختلف شرائح المجتمع من أعلاه إلى قاعه، وهو شيء لم نستغربه كثيرا لأسباب موضوعية كثيرة. لكن الذي علينا أن نتوقف عنده طويلا هو ذلك الخوف من الإعلان عن موقفنا بصراحة تجاه القضايا المتنازع عليها مخافة هجوم وتحريض الآخر علينا، وهو أمر ليس صحيا بالمرة في مجتمع نريده حرا.
من هذا المنبر نقول :لا ! لمجتمع نخافه.
مواضيع قد تهمك:
- سناء العاجي: لماذا أحب الحاجة الحمداوية!
- من مصر، ماجد سنارة يكتب: اقتلوهم… إنهم مرتدون!
- هل يريد الداعية… إنقاذ الناس من أنفسهم؟
- التّشكيل والجنس… حين تحاول “التقليدانية” كسر ريشة الفنّان! 1/2
- من مصر، محمد حميدة يكتب: أكذوبة الفن مرآة المجتمع
- دفاعا عن الفن… لا دفاعا عن الفد