هدى شعراوي… هذه حكاية “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
أن تقرر مصرية النضال في عهد الاستعمار، فهي تعرف حتما أنها ستصارع على جبهتين: جبهة أولى ضد المستعمر نفسه، وثانية ضد المجتمع المحافظ الذي يرفض أي ظهور للنساء في المجال العام.
… وتلك كانت سيرة امرأة تدعى هدى شعراوي، صارت تعرف برائدة حركة تحرير النساء في مصر… كما نتابع في هذا البورتريه.
رفاهية بائسة
ولدت نور الهدى محمد سلطان في المنيا؛ إحدى مدن الصعيد المصري، في الـ23 من يونيو 1879م.
كان أبوها، محمد سلطان باشا، من علية القوم؛ يترأس المجلس النيابي الأول في عهد الخديوي توفيق، سادس حكام مصر من الأسرة العلوية.
ولأنه كذلك، كانت هدى محظوظة، فقريناتها آنذاك لم يكن يملكن أن يتابعن دراستهن. أما هو، فقد استقدم من يعلمها في البيت؛ اللغات، فن الخط… العزف على البيانو أيضا.
لكنّ هدى، وبفطرة طفل، ظلت تلاحظ أن ثمة خطب ما… أنّ الأسرة تؤثر أخاها الأصغر وتحفه بمعاملة خاصة.
ما زالت الطفلة تتساءل حتى فوجئت بموت أبيها. ورغم وجود الأم، انتقلت الوصاية، كما تفرض عادة المجتمع، إلى ابن عمتها علي شعراوي.
… فلم تكد تطفئ شمعتها الثانية عشرة، حتى صار لقبها “شعراوي” بعدما زُوّجت لابن العمة الذي كان يكبرها بنحو أربعين عاما!
منع عليّ زوجته من عزف البيانو، وحدّ حريتها على نحو أصابها بالاكتئاب، تقول في مذكراتها.
حين عاد سعد زغلول عام 1921، وأثناء وصوله، خلعت هدى نقابها في خطوة جريئة وغير مسبوقة.
لكنّ عليا عاد بعد عام إلى زوجته السابقة، فانفصلت عنه هدى مستعيدة حريتها وإن دون طلاق رسمي. دام الانفصال لسبع سنوات قبل أن يعودا إلى بعضهما.
سافرت هدى في هذه الفترة إلى فرنسا للاستشفاء من الاكتئاب، وهناك خالج نفسها أن تنال المرأة المصرية شيئا من حقوق الفرنسيات.
لاحقا، حين عادت إلى مصر، سمحت لها إجادة اللغة الفرنسية بتكوين صداقات مع نساء يحملن همّ تحرير المرأة، أبرزهن واحدة تُدعى أوجيني لو بران.
من خلع النقاب… إلى “حذف نون النسوة”
أخذت أفكار هدى ترى النور مع بداية القرن العشرين… محتشمة لكن فارقة في مجتمع تسطو فيه المؤسسة الدينية على جميع المبادرات الخيرية.
مع رفيقاتها، أسست عام 1907 جمعية لرعاية الأطفال، ثم بعد عامين أنشأت مستوصفا لعلاج الفقراء.
ثمّ بعد ذلك، ولسنوات، راحت تعقد منتديات وتكتب مقالات تدعو إلى قيام المرأة بأدوار تتجاوز نطاق الأسرة؛ تدافع عن حقها في التعليم والعمل.
في رئاسة هدى، اتخذ الاتحاد العربي هذا قرارات لافتة آنذاك، منها المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجال، تقييد حق الطلاق، الحد من سلطة الولي، تقييد تعدد الزوجات، والجمع بين الجنسين في التعليم.
… وحملت الهمّين: تحرير المرأة وتحرير مصر.
في أواخر الحرب العالمية الثانية، حدث أن أسس زعماء الحركة الوطنية المصرية وفدا يُطالب بالاستقلال عن بريطانيا.
واجه المستعمر الخطوة بنفي الوفد الذي ترأسه سعد زغلول.
