هؤلاء النساء لا يكشفن وجوهَهن للمحارمِ، أزواجهن وأبنائهن… ولا للنساء حتّى!
هؤلاء النساء تمسّكن بما وجدن عليه أمّهاتهن، فلا سطوةُ الفكر الوهابي غَيّرتهن، ولا “بأس” الرّجل البدوي… ولا فعَلَ ميلُ الطبيعة البشرية إلى الحرّية.
… ماذا عن ابنٍ لم يرَ وجه أمّه قط؟ ولا الابنةُ؟ ولن يرياه إلى الأبد!
إنْ كنتَ منتشيا بإجابة سريعة مثل أنّ الأم توفيّت وهما في المهد، فماذا إذن عن أبٍ لم يرَ قطّ وجهَ الأم تلكَ، زوجتُه؟ ولن يراه أبداً هو أيضا!
كثيرا ما يحدثُ أنّ العادةَ تكون أكثر إلزاماً من أي نوع آخر من القوانين ولو كانت “إسلامية”…
حسناً… إنها حكايةٌ أغربُ من الخيال -يُمكنك تصديقها مع ذلك-، ففي السعودية نساءٌ لا يكشفن عن وجوههن لأزواجهن، ولا للمحارم بما فيهم أبناؤهن!
… حكايةٌ نتابعُ تفاصيلَها في هذا الملف، الذي كان يُمكن أن تنتهيّ فقراته، كلّها، بـ”علامة تعجّب” لا لشيءٍ سوى لأنّ التقويم يُشير إلى أنّنا في عام 2024م.
التّبرقع…
النّقاب أو البرقع، أو ذلك الثوب الذي يُصيّر المرأة كُتلةً سوداء مُتحرّكة؛ أيا كان اسمه، ليس باختراع وهابيّ…
آيةُ ذلك أنّ نساء طائفة الحريديم اليهودية في “إسرائيل” يلبسنَه أيضا، وثمّة من يَرجع بأصوله إلى اليهود الأوائل.
اقرأ أيضا: على هامش قضية “نقاب” تلميذة شفشاون: هل أطفالنا مِلكٌ لنا؟
هنالك شيء من هذا القبيل في الإنجيل (تك15:38): “فنظرها يهوذا وحسبها زانية، لأنها كانت قد غطت وجهها”.
كثير من الأزواج والأبناء تعوّد، وصار غيرُ الطبيعي أن يروا وجوه زوجاتهم وأمّهاتهم…
سبق في “مرايانا” أن أفردنا ملفا خاصا للجذور التاريخية لفكرة تحجيب النساء… وفي المجمل، ثمّة نقاشٌ حول ظهور فكرة تغطية الوجه لدى العرب…
يشير البعض إلى أنها انتقلت إليهم من البيزنطيين غداة “الفتوحات العربية“، بينما يجد بعضٌ آخر أنّ نساءً ارتدينه في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام… الآراء متعددة ها هنا ولكلّ ما يستند إليه.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: الحجاب والإسلام – 1\3
أيّا يكن، فالفكرة شائعةٌ اليومَ هناك… سواء بنسبها إلى “الشريعة الإسلامية” وتلك إحدى مُحدَثات الوهّابيين، أو ببساطة لأنها عادةٌ توارثوها حتّى صارت أكثر تأصّلا ممّا أتى به الدين نفسُه.
أبعدُ من ذلك…
كثيرا ما يحدثُ أنّ العادةَ تكون أكثر إلزاماً من أي نوع آخر من القوانين ولو كانت “إسلامية”…
وهّابيو السعوديّة، أنفسهم، حين يعدّون وجه المرأة “عورةً”، ويفرضون على نسائهم عدم كشفه أمام الرجال، يستثنون المحارم والنساء…
الفكرة شائعةٌ اليومَ هناك… سواء بنسبها إلى “الشريعة الإسلامية” وتلك إحدى مُحدَثات الوهّابيين، أو ببساطة لأنها عادةٌ توارثوها حتّى صارت أكثر تأصّلا ممّا أتى به الدين نفسُه.
لكنّهم حاروا في نساءٍ ذهبن أبعد من ذلك… أبعد من ذلك بكثير حتّى!
نساءٌ لا يكشفن وجوههن… لأيّ كان! ولا للنّساء أيضا!
حاروا، ويا للمُفارقة، في كونهن متشدّدات… إلى هذا الحد!
اقرأ أيضا: عبد الإله إصباح يكتب: تحرير الإسلام من الأصولية
هؤلاء النساء تمسّكن بما وجدن عليه أمّهاتهن، فلا سطوةُ الفكر الوهابي غَيّرتهن، ولا “بأس” الرّجل البدوي… ولا فعَلَ ميلُ الطبيعة البشرية إلى الحرّية.
… وهذه تفاصيل الحكاية
تنتشر هذه العادة لدى بعض القبائل السعودية، في قرى الطائف خصوصا، وهي إحدى كبريات المدن هناك؛ تقع غرب شبه الجزيرة على مبعدة حوالي 75 كلم من مكّة.
في تحقيق نشرته صحيفة الحياة اللندنية، قبل أن تُغلق، تَرِد حكايات واقعيةٌ لأشخاص لم يسبق أن شاهدوا وجه المرأة الذي كان يُفترض أن يصبحوا ويمسوا عليه…
حاول الضغط على زوجته ليرى وجهها، مُخيّراً إياها بين كشفِه أو الزواج بامرأة أخرى… فاختارت “الضّرّة” على أن تكشف وجهها!
