عبد الإله أبعصيص يكتب: في عشق الجلاد
أثارتني تدوينة للروائي المغربي الأنيق، الأستاذ عبد العزيز الراشدي بخصوص التعليقات على قضية ما بات يعرف بالراقي البركاني، والتي لاحظ فيها تحاملا على الفتاة التي تظهر في الفيديو، وإصرارا جماعيا …
أثارتني تدوينة للروائي المغربي الأنيق، الأستاذ عبد العزيز الراشدي بخصوص التعليقات على قضية ما بات يعرف بالراقي البركاني، والتي لاحظ فيها تحاملا على الفتاة التي تظهر في الفيديو، وإصرارا جماعيا على اعتبارها شريكة في جرم، هي ضحيته الأولى وليست الأخيرة. فكلنا معها أو هذا على الأقل ما يجب، (ومع كل الضحايا اللواتي يقال إنهن تعرضن لنفس الممارسات الشاذة)، ضحايا لهذه الكائنات المريضة والمعتوهة التي تعيش بيننا، ولربما تمثل جزءا مهما من “جماعتنا البشرية”.
يبدو أننا نموذج جيد وتطبيق ممتاز لما يسمى في علم النفس ب “متلازمة ستوكهولم” التي من بين سماتها، المشاعر الايجابية للضحية تجاه المعتدي ودعم وتأييد سلوكه وتفكيره.
نعشق جلادنا وهو يغتصب حرياتنا وحقوقنا ونعشقه وهو يجاهر بفحولته على أجساد نسائنا، ويمارس عنفه وشططه وقسوته، ونحن نئن… وفي الأخير نجهد أنفسنا ولغتنا وحتى مبادئنا أحيانا لنجد له مبررات
أي قرف هذا الذي يكاد يخنقنا؟ طبعا في مثل هذه الحالات التعاطف والتضامن مع الفتاة مسألة مبدئية بعيدا عن كل العقد الثاوية فينا والتي لا يفضحها إلا تناقض سلوكنا وموقفنا كلما تعلق الأمر بقضايا لها علاقة بالجنس وقضايا المرأة والحريات.
إقرأ أيضا: على هامش قضية “راقي بركان”: ملف “الرقية الشرعية” في مرمى الجدل مرة أخرى..
فحتى لو كانت العلاقة بينهما رضائية فالجرم ثابت في حق “ذلك الكائن المريض”، لأن المشكل ليس في العلاقة الجنسية، الجرم الأكبر في “التصوير” و”الابتزاز” و “التشهير”… والأخطر هو استغلال مشترك جماعي “الرقية” بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه المسألة، لكنها تبقى جزءا من جهلنا المشترك التي يجب محاربتها بالعلم والتربية والقانون، وليس استغلالها لممارسة تسلطنا الكامن فينا جميعا.
… ففي غياب القانون يصبح الشطط في استغلال الجهل أمرا مباحا. أتساءل وارتباطا بما سميته ب”عشق الجلاد” ماذا لو كان الفاعل معلما في منطقة نائية أو أستاذا جامعيا أو طبيبا في عيادة خاصة أو عمومية أو موظفا في مقر المؤسسة أو غيره من الموظفين العموميين أو شبه العموميين ماذا سيكون الموقف؟؟ (استثنيت رجال السلطة و أصحاب المناصب السامية والصحافة ليقيني أن هذه الحالات يكون فيها “الحساب” وتصفيته مطروز على أعلى مستوى) في الحالات المشار إليها تتحرك الآلة الإعلامية التي تشتغل تحت الطلب للقيام بواجبها على أحسن وجه. وستجد التربة خصبة ليطفو حقد دفين في دواخلنا على “صاحب أجر كل نهاية شهر”، فقد استطاعت الأزمة القيمية التي تعرفها مجتمعاتنا أن تغرس بذرة حقد بسبب الفوارق الاجتماعية، ليس فقط بين الطبقات، ولكن حتى بين مكونات الطبقة السفلى المسحوقة والتي تضم الموظفين والمعطلين على حد سواء، فيصبح الموظف كائنا فاسدا مفسدا بامتياز ويحمل كامل المسؤولية في التخلف الحضاري التي تعيشه الأمة بأجمعها، وسيجدون السند في التاريخ القديم و الجديد، وتصبح سمعة كل “الموظفين” الذين بنوا مساراتهم بكد وجهد وصبر فاسدين…
في قضية راقي بركان وما استتبعها من تعليقات تدين الضحية، ما يكفي من المؤشرات التي توجب إعادة تأهيلنا الجماعي لتصحيح “نظرنا”حتى نصطف مع الضحايا ونصرخ في وجه الجلاد.
