مهرجان كناوة يسدل ستاره على الدورة الـ 26 ويضرب موعدا لعشاقه العام المقبل
بعد ثلاثة أيام، ودعت مدينة الصويرة زوارها، بعد أن عاشت فضاءتها على إيقاعات مهرجان كناوة وموسيقى العالم الذي اختتم فعاليت دورته 26.
الدورة التي حضرها أزيد من 300 ألف محتفل حجوا لهذا العرس الموسيقي الكبير، عاشوا على إيقاعات موسيقية مزجت بين الجغرافيات الثقافية، واللقاءات الفكرية، والعيش المشترك.
أُسدل الستار، يوم السبت 21 يونيو 2025، عن فعاليات الدورة 26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، الذي حول مدينة الصويرة إلى مسرح مفتوح للاحتفال، والعيش المشترك، والتلاقح الثقافي.
ثلاثة أيام عاش خلالها الجمهور تجربة موسيقية وروحية استثنائية، عابرة للحدود والأنماط، حيث تجاوب الكمبري مع الساكسوفون، وامتزجت الأغاني الإفريقية بالإيقاعات الكوبية، واهتزت أصوات كناوة على إيقاع الطبول السنغالية.
وقد عرفت الدورة، حسب بلاغ توصلت به مرايانا، مشاركة 350 فنانا من أكثر من اثنتي عشرة دولة (السنغال، الولايات المتحدة، تونس، نيجيريا، فرنسا، تركيا، سوريا، كوت ديفوار…) على مختلف منصات المهرجان، من بينهم 40 معلم كناوي من الرواد والواهب الصاعدة.
انطلق المهرجان بعرض افتتاحي ضخم بساحة مولاي الحسن، قاده المعلمون المغاربة ورافقهم موسيقيون من السنغال وفرنسا، من بينهم حميد القصري، كيا لوم، عبير العابد، وفرقة بكالما. بعدها، توالت الأمسيات والعروض الموسيقية المبتكرة، من بينها لقاء استثنائي بين الجاز الأمريكي وكناوة، حمل توقيع حسام كانيا وماركوس غيلمور، بالإضافة إلى تجربة صوفية عميقة قادها كل من ضافر يوسف والمعلم مراد المرجاني.
قبل أن تتحول الصويرة بأكملها إلى منصة عرض، حيث أقيمت حفلات وترية في الزوايا أو بيت الذاكرة، جمعت بين الأصوات الكردية، والنغم الأمازيغي في برج باب مراكش. وعلى منصة الشاطئ تألق المعلمون الشباب؛ فكان حفل فهد بنشمسي وفرقة ذا لالاس لحظة خالدة اجتمع فيها جمهور لا حدود له على هذه المنصة.
لم يستثنِ المهرجان الجانب الحقوقي، حيث أوفى منتدى حقوق الإنسان، المنظم بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، بكل وعوده في نسخته الثانية تحت شعار “الحركية البشرية والديناميات الثقافية”، حيث ناقش كتاب وباحثون وسينمائيون الروابط المعقدة بين الهجرة، والإبداع، والانتماء.
وشهد المنتدى مداخلات مميزة، أبرزها الشاعرة فيرونيك تادجو، المؤرخ باسكال بلانشار، والمخرج إيليا سليمان، الذي لامس الحاضرين بشهادته الصادقة حول اللجوء والانتماء.
المشاركون أجمعوا على ضرورة التنقل البشري رغم العوائق والقيود، بدوافع مختلفة، أبرزها البحث حياة كريمة، وما يصاحب ذلك من ديناميات ثقافية قوية، ورسائل سياسية وهوياتية عميقة.
في مبادرة فريدة، نظم كرسي UM6P للتقاطعات الثقافية والعولمة مائدتين مستديرتين جمعت بين الباحثين ومعلمي كناوة. لقاء انساني وعميق، اختلطت فيه لغة المعرفة الأكاديمية برواية التجربة الشفوية والحنكة الموسيقية، لتأكيد أن التراث ليس أرشيفًا، بل طاقة حية تُغذي الحاضر وتفتح آفاق المستقبل.
واصل المهرجان رهانه على تكوين الأجيال الصاعدة، من خلال “برنامج بيركلي في مهرجان كناوة”، الذي جمع 74 موسيقيًا شابًا من 23 جنسية، في أسبوع من الإقامة الإبداعية، والتكوين، والتبادل تحت إشراف أساتذة عالميين.
المهرجان لم يمر دون أن يلفت انتباه الإعلام الدولي، إذ غطى فعاليته أكثر من 250 صحفيا ومصورا من 14 دولة، من بينها الهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا.
مهرجان كناوة وموسيقى العالم 2025 أثبت أن الموسقى لغة مشتركة، والمدينة مختبر للمزج، والتراث مادة حية. على موعد جديد إذن، من 25 إلى 27 يونيو 2026، مع دورة تعد بأن تكون أكثر احتفاءً بالاختلاف، وأكثر انفتاحًا على المستقبل.