من مصر، محمد حميدة يكتب: عهد التميمي ونظرية المؤامرة
بينما كان العالم يترقب خروجها من سجون الاحتلال، بادر أبناء وطنها بتخوينها واتهامها بأشياء لا يقبل بها المنطق أو العقل. إنها عهد التميمي، أيقونة النضال الفلسطيني. عهد التميمي التي يراها …
بينما كان العالم يترقب خروجها من سجون الاحتلال، بادر أبناء وطنها بتخوينها واتهامها بأشياء لا يقبل بها المنطق أو العقل. إنها عهد التميمي، أيقونة النضال الفلسطيني.
عهد التميمي التي يراها العالم أحد رموز المقاومة التي يحتذى بها، واجهت اتهامات عدة بعد خروجها من سجن الاحتلال في 29يوليو/تموز، خاصة بعد استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها، وكذلك زيارتها لقبر الرئيس الراحل ياسر عرفات.
اتهمها البعض بأنها تنفذ أجندة إسرائيلية لتحسين صورة الكيان في السنوات المقبلة. بحسب أهواء البعض، ذهب كل واحد منهم إلى تحليله بأن عهد ستستخدم لمهاجمة دولة ما أو نظام ما، كما فعل بعض النشطاء من قبل.
من المحزن جدا أن هذه الاتهامات خرجت في البداية من بعض الفلسطينيين، الذين رأوا أن هذه الهالة الإعلامية مقصودة ومدبرة ومخطط لها، وأنها ليست مجانية وأن الاحتلال هو من يقف خلفها.
بدل استثمار الاهتمام العالمي بالفتاة وإثارة القضية في المحافل الدولية؛ وذلك من خلال الحديث والمطالبة بالإفراج عن المعتقلات والمعتقلين، ذهب الكثيرون إلى التخوين والتشكيك والاتهامات الباطلة
بعض المقارنات أيضا ذهبت إلى الحديث عن عشرات، بل مئات الأسرى والأطفال في سجون الاحتلال (الذين لا يقلون قيمة عن عهد) واتهموها بما لا ذنب لها فيه.
من المؤسف أن أقول إن قضية عهد تمثل واقعنا بنسبة كبيرة، ويمكن سحبها على الكثير من القضايا في مجتمعاتنا. فأي عقل يقبل أن الطفلة التي امتلكت الشجاعة وهي سن السابعة من عمرها أو أقل، ووقفت في وجه الاحتلال وجنوده، يمكن أن تكون أداة في يده؟ لماذا نريد دائما تصنيف رموز المقاومة، حسب الأهواء، مع حماس أو مع السلطة؟ لماذا نريد من الفتاة التي لم تكن تعرف سوى أن هذا الكيان هو العدو الأكبر لها، أن تكون ضمن توجهاتنا أو أيدولوجيتنا؟
اقرأ أيضا ـ عامر أبو شباب يكتب: غزة… يوم من أربع ساعات
كل هذه الأمور تعكس حجم كارثية المنطق الذي يحكمنا في التعاطي مع القضايا: بدل استثمار الاهتمام العالمي بالفتاة وإثارة القضية في المحافل الدولية؛ وذلك من خلال الحديث والمطالبة بالإفراج عن المعتقلات والمعتقلين، ذهب الكثيرون إلى التخوين والتشكيك والاتهامات الباطلة.
ليس من الضروري أن نتصدر جميعنا المشهد، لكن يجب أن نقف خلف من يتصدر المشهد ويعبر عنا
فيما يتعلق بالاهتمام الإعلامي يا سادة، وبحسب خبرتي فيه لسنوات طويلة، يمكن توضيح أسباب هذه الضجة الإعلامية بما يلي: عهد أصبحت أيقونة للمقاومة إثر مواقفها منذ أن كانت صغيرة. لعل المصادفة قادتها لذلك، من خلال صورة معبرة التقطت لها في بعض مواقفها ضد جنود الاحتلال. والإعلام يذهب، في كثير من الحالات، إلى ما يهتم به الجمهور… حساباته تختلف عن تقديراتكم للأشياء.
بالطبع هناك مئات الأطفال مثل عهد، والذين لم يسلط عليهم الضوء بنفس الشكل. لكن، لماذا لا يكون أصل التقصير من أولئك أنفسهم الذين يشككون في عهد الآن؟ فالمصور الذي شتغل لصالح وسيلة إعلامية، يبحث عن الصورة المؤثرة المعبرة وقد لا تعنيه القضية. هو تعنيه الصورة التي قد تكون قادت عهد إلى هذه الشهرة.
اقرأ أيضا: الحريديم، الأكثر التزاما بالديانة اليهودية والأكثر تشددا على النساء. “طالبان” اليهود؟
بعيدا عن الصراعات الفارغة التي لا تجدي نفعا، أرى أنه من الواجب استثمار الفتاة في الجانب المضيء الذي يمكن من خلاله الحديث عن أطفال فلسطين ضحية الاظطهاد الإسرائيلي. ليس من الضروري أن نتصدر جميعنا المشهد، لكن يجب أن نقف خلف من يتصدر المشهد ويعبر عنا، خاصة أنه من المحال أن يقف عاقل ويقول إن الطفلة التي شبت ونشأت على المقاومة، تنفذ خطة ما وتسعى لنيل بعض الأشياء!
من المؤسف أن هذه الدائرة أصبحت هي السائدة في مجتمعاتنا. هذه الأخيرة أصبحت تعلق كل ترديها وتخلفها وتراجعها على فكرة المؤامرة وتعتبر أنها ضحية تآمر الكون بأجمعه.
أثق أن عهد التميمي وجيلها سيكونون أقوى من كل صراعاتكم الزائفة، وسينتصرون للإنسانية والقضية الأساسية بعيدا… عن كل هذا الهراء.
* محمد حميدة شاعر وقاص وصحافي مصري