ما بعد كورونا… إنصاف الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم 1/2
بالإضافة إلى قصور في التشريع الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن هذه الفئة تعيش واقعا صعبا بسبب ضعف السياسات العمومية المعتمدة في تدبير ملف الإعاقة.
البديل التنموي لهذه الشريحة من الأفراد، يجب أن يقوم على أساس مبدئي، يتمثل على الخصوص في إقرار مبدأ مسؤولية الدولة والمجتمع في تعليم الشخص ذو الإعاقة، وتدليل الصعوبات والعوائق بما يضمن له سلاسة الولوج إلى المؤسسات التعليمية والخدمات التي توفرها.
علقت الدراسة في المملكة المغربية منذ منتصف مارس. ومع اعتماد نظام للدروس عن بعد، أعلن الوزير سعيد أمزازي أن التحاق التلاميذ بالمدارس سيكون في شتنبر المقبل. فماذا عن تمدرس الأشخاص ذوي الإعاقة ما بعد الجائحة؟
إذا كانت الدولة المغربية بمؤسساتها الحكومية تعمل من أجل النهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفاءً بالتزاماتها الدولية، فإن مقاربة الخير والإحسان لا تزال مستمرة، وهو ما يجعل معالجة موضوع حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم غير شمولي.
كما تجدر الإشارة إلى عدم استيعاب الدولة لالتزاماتها بعد المصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، رغم أن اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التقارير الأولية للدول الأطراف، ذكرت أن المغرب يولي عناية خاصة لحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، حيث أصدر بهذا الخصوص منذ نونبر 1963 قانون إلزامية التعليم الأساسي، المغير والمتمم بمقتضى قانون 00-04 الصادر في 19 ماي 2000.
أقرت مقتضيات هذا القانون بإلزامية التعليم الأساسي لجميع الأطفال المغاربة البالغين 6 سنوات، وأقرنته بعقوبات زجرية في حالة المخالفة، كما دعا الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في دعامته 14، إلى تحسين ظروف المتعلمين والعناية بالأشخاص ذوي الإعاقة أو الذين يواجهون صعوبات جسمية أو نفسية أو معرفية، في التمتع بالدعم اللازم لتخطيها. كذلك، عملت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على إصدار مجموعة من المذكرات والقرارات والدلائل التي تهم الجوانب التنظيمية والتربوية، والخدمات الصحية والاجتماعية في مجالي تكوين الأطر والشراكة.
إن التمدرس والطلب على التعلم والتكوين أصبحا من حقوق الإنسان، وواجبا تلتزم به الدول حسب الاتفاقيات الدولية، وتعتبر النظم التربوية أنساقا متكاملة تعنى بتعليم وتكوين الناشئة من رياض الأطفال إلى الجامعة أو المدارس العليا مرورا بمستويات متوسطة عامة أو حرفية.
إضافة إلى ذلك، فالنظم التعليمية أصبحت نظامية في مجملها، إذ تتحكم فيها الحكومات عبر سياساتها واقتصاداتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي. أضحى تقدم الدول يقاس اليوم، من بين ما يقاس به، بقدرتها على استيعاب الناشئة وتعليمها تعليما نافعا. لذا تحتاج النظم التربوية والتعليمية إلى اعتماد المزيد من الأساليب التي تركز على المتلقي، مع تغيير المناهج الدراسية وطرق ومواد التدريس ونظم التقييم والامتحانات.
اقرأ أيضا: مريم أبوري تكتب: هلوسات اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة
بالإضافة إلى قصور في التشريع الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن هذه الفئة تعيش واقعا صعبا بسبب ضعف السياسات العمومية المعتمدة في تدبير ملف الإعاقة، بحيث يجب أن يقوم البديل التنموي لهذه الشريحة من الأفراد على أساس مبدئي يتمثل على الخصوص في إقرار مبدأ مسؤولية الدولة والمجتمع في تعليم الشخص ذو الإعاقة، وتدليل الصعوبات والعوائق بما يضمن له سلاسة الولوج إلى المؤسسات التعليمية والخدمات التي توفرها.
إن الهدف الحضاري والاجتماعي في التعامل مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة هو جعلهم يشكلون هوية ذاتية متجاوزة لإعاقتهم، أي ذوات اجتماعية متحررة من هوية الإعاقة، فالمقاربة الحكومية تعتمد على سياسة الدمج عن طريق البرامج التعليمية والتأهيلية.
إن الإدماج في الأقسام العادية يحقق مفهوم المدرسة الجامعة، الذي يعني المدرسة القادرة على تلبية الاحتياجات التعليمية والتربوية لجميع الأطفال، بمن فيهم ذوي الإعاقة، داخل أقسام دراسية عادية، كما تعني أن الوفاء بهذه الاحتياجات أمر لا يقتصر على مجرد تقبل وجودهم المادي، بل ينطلق من مبدأ التدخل المبكر وإعادة التفكير في أهداف وغايات التعليم، ويتحقق بتوفير برامج تعليمية مناسبة في إطار منهج دراسي مشترك وبالتنظيم الدراسي الملائم وحسن استخدام الموارد البشرية والمالية وتوفير الولوجيات وكذا اشتراك الأسر وجميع فعاليات المجتمع المدني في الإدماج المدرسي.
من خلال وزارة التربية الوطنية وكتابة الدولة المكلفة، يسعى المغرب إلى اعتماد مقاربة وطنية للإدماج المدرسي تلتقي في استراتيجيتها مع توصيات بيان ‘سلامنكا’ حول المدرسة الجامعة، وتهدف إلى تمكين الأطفال ذوي الإعاقة من متابعة الدراسة بالأقسام المدمجة داخل المدارس العادية، على أن تقوم هذه الأقسام الدراسية، وفق البرنامج المعمول به رسميا، على تكييف المحتويات وطرق وتقنيات التدريس وتطوير علاقاتهم ومواقفهم اليومية داخل المدرسة وخارجها.
اقرأ أيضا: الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب: بين سندان الواقع ومطرقة… الواقع!
من خلال استقرائنا لوضعية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، وانفتاحنا على العديد من المؤسسات العامة والخاصة، التي مكنتنا من معرفة الوضعية بالأرقام والبيانات على ضوء ما توصلنا إليه من مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، كما هي متضمنة في المواثيق الدولية التي عنيت بهذه الفئة ومدى حضورها على مستوى القوانين الوطنية، يتبين لنا أن هذه الفئة لا تحظى بالرعاية الكافية والتمكين اللازمين، فأغلب القوانين الداخلية المتعلقة بحقهم في التعليم تحتاج إلى مراجعة وإعادة الصياغة لتنسجم وتتجانس مع ما جاءت به الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، والاتفاقيات الأخرى ذات الارتباط بتعليم هذه الفئة.
هذا الأمر يقتضي ضرورة وجود سياسات عمومية فعالة في مجال التربية والتعليم توفر ما يكفي من ضمانات الحماية والصيانة لحق هذه الفئة في التعليم، مما يساعدهم على تحسين وضعياتهم وتمكينهم من المشاركة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، خاصة بعد أن أصبحت هذه الفئة تحظى باهتمام متزايد من طرف الرأي العام الوطني والدولي. ويتركز هذا الاهتمام على أولوية تعزيز التدابير الفعالة للوقاية من العجز وإعادة التأهيل وتحقيق هدف المشاركة الكاملة لهذه الفئة في الحياة الاجتماعية وفي التنمية دون تمييز.
لقراءة الجزء الثاني: إنصاف الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم: تجاوز المقاربة الإحسانية للدولة إلى مقاربة حقوقية