وتصبح معهم الفتاة الضحية شريكا ومعها كل النساء “فاسدات” مع سبق إصرار طبيعي، فالنساء فاسدات مفسدات جملة وتقسيطا كلما طالبن بحقوقهن وبخاصة إذا تعلق الامر بالمساواة، إلا من رحمها شيخ بعمامة.
… ونصبح نحن “الذكور”، مجرد طرَف في علاقة، وتصبح المرأة “طرْفا” أكثر إثارة وأكثر تعرضا للقصف.
إقرأ أيضا: موريتانيا: رقية شرعية تؤدي إلى حمل… بمباركة القبيلة
نعشق جلادنا ونبحث له عن كل المبررات المعقولة وغير المعقولة ليمارس شططه علينا في كل مجالات الحياة. في الشارع وداخل أسوار الإدارات وحتى فوق السرير.
نعشقه وهو يغتصب حرياتنا وحقوقنا ونعشقه وهو يجاهر بفحولته على أجساد نسائنا، ويمارس عنفه وشططه وقسوته، ونحن نئن… وفي الأخير نجهد أنفسنا ولغتنا وحتى مبادئنا أحيانا لنجد له مبررات.
لو كان الفاعل غير “الفقيه” (لأنه في النهاية الراقي البركاني استغل هذه الصفة التي تحوز احتراما وتقديرا يجد مرجعيته في المشترك الديني والاجتماعي بغض النظر عن سلامة هذا المعطى) لوجدت خطباء وعاضا ومرشدين ممن هم رهن الإشارة إضافة للآلة الإعلامية المستعدة لتقديم الخدمة ل “تجار الدين” وقد شحذوا ألسنتهم وبعض آيات الذكر الحكيم وكثير من الأحاديث الصحيحة منها والمكذوبة ليس يهم.
استطاعت الأزمة القيمية التي تعرفها مجتمعاتنا أن تغرس بذرة حقد بسبب الفوارق الاجتماعية، ليس فقط بين الطبقات، ولكن حتى بين مكونات الطبقة السفلى المسحوقة والتي تضم الموظفين والمعطلين على حد سواء
المهم أن تُفضح هذه الجمعيات النسائية وهؤلاء الفجرة والفاسقين الذين ينشرون الفجور والفساد باسم حقوق المرأة والحريات، ويريدون جر البلاد المسلمة الآمنة المطمئنة، إلى مصاف البلدان التي تتساوى فيها المرأة والرجل في كل شيء ضدا على “مشيئة الله” الذي ميزها وكرمها “بدونيتها”. ففي “نصوصهم” ما يكفي من القطعيات التي تكرم المرأة حتى وإن أهانوها، وتعلي من شأنها حتى ولو جعلوها في أسفل سافلين.
إقرأ لنفس الكاتب: شرعية “البنية” أو شرعية القهر؟
في قضية راقي بركان وما استتبعها من تعليقات تدين الضحية، ما يكفي من المؤشرات التي توجب إعادة تأهيلنا الجماعي لتصحيح “نظرنا”حتى نصطف مع الضحايا ونصرخ في وجه الجلاد.
كم نحتاج من طبيب عيون؟
وكم نحتاج من عالم نفس وعالم اجتماع لفك شفرات هذا الجهل المركب الذي نعيث فيه ويعيث فينا، ولرسم معالم طريق طويل وشاق ينتظرنا ونحن عنه تائهون
… ولن نرتقي حتى نقطع تلك المسافة الطويلة جدا لنكتشف أن إدانة ضحية هو عشق مرضي للجلاد.