تاريخ الدواء: الصيدلة… من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير 3/2 - Marayana - مرايانا
×
×

تاريخ الدواء: الصيدلة… من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير 3/2

هكذا انتهت تلك الأيام التي كان فيها المريض يحمل وصفته الطبية ويتجه إلى الصيدلية، حيث يستقبله الصيدلي ويطلب منه أن يجلس في غرفة الانتظار، مع باقي المرضى المنتظرين، يتصفحون الجرائد والمجلات، ريثما يقوم بتحضير وصفته الطبية!

بعدما قمنا، في الجزء الأول، بجولة تاريخية في محاولات الإنسان القديم إيجاد أدوية يداوي بها أمراضه وجراحه، نتابع في هذا الجزء الثاني، دائما بالاعتماد على بحث الباحث الفلسطيني رياض رمضان العلمي “الدواء من فجر التاريخ إلى اليوم”، نبذة عن تطور فن وعلم الصيدلة حتى باتت اليوم صناعة تدر الملايير.

يدخل الواحد منا اليوم إلى الصيدلية، فيجد الأدوية جاهزة مرصوصة بعناية على الرفوف بأغلفة زاهية تلفت الانتباه وبأحجام متفاوتة، تتضمن إرشادات استعمال وتاريخ نفاد المفعول وتفاصيل عديدة أخرى.

هذا المشهد، في الواقع، قضى الإنسان وقتا طويلا حتى يصنعه؛ فالصيدلة لم تكن كذلك منذ أول مرة.

مهنة الصيدلة باعتبارها قائمة الذات، كان العرب هم أول من أوجدوها، إذ فصلوا بين ازدواجية الطب والصيدلة. فيما قبل، كان الطبيب يحضر الدواء بنفسه، قبل أن يسلمه إلى المريض…

تعود مفردة “صيدلي” إلى أصل هندي. نقلت إلى العربية من لفظ “جندناني”، والجندن هو الصندل. أما الصندل الهندي هذا، فكان من العطور المعروفة عند العرب، في حين كان الهنود يستعملونه كدواء.

ويعد الإغريقي جالينوس (131 – 200م) مؤسس علم الصيدلة، إذ ألف نحو 500 كتاب وأطروحة منها 98 في الطب والصيدلة، ظلت مرجعا حتى ما بعد القرون الوسطى.

اقرأ أيضا: قديما في الدول الإسلامية: البيمارستان… مستشفىً وصيدليةٌ ومعهدٌ لتدريس الطب بنظام عملٍ صارم! 2\3

اشتهر جالينوس بنشاطه الفذ في التشريح والفيزيولوجيا والصيدلة، حد أن لقب بـ”أب الصيدلة”، وقد أصبح اسمه مرتبطا بفئة مهمة من المستحضرات الصيدلية، ما زالت تحمل اسمه، وهي المستحضرات الجالينية.

فيما بين القرنين 12 و14م، كانت الأدوية تباع من قبل العشابين للبحارين والتجار وعموم الناس، مع البهارات والتوابل!

مهنة الصيدلة باعتبارها قائمة الذات، كان العرب هم أول من أوجدوها، إذ فصلوا بين ازدواجية الطب والصيدلة. فيما قبل، كان الطبيب يحضر الدواء بنفسه، قبل أن يسلمه إلى المريض…

كان للعرب في الواقع تأثير بالغ في تأسيس علم صيدلة مستقل عن علم الطب، وقد سبقوا إلى أمور عدة تتعلق بالصيدلة؛ فهم أول من أنشأ مدارس الصيدلة، وأول من أنشأ حوانيت الصيدلة، وأول من وضع دساتير الأدوية المركبة التي أسموها بـ”الأقربازين”، قبل أن يطورها الغرب تحت مسمى “الفارماكوبيا” (Pharmacopoeia).

من العشّاب إلى الصيدلي…

منذ بدأ الإنسان القديم يستعمل الأعشاب لتخفيف آلامه وتضميد جروحه، بدأت الصيدلة… كان يخلط الأعشاب مع بعضها البعض أو مع كيماويات مثل الزئبق والكبريت، على أمل الحصول على أدوية.

فيما بين القرنين 12 و14م، كانت الأدوية تباع من قبل العشابين للبحارين والتجار وعموم الناس، مع البهارات والتوابل!

اقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: أنت مغربي؟ لا تمرض من فضلك

ثم، لما زادت أنواع الأدوية الطبيعية، واتسع استعمال المواد الكيماوية في معالجتها، كان أن ظهرت مهارات متخصصة تلزم لخلط الأدوية وتصنيعها.

كانت علوم الفارماكولوجيا، في السواد الأعظم من الألفي سنة الماضية، مبنية على تعاليم جالينوس. ثم لما اكتشفت القلويدات النباتية والجراثيم والميكروسكوب واللقاحات والأمصال وغيرها، حدثت نقطة التحول.

الحقيقة أن الصيادلة وجدوا بعد ذلك صعوبة في الجمع بين نشاطات البقالة والصيدلة، فكان عام 1617م أن قُسّمت نقابة لندن، فأسست جمعية جديدة مستقلة للصيادلة.

