مَن ذَاقَ عَرف - Marayana - مرايانا
×
×

مَن ذَاقَ عَرف

“حزن النوع البشري، نتاج طبيعتهم وليس ظروفهم، ما يحتاجونه ليس عقاقيراً، وإنما طمأنة”
ليوباردي

البناء الاجتماعي للواقع (Social construction of Reality)، وإن قُدم من قبل كمجموعة من العناصر المتساوية مظهرا، إلا أن أمورا مخالفة طغت عليه وساهمت في بيان أغلب ظلاله، ما جعلني أُذكر عقلي وأعي ما يدور حوله.

جميع التغيرات التي تمر علينا، لا نراها بنفس النور أو بنفس حرارة الشمس الحاضرة بيننا… هكذا استلهمت وجودي من الطبيعة شأن رغبتي في الاستفادة من الحياة. هناك من يعي ذلك وهناك من يرفض ذاك، وللجميع سويَّة حياته مادام غير منتهك لـ ”قوانين العامة”، لا ضارا نفسه أو الباقُين…

قبل التعمق في ما وددت مشاركته، يلزمني الإطلاع على أدوات التحقق وأولها ”مقصد الفهم”، حيث يكون نصيب المعاني متفرغا وفي ذات الآن عامرا حسب اختلاف المعايير الفكرية والثقافية، وإن كان الغرض متعلقا أساسا بمعرفة مدى إمكانية لا الوصول إليهما وإنما استخدامهما معا بشكل يساهم في الرفع من مردودية الوعي.

بما أن محاكاة هذه الطبيعة تبقى أساسا أخلاقيا مساهما في إنتاج القيم، تكون الحقيقة آنذاك متجلية في خدمة – الذات والآخر – خصوصا حينما تحسب أنها في غير حاجة للغير، ولكن في تحقيق ما نريد؛ فالفضيلة أو الذنب مفهومان يعبران مباشرة عن ما تحمله الذات تجاه نفسها، لكنهما في الواقع محصوران داخل لاوعي الآخر. أي أن أفعالك الشخصية هي ما ستكون اقترفته في حقنا جميعا، أي ما أيقنت أن صورتك المقدمة هي الصورة المعكوسة عن الوطن، وإن قلنا إنك لازلت تبحث عن مطرح لك ولا تعرف ما تريد، فإنها فعلة أخلاقية تخصك وتتغافل عن إدراك أمرها، مادامت النتائج الموضوعة بين يديك معممة وباتت حال لسان الكثيرين عليك.

لكل من وقع المقال بين يديه، ولكل متردد اعتاد سردا معينا، مرحبا بك في غزل، سلسلة مرحلية وقصيرة تعرب عن مفهوم “المرض” مهيب الروح وضمان الوجود داخل مقاطع الغياب، حد تعبير إيلي ويزل Elie Wiesel”: ما الذي تتركه لنا القصة بعد انتهائها؟ إن لم تكن قصة أخرى وهي حال رحلتي مع “أبي” تصويبا للقلب داخل زوايا مغايرة، فما لأمثال حالنا سوى الحلم ”بالشفاء”، حتى إن كنت أجيز الخصوصيات، فإنها لامحالة ستظل مدونة بيننا دليل المستفيد(ة) رغم اختلاف الرؤى والتقاطعات المتعلقة بمسار ”الصحة” إلا أن الحديث حول محددات الثقافة الاجتماعية المعبر عنها تظل رهينة التصورات “المرضية” وطرائق تشخيصها.

