فاطمة أبدار تكتب: أغبالو… من اغتال أشجار الصفصاف؟
وجدتني وأنا أمر في المنعطف الضيق في اتجاه “أغبالو”، أي ينبوع الماء الزلال المتدفق، أمام هول صدمة منظر سماء قرعاء من الظلال الوارفة، بينما الممر مأهول بقطع خشب متراصة كما لو أنها أطراف جثة آدمية ملقاة على قارعة الطريق بدون اكتراث أو أدنى إحساس بالذنب !!
ألم حقيقي أن تزور تلك القرية الصغيرة التي كنت دائما تراها شبيهة بمحمية طبيعية في أعالي جبال الأطلس…
… وأنت تمني النفس بلحظات هدوء وصفاء ذهن ومتعة الانفراد بالذات في حضرة طبيعة بجمال وحشي كنت تظنه لازال قائما، يصدمك منظر الجريمة النكراء. جريمة اقترفت بكامل البرود في حق أشجار الصفصاف العظيمة…
أشجار عملاقة معمرة يفوق عمرها المائة سنة حسب تقدير الروايات المحلية… كانت هنا بظلال وسموق جليل لا يضاهيه في الشموخ سوى تلك الجبال الشاهقة التي تحضن القرية.
… ساعات قليلة كانت كافية لكائن تافه كي ينهي قصة وجود طبيعي وإيكولوجي بجرة منشار، فيغتال في ساعة… ما استغرقت الطبيعة في صنعه سنين طويلة !!
قطعة من الجنة اختفت بقطع أشجار الصفصاف… أشجار تنتظم بها وحولها سمفونية حياة بديعة، ومأوى سعيد لعديد من الكائنات التي ستختفي وتعلن حلول الخراب كما حدث فعلا في مناطق عديدة من المغرب …
وجدتني وأنا أمر في المنعطف الضيق في اتجاه “أغبالو”، أي ينبوع الماء الزلال المتدفق، أمام هول صدمة منظر سماء قرعاء من الظلال الوارفة، بينما الممر مأهول بقطع خشب متراصة كما لو أنها أطراف جثة آدمية ملقاة على قارعة الطريق بدون اكتراث أو أدنى إحساس بالذنب !!
إقرأ أيضا: التلوث البيئي يقتل الآلاف سنويا بالمغرب ويكبد الدولة خسائر مالية بملايير الدرهم 2/1
فراغ كبير تركته أشجار الصفصاف… في الأرض وفي القلب.
فراغ لم تستطع أن تملأه أو تهدئ من حرقته تلك الأسئلة المعلقة بذهني:
كيف سمح الأهالي وجمعيات السهول والجبال ومثقفو المنطقة بحدوث هذه الكارثة؟
ما عساي أن أفعل… أنا الغريبة التي أحبت جمال هذا المكان كثيرا؟
لا أدري… أهو فعلا أمر “أبوكاليبسي” إلى هذا الحد الذي بدا لي دون كل سكان هذه القرية، ودون كل هؤلاء المارين قرب مسرح الحدث دون كبير اهتمام، أم هي فقط هواجسي الفلسفية الصغيرة البعيدة عن اهتمامات الناس التي صورت لي الحدث على هيئة دراما رمزية ؟!!
أكاد ألطم وأولول وقد اختلطت بداخلي أحاسيس الغضب والحنق والحسرة والعجز… من يسره أن يختفى من الوجود وبلا رجعة هذا المشهد الخلاب الذي كان يحضن خرير المياه وأصوات العصافير ونقيق الضفادع وأزيز النحل وأريج “تيميجا” النابتة على جنبات أحواض المياه وأسراب من أنواع نادرة من الطيور المهاجرة موسميا نحو المكان؟
قطعة من الجنة اختفت بقطع أشجار الصفصاف… أشجار تنتظم بها وحولها سمفونية حياة بديعة، ومأوى سعيد لعديد من الكائنات التي ستختفي وتعلن حلول الخراب كما حدث فعلا في مناطق عديدة من المغرب …
أمن أجل متع البطن والافتراس البائس، ومن أجل فحم الشواء وهستيريا اللحوم تحدث هذه الفظاعة في هذا المحيط الأعزل؟
كيف لم يصل صوت حماة الطبيعة والبيئة إلى آذان هؤلاء السذج الذين يخربون بيوتهم بأيديهم؟
حقيقة واحدة مرة ومؤسفة تسيطر على الذهن…
هذه القرية… والعديد من شقيقاتها بالمغرب، تعيش إيقاعها الخاص والرتيب خارج الزمن، بعيدا عن انشغالات العالم وانهياراته. بعيدا عن مفاهيمنا وتأملاتنا وهواجسنا نحن “المتعلمين”…
أمن أجل متع البطن والافتراس البائس، ومن أجل فحم الشواء وهستيريا اللحوم تحدث هذه الفظاعة في هذا المحيط الأعزل؟
كيف لم يصل صوت حماة الطبيعة والبيئة إلى آذان هؤلاء السذج الذين يخربون بيوتهم بأيديهم؟
الناس يمرون هكذا في سكينة مستفزة… ويمضون بعد إلقاء التحية نحو أشغالهم وحيواتهم الرتيبة، بعيدا عن خطابات التنمية المستدامة والعدالة الإيكولوجية والتغييرات المناخية… وما يتهدد حياة الإنسان وكل الكائنات من مصير ما فتئت تحذر منه جميع الأوساط العلمية والفلسفية والمنظمات البيئية…
تحسرت كثيرا لحالنا وأنا أطالع أخبار الشعوب الأخرى وما تقوم به مجهودات للعناية بالبيئة، وتساءلت كيف تجهد دول نامية مثل إثيوبيا في رفع تحدي زرع 350 مليون شجرة في ساعات معدودة، في الوقت الذي نجهد في تخريب وتدمير إرثنا الطبيعي وكل ما هو جميل بدم بارد ودون إحساس بالجريمة.
أقرأ أيضا: صناعة الجوع: هل الندرة مجرد خرافة؟ 4/1
أمن أجل بضعة دراهم بائسة، يتم وأد أشجار معمرة ظلت هنا تمنح ظلالها وجمالها وأغصانها حضنا تشع منه طاقة ايجابية كبيرة تصنع سعادة وطمأنينة لا حدود لها للجميع؟.
كم قرية… وكم من منطقة ومدينة تتكرر فيها نفس السيناريوهات المأساوية؟
ما هذا البؤس؟ ما هذا العنف والتدمير؟
أين نحن من ثقافة العناية والرفق ومن مستوى حكمة الأجداد، أين نحن من تلك السيدة التي ذكرت كتب التاريخ أنها أوصت بوقف ثروتها لأجل العناية بطائر اللقلاق وسلالته؟
أين نحن من الوازع الديني الذي حوله الكثيرون لمرادف للعنف ومصادرة حريات الآخرين، وتناسوا أنه في أسمى تعابيره، يحث على الرفق بالحيوان والنبات؟
إقرأ لنفس الكاتبة: مسيرة الحفاة…أيام البصري وبنكيران!
ما أحوجنا لغرس ثقافة جديدة ترتفع بنا قليلا من هذا الحضيض وهذا الجهل الآثم، كي نكون في مستوى الأمم والتحديات الكبيرة المطروحة على كل البشر…
ما أحوجنا للوعي بالفرق بين أخلاق الإيغو وأخلاق الإيكو… كي نكون جديرين بما تمنحنا الطبيعية…
ما أحوجنا لثقافة الحب !