محمد علي العموري يكتب: المثلية الجنسية والنظام الذكوري
في مجتمع تستمر فيه نفس الدونية، معبرا عنها تجاه “الأنوثة” و”العاطفة” و”الليونة” و”السلم” و”الأدب” و”الديبلوماسية” التي تتمتع بها المرأة، أمام “جبروت” و”تسلط” و”خشونة” و”عنجهية” و”عدوانية” الرجل، يصعب تقبل أن ينضم صنف من الذكور إلى قائمة المعبرين عن نقيض ما تعبر عنه الذكورة في أقصى وأقسى تجلياتها من طرف رجل أو امرأة وارثين لنفس النمطية من صلافة وخشونة رعناء وعدوانية ماحقة وتسلط مجاز سوسيولوجيا.
تبدو مظاهر الجنسية النمطية (المألوفة) واللانمطية (المقموعة) كما لو كانت تجليات وانعكاسا ونتائج لأعطاب الذات (الفردية) داخل مجتمع معطوب بنيويا وعلائقيا.
فالمثلية الجنسية هي ميول عانى من خلل وبطش العلاقات التي تشكو عللا شتى منها:
غياب الحب والتفاهم واحترام الاختلاف، وإهمال الطفل والتعدي على كينونته، وعدم رعايتها وفهمها بما يلزم عبر الأسلوب السوي والعلمي في التربية، ومن ظلم خفي أو جلي وقع على الذات الفردية، وغالبا ما يكون قد حدث في مرحلة الطفولة.
ففي هذه المرحلة المبكرة من عمر الإنسان تبدو هشاشة الطفل؛ العاري من كل حماية أو حرص أو حب دافئ يتدثر به ويقوي شخصيته، ويصنع اتزانا في كينونته؛ مدخلا لبروز ملامح وتجليات الرفض والتمرد على النمط المفروض الذي يقتل الكيان الفردي ويحرمه الحياة المتزنة.
المثلية الجنسية تعيش في الظلال الوقائية للنظام الذكوري “المقدس” لدى الجماعة، بينما يتم خرقه خفية من طرف الأفراد، وهذا ما تعنيه جملة:
سلوك الجماعة نفاق مقدس وسلوك الأفراد مخاتل وضعي.
المثلية مع بروز مساحات كونية للتعبير عن نفسها، زحفت بثقافتها المضادة – ولا نقول البديلة -، ثقافة ناقدة رافضة لأعطاب ثقافية ذكورية، وجرفت سيلا من السلطوية القمعية داخل الأسرة وداخل نظام اجتماعي منافق ومخاتل وعدواني ضد الاختلاف وضد الجديد وضد الغريب… وضد كل ما من شأنه زعزعة مرتكزات هذا النظام الطاغي المشكوك في وجاهته وقدرته على استيعاب واحتواء كل رغبات وتطلعات واحتياجات الفرد الصغير (الطفل) داخل منظومة الغلبة، الكلمة الأولى والأخيرة فيها للكبير، وللكبير الذكر.
إقرأ أيضا: المجتمع المغربي… محافظ أم منفتح؟ 2/1
ويأتي في الرتبة الثانية المرأة المطيعة، وتقصى المرأة المشاكسة، وتقمع التي تثور على نظام الذكورة، ثم يعقبها الطفل في نسخته الذكورية المقلدة التي تحدو حدو النظام الذكوري السائد، وما يستتبع ذلك من تبعية الأخت الطفلة لأخيها الطفل في احترام صارم لنفس التراتبية…
فأين مكان وموقع المثليين وسط كل هذا النظام المغلق المغرق في ذكوريته ؟
أزعم أن المثلية الجنسية قبل أن ينظر إليها من خلال تجلياتها المتعددة والمارقة أحيانا من (هوس جنسي / دعارة / قوادة / أشكال من المتع السادية…إلخ )، هي شكل من أشكال التعبير عن الاختلاف المحرج الذي يستدعي عنفا رمزيا وماديا ضد فئاته المتعددة. فمجتمع الميم (*) يضم هذا التعدد وهذا الاختلاف داخل نفس النمط المعيشي لفئة المثليين والمثليات في شكله العام التعددي.
ومع ذلك فالنظرة البرانية التي يرميها المجتمع بحجر ثقيل من وصم وتمييز ومصادرة للحق وتصفية للجسد وخنق للروح…إلخ يحكمها نفس المنطق الذكوري كيف ذلك؟
المثليون بالنسبة للمجتمع الواصم عند مغايري الجنس (les hétérosexuels)، المتوجسين خيفة من تكاثر ظاهرة المثلية داخل نفس المجتمع الواحد (les homophobes)، يتم تصنيفهم وتشديد أو تخفيف الأحكام القبلية (les préjugés) تجاههم وفق نفس المعايير الذكورية:
فالمثلي الموجب/الفاعل يوصم بشكل أخف، وقد يتم التغاضي عنه لأنه في عرف المجتمع يحافظ على ذكوريته – وإن كان قد انتهك ذكورية غيرـ.