… هذه المرة، كان الدافع أقوى من المجتمع المحافظ الذي يرفض أي ظهور للمرأة في المجال العام.
قادت هدى مظاهرات نسائية عارمة تطالب بإعادة الوفد من المنفى، أعقبتها بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات، التي انتخبت رئيسة لها.
حين عاد سعد زغلول عام 1921، وأثناء وصوله، خلعت هدى نقابها في خطوة جريئة وغير مسبوقة.
تقول في مذكراتها: “رفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي سيزا نبراوي، وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه. تلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافرا لأول مرة بين الجموع، فلم نجد له تأثيرا أبدا، لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته”.
بعد سنوات، دعت هدى إلى إنشاء جمعية نسوية مستقلة تدعم المرأة المصرية وتطالب بحقوقها.
من رحم هذه الفكرة، ولد الاتحاد النسائي المصري، الذي انتخبت رئيسة له. لاحقا، أسهمت هدى في تأسيس الاتحاد النسائي العربي، الذي صارت رئيسة له أيضا عام 1935.
في رئاسة هدى، اتخذ الاتحاد العربي هذا قرارات لافتة آنذاك، منها المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجال، تقييد حق الطلاق، الحد من سلطة الولي، تقييد تعدد الزوجات، والجمع بين الجنسين في التعليم.
ذهب إلى حد تقديم اقتراح إلى المجامع العلمية العربية بحذف نون النسوة من اللغة العربية.
ثمّ في نهايات عام 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين… وبينما كانت هدى شعراوي في الـ12 من دجنبر تكتب بيانا من فراش المرض، تطالب الدول العربية بالوقوف صفا واحدا أمام ما يحدث… توقف قلبها عن النبض.
“جانب مظلم”
يرى البعض أن هناك مبالغة في تقدير الدور الذي لعبته هدى شعراوي في مسار تحرير المرأة المصرية.
يقول هؤلاء إن أصحاب الثروات آنذاك أرادوا امتلاك الريادة في كل المجالات، وكذلك حدث مع هدى، بتنصيبها رائدة للحركة النسوية في مصر.
كل ما قامت به هذه المرأة، بحسبهم، لم يكن سوى لتنظيف صفحة الإقطاع، ذلك أنها “امتلكت 120 ألف فدان وعدة مصانع”.
إحدى المناطق المظلمة أيضا في سيرة هدى، دورها في العلاقة التي كانت تجمع ابنها محمد بمغنية تدعى فاطمة سري.
تزوج ابنها سريا من فاطمة، فحملت منه، لكنه لم يكن يريد أن ينسب الطفل إليه. حين علمت هدى شعراوي بذلك، راحت تقدم إغراءات مادية هائلة لفاطمة لتنأى عن الفكرة.
كتبت الصحافة آنذاك عن القضية، وعن تنكيل هدى بفاطمة وتصرفها على خلاف ما كانت تدعو إليه… في الأخير، نسبت المحكمة الابنة ليلى إلى أبيها محمد شعراوي.
ثمة حكاية أخرى في هذا الصدد تتناولها الكاتبة نوال السعداوي في كتابها “توأم السلطة والجنس”.
تقول إن هدى كانت على علاقة جيدة بالملك فاروق، الذي فارقته زوجته فريدة وأصرت على الطلاق منه بسبب خياناته المتتالية لها.
هدى، تقول السعداوي، وخلاف ما كانت تدعو إليه، سافرت إلى الاسكندرية لتحاول إقناع الملكة بالعودة إلى الملك.
ثم حين رفضت فريدة الفكرة جملة وتفصيلا، غضبت هدى وقالت لإحدى مساعداتها إنها كانت تظن أن الملكة رزينة عاقلة… والعهدة على الراوي!
مع ذلك، يظل اليوم لاسم هدى شعراوي وزن بارز في حكاية نضال المرأة المصرية، سواء ضد المستعمر البريطاني أو من أجل نيل حقوقها.