هل لا زلنا في حاجة لرجال الدين والفقهاء والمرشدين والواعظين؟
أتساءل دائما هل كل هذا الطاقم الديني من صنع الله أم من صنع الديانات أم من صنع الإنسان؟ عندما أراجع تاريخ بداية أي دين كان، لا أجد عالما ولا فقيها …
أتساءل دائما هل كل هذا الطاقم الديني من صنع الله أم من صنع الديانات أم من صنع الإنسان؟ عندما أراجع تاريخ بداية أي دين كان، لا أجد عالما ولا فقيها ولا قسيسا ولا حاخاما تكوَّنوا على أيدي الرسل. كما لم أجد أي رسول شكل في حياته طاقما دينيا من هذا القبيل. بل ظهرت كل هذه الأطر الدينية سنوات عديدة بعد موت الرسل.
هناك رجال من كل الديانات و لأسباب عديدة، خلقوا الحقل الديني لتبرير سلطتهم على المؤمنين، ووضعوا أنفسهم كواسطة بين الفرد والخالق
كلما اطلعت على الكتب الدينية المنزلة على الرسل، لا أرى في أي سطر أن الله يتوجه إلى هذا الطاقم الديني على الخصوص، بل أجده يتوجه إلى الرسول المختار وإلى كل فرد من المجتمع وتارة أخرى إلى الإنسانية جمعاء وإلى كافة المؤمنين.
اقرأ أيضا: حسين الوادعي: الكذب في سبيل الله… أو ماركس حنيفا مسلما
لكن، هناك رجال من كل الديانات و لأسباب عديدة، منها ربما الاستغلال المادي والسياسة والسيطرة على المجتمع، خلقوا الحقل الديني لتبرير سلطتهم على المؤمنين، ووضعوا أنفسهم كواسطة بين الفرد والخالق. اخترعوا علما وهميا بدايته كلام وآخره كلام. يعتبر هؤلاء أنفسهم علماء في الدين ولا أحد سِواهم بإمكانه إدراك هذا العلم الديني، اللهم إذا سُمح له بالدخول في دائرتهم. ولكي يستطيع المؤمن أن يصل إلى درجات عالية من الإيمان والدخول إلى الجنة، لا بد له أن يشتري “كيفية الاستعمال الديني” التي تبقى في قبضة رجال الدين فقط.
لقد رأينا عبر التاريخ أنه، كلما ظهر رسول جديد، إلا وقام علماء الدين السابق بتنظيم هجوم مخطط وممنهج ضده؛ بينما كان أول المؤمنين بالرسالة الجديدة أميون
هل كان لِرجال الدين دور في الماضي؟
في وقت مضى لم تكن هناك مطبعة لطبع الكتب الدينية والمقدسة، كما أنه لم توجد مدارس. كان غالبية الناس يجهلون القراءة والكتابة. لهذا، كانت هناك حاجة لمن يرشد ويوجه المؤمنين ويطلعهم على محتوى الكتب المقدسة. للأسف، هنا سقط علماء الدين في فخ الغرور وجنون العظمة، واغتروا بمكانتهم التي كان يُخوِّلها لهم المؤمنون الأميون.
اقرأ أيضا: الدعوة إلى الله… سوق رائج يصنع النجوم
مع التبرعات المالية وامتلاء الخزينة، بدء استغلال بساطة وسذاجة المؤمنين. هذا الأمر جعل ثروات المؤسسات الدينية تتجاوز في بعض الأحيان ثروات عدة بلدان فقيرة.
ما هو دور رجال الدين حاليا؟
مع انتهاء زمن الجهل، وبفضل تعلم القراءة، أصبح كل مؤمن قادرا على الإطلاع على ما في الكتب المقدسة دون واسطة؛ وأدرك أن الله يتحدث مباشرة معه. تحرر المؤمنون من قبضة رجال الدين الذين أدركوا خسارتهم، فلجؤوا إلى السياسة مبررين خطواتهم بإحياء وإرجاع الدين لمصلحة الوطن.
هل الدين علم، بالفعل؟
لو كانت الديانات علما، لكان الحصول على شهادة عليا في العلوم الدينية ضروريا ليستطيع الإنسان دراسة دين معين كي يقرر الإيمان به أم لا. حسب هذا المنطق، علينا أن نرفض إيمان المؤمنين الأولين لأنهم كانوا أميين ولا علم لهم بعلوم الدين.
لقد رأينا عبر التاريخ أنه، كلما ظهر رسول جديد، إلا وقام علماء الدين السابق بتنظيم هجوم مخطط وممنهج ضده؛ بينما كان أول المؤمنين بالرسالة الجديدة أميون، فكيف لنا أن نفسر هذا بينما كان على العكس أن يحدث؟
لو كانت الديانات علما، لكان الحصول على شهادة عليا في العلوم الدينية ضروريا ليستطيع الإنسان دراسة دين معين كي يقرر الإيمان به أم لا
الدين في القلوب أم في العقول؟
نرى من هذه الأمثلة التاريخية والواقعية أن الدين محله القلب وليس العقل. عندما يصبح الدين علما ذهنيا، تصبح نتائجه عقيمة. لهذا، يرفض علماء الأديان أي دين جديد لأنهم يستقبلونه بأذهانهم، وإذا تحولوا إلى الدين الجديد يُودّعون في الحال مراتبهم الاجتماعية ومصالحهم المادية. فمثلا، إذا آمنت الكنيسة بالإسلام وأصبح طاقمها مسلما، فقد تفقد سلطتها رمشة عين!
لهذا نرى أن المؤمنين الأولين لا يتوفرون على أي علم ديني، لكن قلوبهم مفتوحة لاستقبال الكلمة الإلهية.
*جواد مبروكي طبيب ومحلل نفساني مغربي
اقرأ أيضا: لهذا اخترت العلمانية