ولنا كدليل على هذه الحالة مثال وقع داخل إحدى ثكنات الجيش، حين تم كشف علاقة جنسية بين عسكريين اثنين، فتم الاحتفاظ بالموجب/الفاعل، وتم بالمقابل تسريح السالب/المفعول به، باعتباره شخصا غير مرغوب فيه كجندي داخل منظومة الجيش الصارمة.
مثال آخر يعبر عن نفسه… حين نستدعي حياة المثليات المسترجلات داخل المجتمع مقارنة بحياة المثليين الميالين إلى الأنوثة في السلوك والتعبير والتمثل، فإن المجتمع يبدي تسامحا وتجاوزا متواطئا مع صنف المثليات المسترجلات، لأنها لا تخدش الذكورة بل تقلدها وإن كانت تعتدي على مفهوم الأنوثة كما يفهمه المجتمع الذكوري ويطلبه في شخص المرأة، بينما يثور ويتهجم ولا يستسيغ أن يرى ذكرا مثليا يتشبه بالنساء، أو يتصرف وفق نفس الأنوثة التي تخلت عنها المثلية المسترجلة، لأن نفس المجتمع يعتبر ذلك تعديا وإهانة وكسرا لنمط ثقافي ثابت يهدمه ذلك المثلي بمعول الحرية التي يتمتع بها ضدا على المجتمع وضد جاهزيته لتقبل مثل هذا “الانتهاك” حتى لا نقول “التهتك”!
المثلية الجنسية قبل أن ينظر إليها من خلال تجلياتها المتعددة والمارقة أحيانا من (هوس جنسي / دعارة / قوادة / أشكال من المتع السادية…إلخ )، هي شكل من أشكال التعبير عن الاختلاف المحرج الذي يستدعي عنفا رمزيا وماديا ضد فئاته المتعددة.
…ففي مجتمع تستمر فيه نفس الدونية، معبرا عنها تجاه “الأنوثة” و”العاطفة” و”الليونة” و”السلم” و”الأدب” و”الديبلوماسية” التي تتمتع بها المرأة، أمام “جبروت” و”تسلط” و”خشونة” و”عنجهية” و”عدوانية” الرجل، يصعب تقبل أن ينضم صنف من الذكور إلى قائمة المعبرين عن نقيض ما تعبر عنه الذكورة في أقصى وأقسى تجلياتها من طرف رجل أو امرأة وارثين لنفس النمطية من صلافة وخشونة رعناء وعدوانية ماحقة وتسلط مجاز سوسيولوجيا.
إقرأ لنفس الكاتب: المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول)
هكذا تبدو تجليات العنف المنصرف نحو قمع المثلية الجنسية أكثر وهجا وحدة داخل مجتمعات منغلقة على ذاتها أو منفتحة بشروط وتحفظات، وداخل بوثقة نظام ذكوري متماسك ثقافيا لكنه متهافت علائقيا.
فلا شيء يؤكد أن احترام ذلك النظام هو السمة الحقيقية التي يتبدى عليها أفراد المجتمع سلوكيا ومعيشيا، فما خفي يبدو أعظم، لأن النفاق الاجتماعي المتفشي بين أفراد المجتمع، إنما هو محاولة لمداراة تلك الحقيقة، حقيقة أن الحدود القصوى بين المثلية الجنسية وغيرها من الميولات الاخرى غير فاصلة، وأن الناس تعيش أشكالا من المثلية أو الازدواجية الجنسية (La bisexualité) بشكل أو بآخر… إنما في صمت وفي خفاء، وإن كانت تبدي شجبها ورفضها لها حين تتبدى سوسيولوجيا في تمظهراتها داخل الفضاء العام وداخل المؤسسات.
فالمثلية الجنسية تعيش في الظلال الوقائية للنظام الذكوري “المقدس” لدى الجماعة، بينما يتم خرقه خفية من طرف الأفراد، وهذا ما تعنيه جملة:
سلوك الجماعة نفاق مقدس وسلوك الأفراد مخاتل وضعي.
(*) مجتمع الميم يضم فئات:
المثليات والمثليون، مزدوجو الجنس، المتحولون جنسيا، وما بين الجنسين أو العابرون. لأنها فئات تبدأ أسماؤها بحرف الميم فقد سمي مجتمعهم الصغير بمجتمع الميم دلالة على التعدد والاختلاف وعلى التركيبة المعقدة لهذه الفئات المهمشة واللامفكر فيها.