محمد علي لعموري يكتب: سارة حجازي: حين يرحل قوس قزح
أجدها بطلة قيد حياتها، كما أجدها بطلة وهي تقبل على الموت بحفاوة…
كما أجدها بطلة بعد موتها، لأنها استطاعت أن تترك رنينا يهتف باسمها من طرف مناضلات ومناضلي الحركة الكويرية بالوطن العربي، ومن طرف حملة مشعل الدفاع عن الحريات الفردية في كل مكان.
سارة حجازي ناشطة حقوقية، وإحدى الكويريات اللواتي ينتمين لمجتمع الميم، الذي يضم أقليات الهويات الجنسية والجندرية التي تكافح من أجل الحب والسلام والإيمان بعقيدة الاختلاف وحرية التعبير والحريات الفردية وحرية الإبداع، ومحاولة العيش بالشخصية التي ترتاح لها الذات، لا الشخصية النمطية التي يفرضها مجتمع ذكوري طبقي تسلطي، يصادر حرية الآخر من أجل إشباع الفضول السلطوي والهوس الإيديولوجي الذي يسكن اللاوعي الجمعي لقاعدة عريضة من أفراد المجتمع.
تعرضت سارة حجازي للاعتقال سنة 2017، لرفعها علم الفخر الخاص بمجتمع الميم، وهو علم الحرية والسلام والاختلاف، تعبر ألوانه السبعة عن رمزية هوياتية ورمزية أنتروبولوجية، من حيث أن ألوان قوس قزح مشتقة من الطبيعة حين تشرق الشمس بعد مطر، فتنتفي ثمة الثنائية التصنيفية التي يجسدها مبدأ الثالث المرفوع (يا أبيض يا أسود)، لتعبر تلك الألوان الزاهية والفاتحة عن روح الاختلاف التي في الطبيعة… قبل أن تلجمها الثقافة ويحكمها منطق القولبة والتنميط الثقافي.
تعرضت سارة للتعذيب والإكراه البدني في سجون مصر، لييتم إخلاء سبيلها بعد ذلك، ولتودع مصحة نفسية للتعافي من آثار الظلم والاحتقار والضغوط النفسية، التي تعرضت لها من طرف المجتمع حينا ومن السلطة حينا آخر.
حاولت الانتحار أول الأمر ففشلت، ثم هاجرت خارج مصر، بحثا عن عالم جديد يسكنها وتسكنه، لكن قوة بطش الظروف وصعوبات العيش وظلم ذوي القربى وتخلي الأصدقاء، وتعب الذات من كل هذا الفشل المتلاحق رغم الإيمان القوي بالقضية، عجل برحيلها… واضعة حدا لحياة قاسية.
بالعودة إلى قرار سارة الرحيل عن هذا العالم غير العادل، وفي عز أزمة كورونا، وظروف العيش في الغربة بعيدا عن الأهل والأحباب، وقسوة عيش أنثى بهوية جندرية، سببت لها الكثير من الأسى والعنف، وبما أن درب النضال يكاد يكون مهلكا لصاحبه ومتعبا لنفسيته، أجد أن رحيلها كان قرارا فيه الكثير من الشجاعة والإقدام على قهر الألم… وهزم الموت المتخيل الذي يخيفنا جميعا.
سارة حجازي، عكس من سيتهمها بالضعف لأنها استسلمت للموت، أجدها بطلة قيد حياتها، كما أجدها بطلة وهي تقبل على الموت بحفاوة… كما أجدها بطلة بعد موتها، لأنها استطاعت أن تترك رنينا يهتف باسمها من طرف مناضلات ومناضلي الحركة الكويرية بالوطن العربي، ومن طرف حملة مشعل الدفاع عن الحريات الفردية في كل مكان.
ستجوب روح سارة حجازي العالم الظالم، وهي تهتف عبر رسالة يتيمة تلخص فيها كل أسباب الرحيل.
الأطراف التي توجهت إليها سارة حجازي برسالة الوداع الأخير هي:
إخوتها… تخبرهم بفشل محاولتها للنجاة…
أصدقاؤها… تخبرهم بضعف مقاومتها لتجربة جد قاسية…
العالم الذي كان قاسيا عليها بشكل كبير…
في كل كلمة موجهة لتلك الأطراف المعنية، كانت تطلب السماح… لعلها ما وجدت في الإخوة منقذا لها من الضياع، وما وجدت من الأصدقاء سوى الخذلان، وما رأته من هذا العالم أجمع سوى الظلم والقسوة…
لترقد روحها في سلام لعل ألوان قوس قزح… تحزن لأجلها بعد رحيلها.