من كندا، عبد الرحمان السعودي يكتب: إذا حضر “السامريون الأشرار”… بطل التقدم
لقد أثبت التاريخ أن الناس ينمون مع التنمية الاقتصادية، التي تسرّع إيقاع الحياة، وينشأ في الشعوب بسرعة شديدة إحساس “صناعي” بالوقت فتصبح نزيهة وجادة في العمل ومنضبطة ومنظمة. بالتالي فالمجتمعات تتحلى بالسمات الثقافية “الصالحة” بفضل التنمية الاقتصادية وليس العكس.
هل التخلف قضاء وقدر؟ أم هو نتيجة لتآمر الشمال على الجنوب؟ هل له علاقة بالتاريخ أوالجغرافيا؟ من المسؤول عنه، الفقراء أم الأغنياء؟
الحكام أم الشعوب؟ وما هو السبيل إلى العبور لضفة التقدم؟ الثقافة أم الاقتصاد أم الديمقراطية؟
تجنبا لصداع البحث عن إجابات، سلَّمت بأن التخلف سببه المناخ وأحوال الطقس ونعمت براحة نفسية، إلى أن أقلقني وقض مضجعي الكاتب الكوري الجنوبي المشاكس ها-جون تشانغ، بإجابات مفاجئة في كتابه الممتع والمثير للتفكير “السامريون الأشرار”، الذي يعصف بكل حكمة أو مسلَّمة سمعت بها من الغرب بخصوص تحقيق التنمية والتقدم.
يأخذنا هذا الباحث في رحلة من التاريخ الثقافي رفيع المستوى، لفضح المنطق الغربي الوهمي العنصري، القاضي بأن هناك شعوبا لا تصلح للنهضة، وبأن هناك ثقافات أنسب إلى التنمية الاقتصادية من غيرها.
يخبرنا التاريخ، أنه منذ عقود فقط، كان يرى معظم “الخبراء” الغربيين، بأن اليابانيين شعب كسول ولا يحترم الوقت وغير قابل بتاتا لتحقيق التنمية الاقتصادية. نفس الوصف النمطي تقريبا، كان يقوله البريطانيون في حق الألمان في أواسط القرن التاسع عشر، حيث وصفوهم بأنهم قوم ثقال بلداء، مفرطون في العاطفة وغير أمناء. كما نعتوا بالأمس القريب، الكوريين بالهمج والمنحطين والكسالى.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: ذاكرة الحقد والكراهية
يتخذ تشانغ هذه التنميطات، التي لا زالت تردّد إلى الآن بحذافيرها في حق الشعوب النامية والدول الفقيرة، مدخلا ليؤكد على أنه ما من ثقافة صالحة أو غير صالحة للتنمية. فالسلوكيات السلبية التي لطالما شاعت في مجتمعين كاليابان وألمانيا، عاشا في موقعين جغرافيين مختلفين بثقافتين مختلفتين، كانت نتاجا لأوضاع اقتصادية مشتركة بين جميع الدول المتخلفة اقتصاديا.
فمن منا يصدق الآن أن سلوك الغش واللصوصية كان ملتصقا في الماضي بسمعة الألمان؟ وما تحول هذا السلوك من النقيض إلى النقيض، إلا دليل على أنه لم يكن متأصلا في شخصيتهم الثقافية. ففي أي بلد فقير، يلجأ الناس غالبا إلى أساليب غير أخلاقية وغير قانونية لكسب لقمة العيش، ويضعف تطبيق القانون، فيفلت الناس بأفعالهم، مما يجعل خرق القانون أكثر قبولا من الناحية الثقافية.
زعيمة الفريق الرّديف للإشتراكيين، صاحبة مشروع “التنمية الواقعية”، لا تحصل على الأصوات إلا في انتخابات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الآن مشغولة بفك لغز المؤامرة الكورونية الماسونية.
لقد أثبت التاريخ أن الناس ينمون مع التنمية الاقتصادية، التي تسرّع إيقاع الحياة، وينشأ في الشعوب بسرعة شديدة إحساس “صناعي” بالوقت فتصبح نزيهة وجادة في العمل ومنضبطة ومنظمة. بالتالي فالمجتمعات تتحلى بالسمات الثقافية “الصالحة” بفضل التنمية الاقتصادية وليس العكس.
تأثير التنمية الاقتصادية على الثقافة أكبر، لأنها تخلق الثقافة التي تحتاج إليها، ودراسة حالات اليابان وكوريا وألمانيا وأمريكا وغيرها تثبيت أن كثيرا من السمات السلوكية الإيجابية، هي في الحقيقة نتائج وتبعات للنهضة الاقتصادية، لأن ما من بلد مكتوب عليه التخلف بسبب ثقافته.
يؤمن الكاتب كذلك بأن الديمقراطية ومحاربة الفساد هما أيضا تبعات للتنمية الاقتصادية وليس العكس، وهو أمر يقبل الاختلاف فيه وحوله، لكن تشانغ يوجه كتابه ليفند قيام، ما يطلق عليهم “السامريون الأشرار”، بالترويج لفكرة معلَّبة تؤكد احتياج أي بلد إلى ثورة ثقافية مسبقة قبل أن يتطور، وهو ببساطة ما يكذِّبه تاريخهم. هو يفضح هذا التضليل، الذي يتنافى مع ما قام به السامري الصالح الذي دل عابر السبيل إلى الطريق الآمن، كما جاء في القصة الإنجيلية التي استلهم الكاتب منها عنوانه.
فكيف إذن نحقق تنمية اقتصادية حقيقية، وما هي السبل والسياسات التي تقود إلى ذلك؟
اقرأ أيضا: إذا طالع العرب أنفسهم في مرايا يابانية، فهذا ما سيرونه… (الجزء الأول)
يقدم الكاتب مرافعة رصينة، تقلب الطاولة على ما يروّجه الغرب في البلدان النامية، حول التنمية الاقتصادية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ووساطة “الثالوث المدنَّس”، على حد تعبير تشانغ، الذي يضم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
يحاججهم الباحث مرة أخرى بالتاريخ، لكشف كذب ما تفرضه هذه القوى على عقولنا وحكوماتنا، من قناعات تقضي بأن السبيل لتحقيق أي إقلاع اقتصادي وتنمية حقيقية هو اعتماد “الاقتصاد النيو ليبرالى”، الذي يقوم على سياسة السوق الحر، والاستثمار الأجنبي، وأقل قدر من التدخل الحكومي في الاقتصاد، وشبه إلغاء للتعريفات الجمركية.
زعيم الإسلاميين، الذي يسبح بمشروع “التنمية الحلال، وحقوق الإنسان في الإسلام”، لا يرف له جفن وهو يموِّل سحتا “جلسات كعب غزال لكسر الملل” من أموال دافعي الضرائب. ويبدو أن فيروس النفاق قد تسرب لبعض أصحابه، الذين استباحوا هضم حقوق الإنسان دون حسيب أو رقيب.
يقول تشانغ إن “النيوليبرالية” ليست الحل ولم تكن هي الحل في يوم من الأيام. ويستشهد ببلده، لنسف ما يروَّج من تفسير يدَّعي بأن سر المعجزة التنموية الكورية يرجع إلى اتباع كوريا لسياسات “نيوليبرالية”، وهذا طبعا كذب وتضليل. لأنه بعد الحرب الكورية، اتخذت الدولة حزمة صارمة من الإصلاحات الاقتصادية، ففرضت التصنيع، ودعمت الصناعات الوليدة والصادرات، وحمت المنتوج المحلي، ومنعت الاستيراد منعا يكاد يكون نهائيا (إلا على مستلزمات الصناعات الثقيلة) وتعاملت مع المستثمر الأجنبي في قطاعات معينة فقط، وبانتقائية شديدة، وكانت الدولة تمتلك جميع البنوك. فكانت النهضة الكورية نتيجة مسار براغماتي يراعي المصلحة الوطنية، واستخدمت الحماية والدعم لإنتاجها الوطني.
