تاريخ الدواء: الأبحاث الدوائية… لماذا تظل الأمراض غير القابلة للشفاء… غيرَ قابلة للشفاء؟ 3/3
طالما توجد حياة، فالحاجة إلى الأدوية تبقى ملحة… ينبغي أن يستمر البحث عن أدوية أفضل وأكثر فعالية، فمع أن لكل دواء مخاطره إلا أن الأدوية الجديدة أنقذت حياة الكثيرين من البشر وحمت المجتمعات من كثير من الأوبئة.
بعدما تابعنا في الجزء الثاني نبذة عن فن وعلم الصيدلة حتى باتت اليوم صناعة تدر الملايير على الشركات، نواصل هذا الملف في جزئه الثالث والأخير، دائما بالاعتماد على بحث الباحث الفلسطيني رياض رمضان العلمي “الدواء من فجر التاريخ إلى اليوم”، لنتعرف على الإكراهات التي تواجه الأبحاث الدوائية في العالم، ما يجعل بعض الأمراض بعد مستعصيا على الشفاء.
قبل بدايات القرن العشرين، كان مرض السكري إذا أصاب شخصا ما بمثابة حكم بالإعدام؛ ذلك أن شفاءه كان ميئوسا منه… كان مرضا قاتلا.
بيد أن اكتشاف الأنسولين وأدوية أخرى تخفض مستوى السكر في الدم، أحدث تغييرا جوهريا في مسيرة البشرية، إذ أصبح مريض السكري مفعما بالأمل، يمكنه أن يعيش بعد ذلك حياة عادية.
أكثر من 80 بالمائة من المستحضرات الصيدلية، التي كانت مألوفة فيما قبل، اندثر وخرج من نطاق المعالجة؛ ذلك أن مجال الصناعة الصيدلية بات يتقدم أكثر فأكثر…
قبل اكتشاف المضادات الحيوية أيضا، كان المريض بالنيمونيا والتهاب الرئتين، يحتاج أكثر من ثمانية أسابيع في المستشفى، هذا إن نجا من الموت. وكذلك حدث تقدم في معالجة مرض السرطان، وباتت ممكنة النجاة من براثنه.
الواقع أن العلم حقق منذ بدايات القرن العشرين تقدما ملموسا في مجال المعالجة الكيميائية والهرمونات.
أكثر من 80 بالمائة من المستحضرات الصيدلية، التي كانت مألوفة فيما قبل، اندثر وخرج من نطاق المعالجة؛ ذلك أن مجال الصناعة الصيدلية بات يتقدم أكثر فأكثر…
اقرأ أيضا: اليوثانية أو “القتل الرحيم”: حين يصبح الطبيب أخطر رجل في الدولة 2/1
فتح حادث مغمور عام 1828 الأبواب أمام تقدم الكيمياء العضوية… كان السائد قبل ذلك، الاعتقاد بأن الكائنات الحية وحدها القادرة على إنتاج المواد العضوية.
الذي حدث أن عالما ألمانيا يدعى “ووهلر”، أثبت عكس ذلك، حين قام بتحضير مادة اليوريا في مختبره؛ هذه المادة العضوية التي يصنعها الجسم، في الواقع، بشكل طبيعي.
بالرغم من التقدم العلمي، ما زالت البشرية عاجزة عن إيجاد أدوية ناجحة لعدد غير قليل من الأمراض والآفات.
حاصل ذلك أن العلماء قاموا بتخليق أكثر من مليوني مستحضر كيماوي جديد، من صنع الإنسان، ولا وجود لها في الطبيعة.
ثم بعد ذلك بحوالي 82 عاما، تمكن طبيب ألماني يدعى “إيرليخ” من تخليق مادة الأرسفنابين، كأول مادة قاتلة للجراثيم. هذا الطبيب بالمناسبة جرب 605 مستحضرا دون جدوى، قبل أن يعثر على ضالته في المحاولة رقم 606.
هكذا، يقدر عدد المواد الكيميائية التي تحضر سنويا اليوم بالمئات، على أمل إيجاد أدوية جديدة نافعة بتأثير فعال مفيد، خال من الأضرار الجانبية.
لكن… إكراهات متعددة تعيق الأبحاث الدوائية!
بفضل الاكتشافات الصيدلية والدوائية، العلاجية والوقائية، نجحت جهود العلماء في القضاء على الكثير من الأوبئة المرعبة والأمراض المستعصية؛ فانخفضت نسبة وفيات الأطفال وزاد متوسط الأعمار، ولم تعد الإصابة ببعض الأمراض بمثابة حكم بالإعدام.
