كورونا: الإعلام والتواصل لمواجهة الوباء
عندما نتحدث عن الإعلام، فإننا نتحدث عن “التواصل في حالة الأزمات”. من المعلوم أن القاسم المشترك بين الأوبئة والإعلام هو الانتشار السريع، خصوصا في نظام تبادل اقتصادي حر وسريع. هذا …
عندما نتحدث عن الإعلام، فإننا نتحدث عن “التواصل في حالة الأزمات”.
من المعلوم أن القاسم المشترك بين الأوبئة والإعلام هو الانتشار السريع، خصوصا في نظام تبادل اقتصادي حر وسريع.
هذا السياق يفرض على السلطات العمومية والمسؤولين تطوير استراتيجيات وآليات التواصل بهدف التحكم في الأزمة واحتواء نتائجها السلبية المحتملة على الصعيد الاجتماعي، وذلك من خلال وفرة المعلومات حول الأزمة وطبيعتها، رغم ندرتها في البداية.
هذا الأمر يبين التحدي الكبير أمام الإعلام والصحفيين المهنيين لتوفير ونشر الحد الأدنى من المعطيات الموضوعية حول الوباء من جهة، ومواجهة موجة الإشاعات والأخبار الكاذبة من جهة أخرى، خصوصا في سياق فوضى مصادر المعلومة غير الرسمية وغير المتأكد منها والفاقدة للمصداقية، كما يحدث حاليا في المغرب مع انتشار وباء كورونا، حيث زاحم صوت الجهلة الصوت الإعلامي المهني والرسمي؛ مما جعل النيابة العامة تدخل على الخط لوقف هذه الفوضى التي تستخف بمستقبل وبصحة المواطنين.
الحزم إذن والانضباط الإعلامي للصحفيين المهنيين هو صمام الأمان لمواجهة فيروس الجهل قبل مواجهة خطر كورونا. ولنا في التاريخ كما الحاضر نماذج تزكي هذا الطرح.
في الحرب العالمية الثانية مثلا، وبعد قصف ألمانيا لبريطانيا لمدة 57 يوما، عمت حالة من الهلع والرعب جميع المواطنين واضطروا معها للمبيت في الأنفاق… نتيجة لهذا الوضع الاستثنائي، تم تطبيق “الرقابة الإعلامية” من طرف السلطة للتمكن من اتخاد القرارات بسرعة وفعالية.
مثال آخر يتعلق هذه المرة بمواجهة حرب الصور على الصحف الأمريكية. الأخيرة مجّدت القوة العسكرية الألمانية على حساب المقاومة البولندية، ونقلت صور الخراب والدمار الذي ألحقته جيوش ألمانيا ببولندا؛ كم تم استصغار مقاومة البولنديين وتصوير استقبالهم للجيش الألماني، إضافة إلى “قلة صور الجرحى والموتى الألمان” في الإعلام الأمريكي… كل هذا ساهم في تكوين صورة ذهنية عن القوة العسكرية الألمانية وقدرتها على حسم المعارك لصالحها”.[4] أمثلة عديدة أكدت نفس المعطى كحرب فيتنام 1963 أو حرب أكتوبر 1973… إلخ.
نجاح الصين بعدد سكان يزيد عن 1,410 مليار نسمة في حصر المرض، التحكم فيه والانتقال إلى مرحلة السيطرة عليه، تم بفضل تدخل الدولة بشكل صارم وناجع في إعطاء وفرض تطبيق تعليمات الحجر الصحي وكذا انضباط الشعب الصيني والتزامه بالتعليمات الطبية بشكل سريع وملموس.
إيطاليا بدورها تواصلت بشفافية مع مواطنيها ومع العالم حول مدى اتساع وخطورة الوباء.
رئيس الوزراء البريطاني أكد على ضرورة الاستعداد لفقدان الأقارب جراء الوباء…
اختلفت السياقات لكن القاسم المشترك بينها هي “الوضوح والشفافية في نقل المعلومة الصحيحة”.
الذاكرة الجماعية المغربية لا تزال تحتفظ بقصص وتمثلات عن فترات الطاعون وعام البون من خلال الكثير من الروايات الشفهية، ولاحقا بشكل جزئي كارثي، عن زلزال أكادير في 29 فبراير 1960 والحسيمة سنة 1994 ثم في 24 فبراير 2004 على التوالي، والذي انتشرت بعده إشاعة تؤكد أن المدينة يصيبها الزلزال كل عشر سنوات، لدرجة أن سكان المنطقة توقعوا بل وانتظروا حدوثة مجددا سنة 2014.
كما أنه، بعد زلزال 2004، حسب أشخاص عاشوا الحدث آنذاك، انتشرت بعض الإشاعات من قبيل: توقف الدراسة، انقطاع مؤونة الغذاء عن المنطقة…
لهذا، وأمام أزمة صحية بهذه الشراسة، وجب العمل على تقييم الأخطار وتسطير الأولويات بوضع استراتيجية تواصل من طرف مختصين وخبراء في هذا المجال، والتركيز على مسألة الانضباط للتعليمات الصحية الدولية والوطنية والتنافس على السبق في إيصال المعلومة الصحيحة، لتوحيد إدراك الرأي العام لخطورة الموقف بشفافية وحرفية، تضمن للمتلقي المعلومة المُحيّنة. كما يتوجب أيضا الإنصات لصوت الشعب والعمل على إيصال صوتهم والتعبير عن خوفهم دون تقزيم أو مبالغة.
[1] https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Mental/Pages/003.aspx
[2] G-N Fischer : (les concepts fondamentaux de la psychologie sociale), édition DUNOD, page 165
[3] فرانس24 موقع : https://www.france24.com/fr/20200319-stress-post-traumatique-confusion-et-col%C3%A8re-les-effets-psychologiques-du-confinement
[4] www.acrseg.org