هذه الوصفة بالضبط، هي التي طبعت مسار الدول الغربية حتى تصل إلى ما وصلت إليه. فبريطانيا، مثلا، طورت صناعة النسيج بتطبيق سياسة حمائية لحوالي مئة عام، منعت فيها الاستيراد تماما حتى تقوي منتوجها وتستطيع منافسة هولندا وبلجيكا؛ ونهجت نفس السياسة لتطوير جميع صناعاتها. كذلك، حَمَت اليابان ودعمت مثلا شركة “تويوتا”، في بداياتها، طوال سبعة عشر عاما، رغم أنها كانت تثبت فشلها في كل سنة، ولولا ذلك لما وصلت إلى ما هي عليه الآن. ولو لم ترفض أمريكا وصفة الانفتاح على السوق، التي حاولت بريطانيا فرضها عليها لتسويق منتوجاتها، لما أصبحت أمريكا التي نعرفها الآن.
اقرأ أيضا: العرب من وجهة نظر يابانية: مرآة جديدة… (الجزء الثاني)
لكن تشانغ لم يكن راديكاليا، فقد قال إن نصائح “النيوليبراليين” ليست شرا مطلقا، لكن يجب ترشيدها؛ ودعا إلى اعتماد الانفتاح الانتقائي التدريجي على اقتصاد العالم، في الوقت المناسب، وبناء على المصلحة الوطنية؛ وشدد على عدم الالتفات إلى ما يمليه “السامريون الأشرار”، الذين ينتهجون سياسة “ركل السُّلم” الذي صعدوا عليه بعيدا، لمنع الدول النامية من تبني السياسات التي استخدموها هم بالفعل من أجل النهضة.
مما لا شك فيه أن مجابهة “السامريين الأشرار” ليست بالمهمة اليسيرة، فهم يكونون فريقا لا يقهر، يفوز دائما خارج الميدان، يتقن الخطط الهجومية، ويبرع في تسجيل الأهداف “المارادونية” باليد، على مرأى ومسمع من الفرق المنافسة، التي لا تملك الشجاعة الكافية للاحتجاج.
لكن، في ظل الظروف الراهنة، أرى أننا أمام فرصة ذهبية لا تعوض، ففريق “السامريين الأشرار” يعتمد هذه الأيام على مهاجم اسمه “ترامب”، يتقن قذف الكرة إلى المدرجات حتى لو كان وجها لوجه مع شباك فارغة. زد على ذلك الانقسام الحاد في صفوف الفريق بسبب تبادل ضربات تحت الحزام، آخرها حرب قرصنة الكمامات. وهناك مصادر موثوقة، تؤكد عزم الدب الروسي والتنين الصيني على إثارة الشغب في الملاعب لإفساد المباريات.
اختلال الموازين يجعلنا على موعد مع التاريخ. ونحن اليوم أحوج ما نكون، أكثر من أي يوم آخر، إلى فريق قوي بمهارات عالية، ولديه الجرأة الكافية لقلب الطاولة ورسم خطة بديلة لمباغتة الخصم.
فإليكم إذن التشكيلة الرسمية لفريقنا الوطني، الذي يُعوَّل عليه لمواجهة فريق “السامريين الأشرار” الأجانب:
– زعيم الاشتراكيين، الذي ينادي نهارا “بمشروع التنمية والعدالة الاجتماعية”، تهافت ليلا، وبكل نذالة، مع الإقطاعيين للظفر بنصيبه من أراضي الشعب بأثمنة ريعية.
– زعيم الإسلاميين، الذي يسبح بمشروع “التنمية الحلال، وحقوق الإنسان في الإسلام”، لا يرف له جفن وهو يموِّل سحتا “جلسات كعب غزال لكسر الملل” من أموال دافعي الضرائب. ويبدو أن فيروس النفاق قد تسرب لبعض أصحابه، الذين استباحوا هضم حقوق الإنسان دون حسيب أو رقيب.
اقرأ أيضا: سناء العاجي: الرميد، أمكراز والآخرون: حاميها حراميها
– زعيم الشيوعيين، صاحب مشروع “لا تنمية بلا حداثة”، تخلى عن البدلة ولبس الجلباب وحجز لنفسه مكانا في “جلسات كعب غزال”.
– زعيم الليبراليين، صاحب مشروع “تنمية الثروة البشرية، الانفتاح على السوق وتكرير التربية”، لم يستحِ أن يتآمر مع نادي تكرير البترول لتنمية ثروته بالمليارات من أرباح لاأخلاقية، نهارا جهارا، على حساب دم وعرق الفقراء. ولم نر له انفتاحا إلا على سوق الأغنام، التي تتمدد على موائده الانتخابية.
– زعيم الجرّارين، صاحب مشروع “الحصاد قبل الحرث”، لم يصمد أمام أمطار فبراير، وباع الجرّار في سوق الخردة بسبب الصدأ.
– زعماء التعريب، أصحاب مشروع “التعريب هو الحل”، كانوا أول من تسابق لتسجيل أبنائهم في مدارس البعثات الأجنبية.
– الزعيم سُنْبُل، شيخ الإداريين وصاحب مشروع “تنمية السنابل”، يستعد لولايته العاشرة… نعم العاشرة!!! ولن يستغرب أحد إذا قام بإلغاء الانتخابات، واستمر على رأس حزبه بالتقادم.
– زعيمة الفريق الرّديف للإشتراكيين، صاحبة مشروع “التنمية الواقعية”، لا تحصل على الأصوات إلا في انتخابات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الآن مشغولة بفك لغز المؤامرة الكورونية الماسونية.
– زعيم الفرسان الدستوريين، صاحب مشروع “اللامشروع”، يحب الجلوس على دكة البدلاء، ولا يلعب إلا تحت الطلب.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: أخنوش ولشكر… إكشوانات زمن الكفاءة
بهذا نكون قد خسرنا المباراة قبل بدايتها. ويؤسفني أن أقول لك إننا سنخلف موعدنا مع التاريخ لأن من نعوّل عليهم لمواجهة “السامريين الأشرار” الأجانب، ليسوا إلا “سامريين أشرار” محليين. وأعلم كما تعلم، أن استمرارهم لن ينتج إلا هزائم يومية، ستهوي بنا إلى قسم الدرجة الخامسة لفرق الأحياء.
لا تعتقد أني من أنصار ترويج الإحباط، فأنا أرى بصيص أمل في فرق الصغار والناشئين. لكن في ظني، ولا أظن ظني هذا إثما، أن البديهية التي نحن في حاجة إلى تذكُّرها وتذكير فرق الصغار والناشئين بها دائما، أنه في حالة ما إذا نجحوا فيما فشلنا فيه نحن (ربما لأننا سامريون أشرار أيضا)، واستطاعوا التخلص من أمثال المذكورين أعلاه، فهذا لا يخلق المدينة الفاضلة، بل يفتح المجال أمام عهود طويلة من خوض تجارب مريرة من الصراع الجدلي مع النفس ومع الواقع، والتطاحن بين الرؤى المختلفة، ينتهي ببناء علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية عادلة، يتم توريثها للأجيال القادمة التي سيكون من حقها تعديل هذه الرؤية لما يستجد على واقعها.
إذا كان صدرك ضيقا، قلت لي: “من قال لك أصلا إني في حاجة إلى أن تذكرني ببديهية كهذه؟”. أجيبك بأن ذلك كان فقط من قبيل التنويع، ومن باب تقسيم الأدوار بيني وبين زميلي ها-جون تشانغ. يتحفك هو بالأفكار الجديدة، وأقرفك أنا بالبديهيات.
اقرأ لنفس الكاتب: رسالة الجندي المجهول إلى السفيرة “هيلين”