محمد علمي يكتب: حين تتحكم الرياضيات في الحب وتصنعه
الحب والرياضيات، كلمتان لا تجمعهما المودة، بقدر ما تجمعهما العداوة والنفور… أو هذا ما يبدو. أظهرت مجموعة من الدراسات تراجع التلاميذ في مادة الرياضيات ونفورهم منها. وكما علقت إحدى التلميذات: …
الحب والرياضيات، كلمتان لا تجمعهما المودة، بقدر ما تجمعهما العداوة والنفور… أو هذا ما يبدو.
أظهرت مجموعة من الدراسات تراجع التلاميذ في مادة الرياضيات ونفورهم منها. وكما علقت إحدى التلميذات: “علاقة الرياضيات بالحب كعلاقة الثوم بالعسل”.
ما تجهله هذه الفتاة هو أن الثوم والعسل من أكثر الأدوية التقليدية فعالية؛ وما يجهله أغلب الناس أن الحب، بكل أشكاله، من حب الذات والمال والخير وغيرها هو دافع الإنسان للتقدم.
بالاعتماد على خوارزميات رياضية معقدة، أصبح بمقدور الباحثين معرفتك أكثر من زميلك في العمل بعشرة لايكات فقط وأكثر من أمك بـ 150 لايك ومن زوجتك بـ 300 لايك فقط.
حبنا للثروة جعلنا نطور أنظمة اقتصادية وسلاسل إنتاجية فعالة. حبنا للحياة جعلنا نتقدم في الطب والصيدلة… وقد كانت الرياضيات دائماً هي أهم وسيلة وأداة لتحقيق ذلك.
سنة 2015، قامت مجموعة بحثية في جامعة كامبريدج بدراسة وتتبع أكثر من 17000 بروفيل. بالاعتماد على خوارزميات رياضية معقدة، أصبح بمقدورهم معرفتك أكثر من زميلك في العمل بعشرة لايكات فقط وأكثر من أمك بـ 150 لايك ومن زوجتك بـ 300 لايك فقط.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: ثورات الإعلام والمعلومات التي لا تنتهي
هذه الدراسات ليست جديدة، فقد ظهرت بظهور الأنترنيت، لكنها لم تكن بهذه الدقة المخيفة التي صارت عليها اليوم.
لم تكن الشركات لتترك مثل هذه الأبحاث دون استغلال، فبالاعتماد عليها حولت أنشطتنا اليومية، حتى ما قد نعتبره منها تافها ومملا، إلى معادلات ومؤشرات تستغل في التأمين والقروض والتسويق والانتاج …
بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفايسبوك الذي يرتبط به ربع سكان الأرض من ناحية، ويغير شكل الحياة العصرية من ناحية أخرى، وكذلك ارتفاع عدد العزاب الذي من المتوقع أن يصل إلى 700 مليون عازب بحدود سنة 2020؛ أصبحت الأنترنيت الفضاء الأنسب للبحث عن الحب وعن شريك الحياة.
حوالي %70 من اللقاءات عبر العالم تتم على الأنترنيت وثلث الزيجات في الولايات المتحدة الأمريكية تنطلق من على الشبكة. في 2013، أسفرت دراسة بين جامعتي هارفرد وشيغاكو عن كون اللقاءات عبر الأنترنت هي الأسرع نحو الزواج والأكثر سعادة والأقل عرضة للفشل
لم تكن الشركات مرة أخرى لتترك هذه الفرصة الواعدة دون أن تستغلها. بالإعتماد على عدة أبحاث، أبرزها أعمال الدكتور لويد شابلي الرياضي والاقتصادي الأمريكي ورائد نظرية الألعاب والحاصل، رفقة ألفين روث، على جائزة نوبل سنة 2012، أصبح الارتباط سوقا والحب سلعة والعزاب مواردا. جعلت هذه الأبحاث الخوارزميات أكثر دقة وفعالية.
اقرأ أيضا: استخدام المغاربة للشبكات الاجتماعية… حينما يصبح الافتراضي واقعا!
الآن، حوالي %70 من اللقاءات عبر العالم تتم على الأنترنيت وثلث الزيجات في الولايات المتحدة الأمريكية تنطلق من على الشبكة. في 2013، أسفرت دراسة بين جامعتي هارفرد وشيغاكو عن كون اللقاءات عبر الأنترنت هي الأسرع نحو الزواج والأكثر سعادة والأقل عرضة للفشل.
قد يكون هذا التطور إيجابياً ومساهماً في خلق مجتمع أكثر استقراراً. لكن الخطير هو وهم الحرية الذي تمنحه هذه التطبيقات بأنك صاحب القرار في بعث دعوة الصداقة أو رفضها مثلاً؛ في حين أنها، واعتماداً على قاعدة بياناتها الهائلة ودراسة نشاطك وقدرتها على التعلم والتطور، تكون قد توقعت الشريك المناسب لك وحسبت نسبة نجاح علاقتك. إنك بمجرد ضغط زر “موافق” أثناء تثبيتها على جهازك، تكون قد خسرت حريتك… إلا أنك لا تدرك ذلك.
اقرأ أيضا: الشبكات الاجتماعية: فقاعة تشوه نظرتنا إلى العالم؟
الخطير أيضاً هو تحول شعور نبيل وجميل كالحب، إلى سلعة لها أسهم في البورصة تباع وتشترى، وأيضاً تحول الإنسان بكل أبعاده النفسية والثقافية إلى معامِلات ومتغيرات رياضية مجردة داخل خواريزميات ومصفوفات معقدة.
لعل أكثر ما يكرهه أبناء هذا الجيل في الحب والزواج هو الوصاية والطريقة القديمة والتقليدية، حيث تختار العائلة الشريك المناسب إنطلاقاً من معرفتها بالطرفين. لكن حقيقة الأمر الآن أنهم غيروا الطريقة التقليدية بأخرى حديثة ورقمية، واستبدلوا دور العائلة التي كانت قريبة في وقت مضى بتطبيقات على الهواتف الذكية أصبحت هي الأقرب.
في النهاية، سواء أحببنا الرياضيات أم لا، فهي واقع يحبنا أو بالأحرى يفهم كيف نحب ويعرف كيف يجعلنا نحب.