فهذا مُفلحٌ أنجب مع زوجته خمسة أطفال في زيجة امتدت لعشر سنوات… دون أن يرى وجهها.
وهذا هلال تُوفيت زوجته في حادث سير… حين طلبوا منه التعرف إليها لاستكمال إجراءات الدفن، لم يدرِ ما يقول، ذلك أنه لم يرَ يوما وجهها.
الطريف في هذه الواقعة، يورد موقع “العربية.نت” في أحد مقالاته، أنّ الزّوجَ طلب وضع برقع على وجه زوجته ليتعرّف إليها!
شاهد أيضا: فيديو: ألفة يوسف تقول: الحجاب ليس فرضا في الإسلام
إحدى المُعلّمات أيضاً ألحّت في كشف اثنتين من تلميذاتها وجههما، لكنّها فشلت في إقناعهما رغم أنّه لا يوجد رجل واحد داخل أسوار المدرسة.
وهذه حكايةٌ أخرى ترويها طالبة تُدعى هند لصحيفة عُكاظ السعودية. حاول أحد أقاربها الضغط على زوجته ليرى وجهها، مُخيّراً إياها بين كشفِه أو الزواج بامرأة أخرى.
… فاختارت “الضّرّة” على أن تكشف وجهها!
أمّا ذاك الذي تجرّأ على كشف وجه زوجته خلال نومها، إذ ضاق صبره بعد ثلاثين عاما من الزواج دون أن يراه، فكان مصيره أنْ طلبت الزّوجة الطلاق.
أمّ سعد قالت، من جهتها، إنّها اعتادت على ارتداء البرقع منذ أن كانت طفلة. صارت اليومَ في عقدها السابع ولم يحدث أن رأى زوجها أو أبناؤها وجهها مرة ما، مُؤكدةً أن النساء حولها كلّهن، “مبرقعات”، منذ أخذت تعي.
أشارت، أكثر من ذلك، إلى أن بعض نساء جيلها يرفضن الأكل مع أزواجهن في طاولة واحدة خشيةَ أن يسترقوا النظر إلى وجوههن أثناء الأكل!
اقرأ أيضا: من سوريا، نُعمى فواخرجي تكتب: عندما قررت أن أعيش!
الواقع أنّ ثمة من النساء من حاولن القطع مع هذه العادة، مثل عبطة، التي قالت لصحيفة المراسي السعودية إنها حاولت، منذ زواجها، أن تُغيّر شيئا من ذلك في بيتها على الأقل، بعد مشورة زوجها، المُتعلّم، الذي شجعها على خلع البرقع.
لكنّ عبطة، إذ أصرّت على استقبال ضيوفها من الأقارب دون أن تُغطّي وجهها، وُوجهت بنظرات الازدراء والاحتقار.
حتى إنّ إحدى قريباتها قالت لها: “عيب ما تستحين على وجهك إذا كان الأكبر منك ما سووها”.
عبطة أكدت أنها تعوّدت على مواجهة من ينتقد ما أتته من تغيير بقوة وشجاعة وصبر.
بعض النساء يرفضن الأكل مع أزواجهن في طاولة واحدة خشيةَ أن يسترقوا النظر إلى وجوههن أثناء الأكل!
أمّا ذاك الذي تجرّأ على كشف وجه زوجته خلال نومها، إذ ضاق صبره بعد ثلاثين عاما من الزواج دون أن يراه، فكان مصيره أنْ طلبت الزّوجة الطلاق.
تلك حكاية أخرى توردها صحيفة الرياض السعودية، حيث كتبت إن الزوجة غادرت المنزل على غضب بالغ، قائلة إنّه “بعد هذا العمر، يُحاول ارتكاب خطأ كبير”!
يقول في ذلك أحد المعلقين على موقع الصحيفة: “ليس تخلفا أو جهلا بل عادة، ولكل قبيلة أصيلة طبعٌ… هذه احترمت التقاليد على الأقل؛ أفضل من التي لم تحترم الدين وكشفت عن مفاتنها في الشوارع والأسواق”.
بعضُهم الآخر، سعوديّون أيضا، لم يصدقوا أن في بلادهم عادة مثل هذه.
أمّا الأزواج والأبناء فكثير منهم تعوّد، وصار غيرُ الطبيعي أن يروا وجوه زوجاتهم وأمّهاتهم…
… إلى أن “يُحدِثَ الله أمرا”، فللناس في ما تعوّدوا… غَرائب!
قرأت باهتمام مقال ” كريم الهاني” عن التطرف في ارتداء النقاب في بعض مناطق السعودية. تعليقي على استشهاد الكاتب بأنه ذكر في الإنجيل (بين قوسين تك. ” تكوين” 38 – 15). هذا دليل عن جهل صارخ بكتابنا المسلمين، الذين لا يميزون بين الإنجيل والتوراة التي سبقت المسيحية، ويعتبرون بشكل عام أنه لا ضرورة في التعرف على أديان أخرى ما داموا قانعين بأن الله قد اختار دين الإسلام فقط للبشر بعد نزول القرآن.
إن كان هذا الموقع مخصص للقراء المسلمين، فلا بأس!