كل جاهر بمعالم راحته، إلا وهَدْهَدَ نتيجته الصحية، على قدر حذقه، لربما راحة صحية تعبر عن تُؤَدَة جسدية، كأن تجعل من القراءة نوما، طعاما، وشرابا؛ فالساكن لابد وأن يشتري مسكنا مناسبا له، يليق بقدرته المادية، ومخياله التصميمي. إن الصحة العقلية مقامرة حقيقية للتعافي والتخلص من الإجهاد الاجتماعي والإفلات من وصُوم تجارب سابقة، فهي توحي بشكل من الأشكال بتفاعلات اجتماعية قدم قبلها “إرفينغ غوفمان” في تفسيراته الخاصة من كتاب ”عرض الذات في الحياة اليومية”: ما إن اجتمعت المجامع إلا وتفرقت المصالح حتى ترسخت صورة النموذج الدرامي المطبوع مع الحياة الاجتماعية، تلك الاحداث التي كدنا نعتقد أنها لا تحتاج تمحصا ولا تبصرا.

الأجدر، عندما تدخل مسألة التفكير في علاقة الطبيب ‘بالمريض’ والمباشرة بتشخيص ”الحالة”، أن يكون التدبير قيد الاستشارة كسيرورة قبل-مرضية، يبحث فيها الشخص عن أسباب غياب المؤشرات الموضوعية التي من شأن أصحابها الشعور ”بالمرض ومدته” كمشكلة مزعجة لا تقبل العلاج، بل وتبقى نفس الوجهة تخاطر بظهور الطبيب كشخص غير متعاطف أو كفء، مالم يتمكن من تحقيق علاج مناسب داخل قالب يسع النظر في الثقافة والتفكير ضمنهما، ها هنا تبقى تبعيات البين بين محصورة بتعدد واختلاف وجهات النظر الاجتماعية والتي من شأنها تقليص المجهودات الشخصية وكذا الفصل في تسوية الوضعية التفاعلية الفارقة بينهما، فلا يعقل تدبر “ثقافة شخص معين” تحت طائلة ما يعتقد أنه صحيح والغير يراه لا يليق بذات الوضع، لاسيما في مكان يحمل جميع أنواع الطبقات الاجتماعية؛ أي أن الفهم الطبي ليس نفسه فهم المريض لحالته؛ وداخل هذه الفجوة بالذات يلزم الاستعراض والتعديل…

على أية حال، فإن تصور صورة مثالية لعلاقة المريض بطبيبه، تذكرني بـ “ارسطو” حينما تفضل بطرح نموذجه الفلسفي الاجتماعي، إذ جعل منه الأساس الماثل في إنتاج مواطنين صالحين، متمرسين في وظائفهم ويعرفون من ”هم’‘ وأن  كل أداء صرف هو طائل يجب أن يعرب عن واجب أخلاقي لا يعتليه مقابل، أي تلك القيم الفضلى التي تقوم على خدمة شؤون العامة.

ذاك ما وجدته ينطبق على “هيثم، إلياس، أسامة، سلمى، رانيا، محمود وإسماعيل إلى كبار الأسماء وباقيها… ”، شابات وشبان من مختلف الأعمار يعملون غرض تقديم إصلاح اجتماعي، فنحن لا نفكر في النوايا المصاحبة وإنما علينا الاستشهاد بالخبرة اللحظية  التي يدافعون فيها عن خبرتهم الطبية وجعل المريض فيها متصالحا مع صحته، وكذا في الابتعاد عن التفكير السلبي للممارسة المهنية المورثة لظروف وعادات غالبا ما يغيب فيها الطابع الانساني. هؤلاء يُعتَبرون محاربين للعمل الاوتوماتيكي ومرحبين بنماذج تراعي التزامات المجتمع تجاههم  وفي كون الانسان يظل إنسانا رغم ما قد يصير. لا أرى في هذا الحديث عنهم ولا عنهن ذكرا أو تشجيعا فهم لم يطلبوا ذلك، بل هو واجب وتكريم عرضي لكل من يقوم بعمله قيد الحياة ويذكرنا بالطريق الأحق دون احتساب من البعض في أن العمل يبقى ربحا ماديا يضمن العيش الرغد.

“سنبقى موجودين مادام يوجد من يتذكرنا”، الطاهر بن جلون.

تعليقات

  1. Othmane elfarah

    جميل جدا معاني عميقة من قلب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *