هشام روزاق يكتب : أيها القطار… Quo Vadis في مملكة الطوائف؟
… وكنا كلما سألناهم: أين تسيرون بالبلد؟ قالوا: قطار التنمية والديمقراطية والحرية و … وضع على السكة الصحيحة. فاجعة بوقنادل كشفت لنا… أن السكة والقاطرة والقطار ومن ركب القطار…رهينة لحظة …
… وكنا كلما سألناهم: أين تسيرون بالبلد؟ قالوا: قطار التنمية والديمقراطية والحرية و … وضع على السكة الصحيحة.
فاجعة بوقنادل كشفت لنا… أن السكة والقاطرة والقطار ومن ركب القطار…رهينة لحظة زيغ.
لحظة… يزيغ فيها القطار عن سكته. تنحرف فيها القاطرة عن طريق مثخن بالانحراف.
انحراف قطار بوقنادل، ليس في النهاية، سوى بعضا من انحرافات قديمة، منحت للانحراف حصانة، وجعلت البلد… أشبه بمحطات طرقية ثانوية، يقيم فيها المؤقت ويسكنها الفراغ… وتعيش يومها في انتظار العابرين.
في بلدي، لم ينحرف قطار بوقنادل وحده عن سكته، عن طريقه.
في بلدي … انحرف الطريق عن السكة، وزاغت القاطرات عن المقطورات… وعن شعب من المقطورين قسرا، لصالح ركاب درجة أولى، “قطر بهم السقف”، في غفلة عن قوانين الأسبقية والأحقية. ركاب… كان يفترض فيهم أن ينزلوا في محطات كثيرة سابقة، لكنهم تحولوا فجأة، إلى سائقي عربات لم تعد أصلا صالحة للسير.
في بلدي… اتخذ بعضهم قرارا مجنونا منذ زمن، كي يجعلنا مثل قطار بوقنادل وضحاياه.
في بلدي… نحن جميعا ركاب قطار سقط بعض ركابه ضحايا انحراف، وسقط آخرون حين دهسهم في طريقه، وسقط كثيرون لأن القطار أصلا لا يمر من جغرافيات مغربهم المنسي المهمش… وسقط الباقون، حين سقط معنى البلد.
نحن جميعا ركاب قطار… تآكلت عرباته، ونخر الصدأ سككه وتعطلت محركاته. قطار متوقف منذ زمن، لكن… لا أحد يستطيع ولوجه دون أداء ثمن التذكرة. نؤدي الثمن، ليس كي نقصد وجهة معينة، ولكن فقط… كي نضمن نصيبنا من جرعة الإدمان على التوقف.
في بلدي… قطار بوقنادل، ليس أول الفاجعة.
في بلدي … انحرف الطريق عن السكة، وزاغت القاطرات عن المقطورات… وعن شعب من المقطورين قسرا، لصالح ركاب درجة أولى، “قطر بهم السقف”
قبل قطار بوقنادل… انحرف قطار التعديلات الدستورية الذي أسس له خطاب الملك في 9 مارس 2011 عن مساره، وعادت السياسة ببنكيرانها ومن معه، إلى حيث لا معنى للمؤسسات خارج رضى المخزن، ولا معنى لفصل السلط خارج عقيدة الطاعة للسلطة.
إقرأ أيضا: في حادث مأساوي… قطار يحيد عن سكته بالمغرب موديا بحياة 6 ركاب ومخلفا عشرات الجرحى
انحرف قطار البلد، حين انتفض شباب المغرب ذات 20 فبراير، يطالبون بدولة مؤسسات وفصل سلط، فداهمهم حرفيو السياسة بدولة غيرت بعضا من الشكل، وحافظت على كل جوهر السلطة.
… انحرف القطار في بلدي، حين عرف المغاربة أسماء المستفيدين من ريع النقل، وظل الريع والنقل خارج لغات العقل.
انحرف القطار… حين تابع المغاربة أسماء وعناوين وصفات المفسدين كما وردوا في تقارير “جطو”، واكتشفوا أن محاكم الممكلة، لا علم لها بـ “جطو” وتقاريره.
انحرف القطار… منذ فهم الكثيرون منا، أن الكثير من جمعيات ما يسمى بالتنمية البشرية، صارت مرتعا لحرفيي امتهان البشرية قبل التنمية.
انحرف القطار… منذ تحول المغرب، بقدرة عابث، إلى ما يشبه رقعة شطرنج خارج كل قوانين الشطرنج.
رقعة شطرنج… توافق اللاعبون (بها) أو فيها، على ألا تنتهي اللعبة قط، وعلى ألا يخسر أي لاعب منهم “بيدقه” …
توافقوا… على أن يجعلوا البلد لعبة أبدية، وأن “يؤبدوا” البيادق… وأن يجعلوا من حلم بلد ممكن للجميع، لعبة يحتكرها البيادق…
انحراف قطار بوقنادل، ليس في النهاية، سوى بعضا من انحرافات قديمة، منحت للانحراف حصانة، وجعلت البلد… أشبه بمحطات طرقية ثانوية، يقيم فيها المؤقت ويسكنها الفراغ… وتعيش يومها في انتظار العابرين.
هكذا…
تحول البلد في لحظة، إلى ما يشبه مملكة الطوائف.
… للسياسة طائفتها، وللطائفة سادتها ووجهاؤها… وكثير من عبيد وجواري، ولها إقطاعاتها وريعها وامتيازاتها… ولها المال العام.
وللصحافة ريعها المقدم كدعم تارة، والمندس في صيغة “تشجيع على المقروئية” تارة أخرى (ولنا عودة للموضوع) … غير أن الاختلاف هنا، أن طبقة السادة، تختفي في الصحافة، كي نجد أنفسنا أمام المكلفين بمهمة و”الرقاص” (أي ناقل الأخبار بالمعنى الدارج) … وطبقة الصعاليك الذين رفضوا الطائفة فأبعدتهم ونفتهم خارج ريعها…
وللاقتصاد طائفته، لدرجة أن رجال وسيدات الأعمال في المغرب، لم يستطيعوا شيئا … أمام قرار جعل فاشلا في السياسة والاقتصاد، رجلا لم ينشئ يوما مقاولته الخاصة… رئيسا عليهم.
إقرأ لنفس الكاتب: دولة تجدد نــ(ــحــ)ــبها!!
وللثقافة طائفتها… إذ ليس مهما اليوم أن تكون مثقفا أصلا، ولكن… يكفيك فقط أن تنال نصيبك من المال العام والريع والإعلام الرسمي غير المستقل مقابل الصمت، او مقابل التطبيل… أو مقابل قبول شروط اللعبة، كي تكون مثقفا … (سنعود لهذه القضية يوما، في حالة أحد “المغارضين” الذي … بمجرد ما قابل وزير الثقافة ووعده بتمويل مشاريعه (الثقافية) أصبح خير المداحين في زمن الرثاء) …
… انحرف القطار في بلدي، حين عرف المغاربة أسماء المستفيدين من ريع النقل، وظل الريع والنقل خارج لغات العقل.
انحرف القطار… حين تابع المغاربة أسماء وعناوين وصفات المفسدين كما وردوا في تقارير “جطو”، واكتشفوا أن محاكم الممكلة، لا علم لها بـ “جطو” وتقاريره.
في النهاية، هي مملكة طوائف… الفاشل هنا، يعاقب بنقله إلى هناك، والفاسد هنا… تقضى حاجته بالصمت عليه، كي يمنح منصبا خارج الضجيج.
… لا تستغربوا كثيرا إذا ما فاجأكم قريبا، قرار منح برنامج تلفزي لشخص لا يثقن صياغة خبر صحافي.
ولا تستغربوا… إن صار بنشماش رئيس الغرفة الثانية للمرة الثانية (لله الأمر من قبل ومن بعد).
ولا تستغربوا… إن تأبدت رئاسة العنصر لحزب الحركة، ورئاسة لشكر لانتحاره الاشتراكي ونبيل بنعبد الله لكائنه الميكروسكوبي وأخنوش للحزب الذي فصل على المقاس (مقاس من؟ الله أعلم) …
لا تستغربوا… فنحن في النهاية، ركاب قطار متوقف… لكننا لا نستطيع تخيل رحلتنا بدونه.
نحن ركاب قطار توقف في كل شيء… في الصحة والتعليم والنقل والخدمات والحقوق و… لكننا نصر على ركوبه، كي لا نضيع الطريق!!
انحراف قطار بوقنادل، ليس في النهاية، سوى بعضا من انحرافات قديمة، منحت للانحراف حصانة، وجعلت البلد… أشبه بمحطات طرقية ثانوية، يقيم فيها المؤقت ويسكنها الفراغ… وتعيش يومها في انتظار العابرين.
…تقول المحكيات إنه، حين كان “نيرون” يعيث بالمسيحيين تنكيلا في روما، حاول القديس بطرس الهرب منها، فصادف في طريق هربه، المسيح عيسى…
القديس بطرس سأل المسيح: (Quo Vadis?) أي إلى أين تذهب؟ … فأجابه المسيح: إلى روما كي أصلب من جديد.
ترى… إلى أين يهرب الناجون من قطار متوقف لا يجيد غير الانحراف؟؟؟
إلى أين نهرب، من بلد أثخنه الريع والفراغ والانحراف؟
من بلد حول جل ثرواته ومشتركه، إلى ما يشبه مملكة طوائف؟
قديما… قال الكبير غرامشي:
“الأزمة… هي تلك اللحظة التي يموت فيها القديم، ويستعصي الجديد فيها… على الولادة”
أما نحن…
فلا قطارنا القديم مات،
ولا عربات القطار مؤهلة لإجراء عمليات ولادة…
… وهذا بعض من كلام!
كل مرة كانت مقالاتك تتجول بي عندما اسافر بين كلماتها بين خنق وغضب وابتسامة ساخرة على الشفتين….. الا هذا المقال لقد أصبت به في مقتل ….
تحياتي لك أيها الرائع ودمت متألقا … ودمت مدللا للكلمات الحرونة وموزعا عبقا فريدا من خلال مقالاتك الرائعة