بيد أنه مع ذلك، ظل الإنسان حائرا مكتوف الأيدي أمام الكثير من الحالات المرضية، التي لم تتعرض لبعضها الأبحاث الطبية والصيدلية حتى الآن.
اقرأ أيضا: زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
هكذا، بالرغم من التقدم العلمي، ما زالت البشرية عاجزة عن إيجاد أدوية ناجحة لعدد غير قليل من الأمراض والآفات.
تحتاج الشركات الصناعية في الواقع إلى تركيز نشاطها على أدوية فعالة ضد أمراض شائعة، حتى تحصل على مردود مالي عال يمكنها من الاستمرارية والانتعاش.
وبينما يتطلب الوضع زيادة الأبحاث الدوائية لمواجهة مختلف المشاكل الصحية والمرضية والزيادة السكانية، هناك عوامل عدة تعيق البحث الدوائي وتؤخره.
هذه العوامل تتلخص في عدم توفر الأموال اللازمة، وصعوبات الاختبار والتقييم ومشاكل صحة ودقة هذه الاختبارات، مع تعدد الأنظمة وتعقيدها وصرامة الاشتراطات عليها.
ثم إنه من الناحية المالية، كلما زاد الإنفاق على نشر استخدام أدوية معينة معروفة، قلّ عدد الأدوية الجديدة التي يمكن تصنيعها وفحصها واختبارها.
تحتاج الشركات الصناعية في الواقع إلى تركيز نشاطها على أدوية فعالة ضد أمراض شائعة، حتى تحصل على مردود مالي عال يمكنها من الاستمرارية والانتعاش.
والحقيقة أن اكتشاف أدوية جديدة فعالة أصبح يزداد صعوبة، لذلك نجد أن الأمراض غير القابلة للشفاء، تظل غير قابلة للشفاء!
اقرأ أيضا: مريم أبوري تكتب: هلوسات اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة
هكذا، تدخل العملية في دوامة وحلقة مفرغة، بالرغم من أن بعض الشركات الصناعية أصابت نجاحا لا بأس به في اكتشاف العديد من الأدوية الجديدة.
صحيح أن هذه الشركات تدر أرباحا طائلة، غير أن واحدا فقط من 10 آلاف مركب تطوره يصبح دواء معتمدا جاهزا للبيع. الشركات تخسر الكثير من الأموال في تطوير مركبات لن تصبح أدوية معتمدة. ثم إن هذه العملية تأخذ من 7 إلى 10 سنوات، وفقط 3 من 20 دواء معتمدا يجلب عائدات مالية للشركة يمكنها من تغطية تكاليف تطويرها، ودواء واحد فقط من الأدوية الثلاثة، تجلب عائدات تغطي تكاليف التجارب الفاشلة السابقة.
من الناحية المالية، كلما زاد الإنفاق على نشر استخدام أدوية معينة معروفة، قلّ عدد الأدوية الجديدة التي يمكن تصنيعها وفحصها واختبارها.
هكذا، على الشركة، لكي تستمر، أن تكتشف ما يسمى بدواء “المليار دولار” كل بضع سنوات.
إذا أخذَنا الحديث مثلا نحو الأدوية “اليتيمة”، تلك التي تخص الأمراض النادرة التي يصاب بها أقل من مائتي ألف شخص، فواضح أن الأبحاث الطبية وتطوير الأدوية اللازمة لعلاجها غير مربح ماديا البتة… في الولايات المتحدة، تكافأ الشركات التي تجري هذه الأبحاث بتقليل الضرائب، وحصرية الدواء لسبع سنوات.
اقرأ أيضا: من مصر، سارة أحمد فؤاد: أنا هلعانة
على أنه طالما توجد حياة، فالحاجة إلى الأدوية تبقى ملحة. ينبغي أن يستمر البحث عن أدوية أفضل وأكثر فعالية، فمع أن لكل دواء مخاطره إلا أن الأدوية الجديدة أنقذت حياة الكثيرين من البشر وحمت المجتمعات من كثير من الأوبئة.
وحتى إذا كانت هذه الأدوية لا تعيد الصحة لكثير من الأمراض كالتهاب المفاصل والأورام السرطانية وغيرها، إلا أنها على الأقل تزيل الأعراض مؤقتا وتخفف من وطأة المرض… حتى إشعار آخر!
لقراءة الجزء الأول: تاريخ الدواء: حين ألهمت الحيواناتُ الإنسانَ الطريقَ إلى معالجة أمراضه! 3/1
لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الدواء: الصيدلة… من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير 3/2