ثم عام 1841م، أنشئت الجمعية الصيدلية البريطانية، فضمت إليها الصيادلة والكيميائيين والعطارين وجميع المهتمين بمهنة الصيدلة. عدد من هؤلاء الصيادلة والعطارين انقلبوا فيما بعد إلى تجار جملة ومن ثم صناعيين.

بالتدريج، برزت بعض المهارات الميكانيكية واليدوية كتحضير الحبيبات وتحضير الأقراص بالضغط وتغطيتها بطبقة من الذهب أو الفضة أو غيره، ما تطلب وجود كفاءات ماهرة لهذه الصناعات.

اقرأ أيضا: صناعة الجوع: هل الندرة مجرد خرافة؟ 4/1

أهم عامل أدى إلى اتساع النهضة الصناعية، ظهور المعالجة الكيميائية بعيد الثورة الكيميائية، التي كانت حظا سيئا للصيدليات العادية؛ ذلك أنها استولت على معظم الفعاليات الصيدلية، وبدأت بممارستها على نطاق عالمي واسع.

اليوم، مصانع الأدوية هي التي تسيطر على الأخيرة. دونها، لا يمكن لمهنة الصيدلة أن تظل على قيد البقاء.

من تحضير الدواء إلى صناعته…

تتمتع الصناعة الصيدلية العالمية المدعمة بالأبحاث العلمية، اليوم، بسجل حافل من التقنية والعلوم.

حتى عام 1940م، لم يكن للصناعة الصيدلية وجود بالشكل الحالي المعروف. حتى ذلك الوقت، كان الصيادلة الأوائل يسيطرون على المهنة إذ يتداولون تجارة الأدوية بالجملة.

كان اهتمامهم حتى ذلك الوقت منصبا على المستحضرات الجالينية، التي يحضرونها من مصادرها الطبيعية، النباتية أو الحيوانية.

كانت علوم الفارماكولوجيا، في السواد الأعظم من الألفي سنة الماضية، مبنية على تعاليم جالينوس. ثم لما اكتشفت القلويدات النباتية والجراثيم والميكروسكوب واللقاحات والأمصال وغيرها، حدثت نقطة التحول.

شاهد أيضا: فيديو. إيمان قنديلي، الطبيبة النفسية المتخصصة في الإدمان، لمرايانا: الإدمان في المغرب… أقرب مما نتصور

أما حين اكتشفت العديد من المواد النباتية، قوية التأثير، وتم فصلها عن النبات وتحضيرها تخليقيا كالمورفين والكينين والبلوكارين وغيرها، أوشكت الصناعة أن تستغني عن تلك النباتات، طالما أنها قادرة على تخليق محتوياتها.

أهم عامل أدى إلى اتساع النهضة الصناعية، ظهور المعالجة الكيميائية بعيد الثورة الكيميائية، التي كانت حظا سيئا للصيدليات العادية؛ ذلك أنها استولت على معظم الفعاليات الصيدلية، وبدأت بممارستها على نطاق عالمي واسع.

من الأمثلة الرائدة في هذا الصدد، عندما قام صيدلي يدعى “ميرك” بتأسيس صيدليته الخاصة في ألمانيا عام 1816م.

بعد 11 عاما، أعلن أنه باستطاعته تحضير بعض القلويدات النباتية على نحو كبير ليبيعها بالجملة، من أهمها المورفين والكينين والأمتين والستركنين.

“Merck” اليوم تعتبر من أكبر الشركات المصنعة للدواء في العالم.

كثير من تلك الصيدليات ومخابرها الصغيرة تطورت وأصبح لها أمكنة خاصة للتصنيع ما لبثت أن اتسعت، وصارت بالتدريج من المشاريع التي تنتج أدوية بملايير الدولارات سنويا.

الصناعة الصيدلية الحديثة، ببساطة لغوية قد تخفي وراءها غابة من التعقيد العملي، عبارة عن مجموعة من مصانع الأدوية والكيماويات المرتبطة بموزعي الأدوية في شكلها النهائي، جاهزة لاستعمال المريض، كالمراهم والكريمات والكبسولات والحقن والشرابات…

اقرأ أيضا: علم النفس الشعبي… “مرتع الخرافات” 1\3

لذا، قد يعتقد البعض خطأ، أن دور الصيدلي ينحصر في بيع الدواء، بينما الحقيقة أنه قد يكون مخترعه، وهو الذي يعرف عن الدواء أكثر من أي شخص آخر…

هكذا إذن انتهت تلك الأيام التي كان فيها المريض يحمل وصفته الطبية ويتجه إلى الصيدلية، حيث يستقبله الصيدلي ويطلب منه أن يجلس في غرفة الانتظار، مع باقي المرضى المنتظرين، يتصفحون الجرائد والمجلات، ريثما يقوم بتحضير وصفته الطبية!

في الجزء الثالث نتحدث عن الأبحاث الدوائية وسنرى لماذا تظل الأمراض غير القابلة للشفاء غير قابلة للشفاء.

لقراءة الجزء الأول: تاريخ الدواء: حين ألهمت الحيواناتُ الإنسانَ الطريقَ إلى معالجة أمراضه! 3/1

لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الدواء: الأبحاث الدوائية… لماذا تظل الأمراض غير القابلة للشفاء… غيرَ قابلة للشفاء؟ 3/3

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *