التدبير المغربي العلماني لأزمة كورونا
يبدو عنوان المقال غريبا، فإقحام كلمة “علماني” وسط العنوان، يبدو مستفزا للقارئ ومستفزا للدولة في آن. هذا الإقحام، مقصود ليس من أجل الاستفزاز، بل من أجل الإدلاء برأي في الموضوع. …
يبدو عنوان المقال غريبا، فإقحام كلمة “علماني” وسط العنوان، يبدو مستفزا للقارئ ومستفزا للدولة في آن.
هذا الإقحام، مقصود ليس من أجل الاستفزاز، بل من أجل الإدلاء برأي في الموضوع. فمنذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن كون كوفيد 19 جائحة عالمية، ومنذ ظهور أولى حالات الإصابة بالمملكة، اتخذت الدولة حزمة من القرارات المستعجلة التي رامت من خلالها احتواء الوباء والحيلولة دون خروجه عن السيطرة.
حتما صنعت الدولة معروفا في نفسها وفي المواطنين، فبقدر ما أن الحجر الصحي الذي فرضته طول هذه المدة، أعطى المغاربة ارتياحا من كون دولتهم ترعى الصحة العامة، وتولي الجانب الصحي للمغاربة أولوية على النشاط الاقتصادي، الذي هو عصب الحياة، بقدر ما مكن الدولة من تفادي كارثة فقدان السيطرة على الوباء، نظرا لضعف المنظومة الصحية ببلادنا.
نعود لمناقشة سؤال لماذا قلنا بعلمانية تدبير الدولة للأزمة؟
لعل من بين التدابير الوقائية التي اتخذت من طرف الدولة، إغلاق المساجد والاكتفاء بالآذان، وقد تزامن القرار وحلول شهر رمضان الذي تكثر فيه العبادات وعمارة المساجد للصلاة.
فمنذ مئات السنين، لم تغلق مساجد المغرب ولم يتم تدبير الشأن الديني من منظور تغليب المصلحة العامة، وجعل العبادة في ظل الأزمة شأنا خاصا يمكن القيام به بشكل فردي.
الدولة تصرفت بحكمة العقل الدولتي البراغماتي، الذي يرتب الأولويات التي تضمن استمرارية الحياة، بدون متاعب صحية كانت ستحدث ارتباكا في تدبير الأزمة.
كما أنها ألغت الخطاب الديني، أو كتمت صوته، حتى لا يكون مشوشا على الخطابين الطبي والعلمي، اللذان احتلا مكانة في الخطاب الإعلامي الرسمي وفي كل وسائل الإعلام غير الموجهة إيديولوجيا.
تدخلت الدولة أيضا، لردع الخطاب الشعبوي، الذي يشكك في جدية الموضوع المطروق عالميا، واعتقلت مروجي خطاب التحريض على الكراهية، وطبقت الصرامة في احترام قراراتها التي لا ترى في الظرف الراهن سببا لاستحضار البعد الديني، إلا من أجل شرعنة قراراتها، في خطبة آخر جمعة قبل بدء الحجر الصحي وتطبيق حالة الطوارئ الصحية.
إن حرص الدولة على تمكين وزارتي الداخلية والصحة وكذا الجيش، سلطة تدبير المرحلة، ليدخل ضمن واجباتها كدولة راعية للمصلحة العامة حين يجد الجد، ويكون من واجبها التدخل للعمل على تجاوز الوضع الاستثنائي بأقل الخسائر.
طبعا هذا التدبير العقلاني، له تأثيرات مشهودة على الاقتصاد الوطني، بيد أن قرار الدولة كان حكيما، واتجه صوب تغليب البعد الصحي للساكنة، لتفادي كوارث صحية كان بالإمكان أن تعمق فقدان الثقة بين الدولة والمواطن المغربي.
ساهم المنظور العقلاني العلماني للدولة، في الحد من تضارب الأفكار والمعلومات، فيما يتعلق بتطورات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وقطع السبيل على سماسرة الأزمة، كي لا يتم استغلال الوضع لأغراض ربحية أو انتخابية أو تعبوية، من شأنها إرباك تاكتيك الدولة في المناورة ضد انتشار الفيروس على نطاق واسع، وبالتالي الحيلولة دون محاولة نشر الفكر المعادي لأطروحة الدولة في هذا الشأن.
فمنذ انتشار خبر دخول الفيروس إلى المغرب، تمكنت غريزة البقاء مع غريزة الخوف، من جعل المغاربة علمانيين ودنيويين رغم تدينهم وإيمانهم بالقضاء والقدر، وهذا ما قلل من نصيب الاستثمار في الخوف من طرف تجار الدين. رغم استخارة المغاربة من أجل رفع الوباء، إلا أن تمسكهم بالحياة جعل مسلكياتهم تنحو باتجاه اعتزال الناس والتوجس منهم واتخاذ كل الاحتياطات حتى يبقوا سالمين من المرض.
الوجه العلماني… يتجلى في السلوك البشري حين يتعلق الأمر بالمصير الذي يجعل تداخل الطاقة الإيمانية مع غريزة حب البقاء، ينحوان باتجاه التماهي مع عقل الدولة وتدبيرها اليومي للأزمة، خوفا وامتثالا، حتى لا يفقد الناس أرواحهم وذويهم.
ولعل هذا ما جعل الناس تتحمل تداعيات الحجر، وتفرض على نفسها الرقابة والاعتزال وتجنب المخالطة. نقول هذا مع عدم إنكار أن هناك خروقات وقعت من جانب المواطنين، مثلما وقعت من جانب السلطة، إلا أن الوضع الاستثنائي كان يفرض أن تطبق الصرامة رغم بروز بعض الحالات من التجاوز من الجانبين.